فتساءلت مَن هؤلاء الذين في أيدهم سعف النخل ؟! فأجابني واحد من الشيوخ قائلاً لي : ألم تعلم مَن هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض ؟! ومن أين أتوا ؟! فقلت له : يا سيد أنت تعلم . فقال لي :

هؤلاء الذين أتوا من .. الضيقة العظيمة..(المحن والبلايا العظيمة)

وغسَّلوا ثيابهم وبيَّضوها في دم الخروف(رؤ7: 13و14)

These are they, which came out of great tribulationالبلايا والمحن

قصة حياة إنسان  عاش الصليب  كاملاً  طوال حياته وحدث أثنائها معجزة شفاء عجيبة .. كان هدفها

معرفة إنسان .. الطريق إلى الحياة .. والطريق إلى الكمال

أنا إنسان خاطئ قد عمل الرب في حياتي أعمال مجيدة وعجيبة جداً وقد افتقدني بطرق يطول شرحها . فمنذ أن كنت طفلاً صغيراً بدأ الرب معي برؤى عجيبة من نوعها لأني كنت أقاسي أشد الصلبان التي يمكن أن تأتي على خيال أيّ إنسان وهذا منذ أن ولدت في هذا العالم فكانت آلامي من ضرب مبرِّح من أفراد عائلتي لأسباب يطول شرحها ، مع أن عائلتي ليست وسطها الاجتماعي ضعيف أو كما يحدث في البيئات الشعبية ، ولكن لأن الرب سمح بأن أُصلَب منذ ولادتي فكنت أُضرَب ضرباً مبرحاً حتى لا أُترك إن لم ينزل الدم من وجهي . وكنت أشعر منذ ولادتي بأني ولدت في عائلة غريبة وانظر إلى أبي وأتعجّب و أرفض تصديق انه أبي .. ليس لأنه مختلف ولكن لأني وجدت نفسي بطبيعة هي التي كانت تختلف تمام الاختلاف عمَّن كانوا حوالي وغريبة : فمثلاً كنت أرفض بشدة وببكاء الذهاب مع العائلة إلى شاطئ الإسكندرية وأقول لهم أن هذا حرام فكيف أتعرَّى أمام الجميع ؟!  ثم  لماذا  ؟! فلو كان الهدف الاستحمام فإنني أستحم في الحمام في منزلي وفي الخفاء !! إذن .. ما هو الغرض من أن يتعرَّى الجميع أمام بعضهم البعض ؟!! وكانت أي صورة رديئة في المنزل [لاأخلاقية] كنت أهشّمها بغضب فكان أبي ينهال عليَّ بالضرب بالحذاء وكنت أقول له ببساطة : أنت تضربني لأنك تحب الشر لذلك تَقبَل هذه الصور لأن أبي [بالجسد] كان يهوى جداً الصور اللاأخلاقية بل ويهوى كل ما هو لاأخلاقي وجسدي لأعلى ما يكون فهو لا يصلي مطلقاً ولم يتناول من قَبْل لأنه لا يعرف أي شيء عن هذه الأمور ولكن يعرف كل ما له علاقة بالجسد وكان يقول لي "أنا هو سبب وجودك في هذه الدنيا ولولاي لما وُجِدتَ !! فإن الله في السماء وأنا هنا على الأرض ، وأنا اللي أُطعِمك". فكنت أقول له "أنت لا يمكن تكون أبي" وبعقلي كنت أتساءل "من هذا الرجل؟! و لماذا هو شرير هكذا ؟!" ومن هنا بدأت الحرب والعداوة الشديدة وكان عمري خمسة أعوام حينئذٍ .

غير أن أبي كان يعبد المال بشدة عجيبة مع أنه من عائلة عريقة ، ولكنها فقير جداً من المشاعر والرحمة و الإنسانية ، فلأن جدتي كانت تعطيه أموالاً بسبب الميراث ولكنها كانت تكرهني أنا أيضاً لأني لا يمكن أن أكذب أبداً وكانت جدتي امرأة لا تعبد الله فكانت تقول لأبي أي افتراء عني لكي ..  تمتِّع نظرها بعقاب أبي لي  فتقول جدتي لأبي مثلاً : "فولان" كسَّر أطباقي الصيني اليوم .

فبمجرد أن يسمع أبي هذا فكان يربط يديَّ  ويقف بركبتيه  على  بطني  وأنا مشدود الأيدي ويضربني بالحذاء على  وجهي  بوحشية مُرَوِّعة حتى أكاد أجن

والرب وحده الذي سأقف أمامه يوم الدينونة الرهيب وسأجاوب عن كل كلمة تفوَّهتها وفكَّرت بفكري فيها يعلم صدق كلامي ويعلم كم من صدمات عصبية واجهتني ولم يكن والديَّ يعرفوا حينئذٍ أنني مريض بالقلب ومشاعري يصعُب إنسان بشري على الأرض وصفها وإن كان هذا بالطبع لم يكن يُغيِّر في الأمر شيء .. ومع كل هذا .. بل والأعجب من كل هذا أني كنت أحب أبي وأمي لدرجة العبادة مع كل هذا لأنني عاطفي لأبعد ما يتصوره عقل بشري ولهذا كنت أحتاج أن أملأ فجوة قلبي التي لا حدود لاتساعها بأي إنسان .. و طبيعة مشاعري أيضاً غريبة جداً فإني لا أقدر أن أقتل حشرة كالنملة لأنني ببساطة أضع نفسي مكانها . وكنت أبكي بشدة وبمرارة يوم أن يأكلوا حمام وأصرخ متوجعاً وأقول لهم : ذبحتم الطيور الرقيقة التي خلقها الرب !! و لماذا ذبحتموها ؟! و ماذا فعَلَت لكم ؟! ألا يكفي كل طعام العالم ليسِد جوعكم ؟!! .. وكنت أظل في كرب منقطع النظير وأتيقَّن أكثر إني وُجِدتَ في عائلة وحشية ، وهم قد سرقوني من بيت أبي الملك.. !! ويطول شرح معاملات أبي الوحشية معي أنا بالذات لأنه كان يضربني لكي أكذب على باقي أفراد العائلة الكرام في أمور كثيرة وكنت أرفض بشدة مع أن عمري لم يكن يتجاوز السادسة .. فكان أبي ينهال عليَّ كالوحش المفترس بلا عقل .. حتى كدت أُجَنّ مع أن الوحوش الضارية تلحس أبناءها وتداعبهم كالنمور والأسود أما أبي افترسني افتراساً .. وبلا هوادة لأجل كرامته أو لأجل بضعة جنيهات كان يريد أن  يضمن  امتلاكها من جدتي .. والعجيب أن عائلة أسرتي وسطها الاجتماعي عالي : فإن جدي مهندس معماري وجدي الآخر جواهرجي ، ولكن المشاعر والعاطفة والرحمة والروحانية والإنسانية ليس لها أي علاقة بالأوساط والبيئات لأن القطط والكلاب وبهائم كثيرة تُداعب أبناءها وتحتضنهم في غاية من الرفق والأحشاء والرأفة .

و أي صديق كان يأتي إليَّ كان أبي يطرده وبصوت عالي على باب غرفة الصالون ويقول : إحنا مش فاتحين بيتنا استراحة . وكل هذا لأني ليس لي أي ثمن أو قيمة ولا أُمثِّل أي شيء ولا حتى قطعة موبيليا بالنسبة لوالدايَّ .

والأعجب أن والدي كانت يبيع لي أحياناً طبق الخضار ويقول لي : "مش انت بتأخذ مصروف قرش صاغ كل يوم ؟! طيب.. هيتصِرِف في إيه ؟! يكفي إننا نتعب ونطبخ لك ببلاش ، وأشتري الطعام وأحمله على قلبي حتى المنزل"!!! أما الأمر الذي لا يقبله عقل ولا يصدقه أي إنسان طبيعي أنه عندما تضع أمي حلوى وتوزِّعه علينا وأضعه أنا في الدولاب كان أبي يأخذ منها !! وحتى الأشياء التي كنت أشتريها بمصروفي لأقدمها لأصدقائي كان أبي يأخذها وإذا تفوَّهت بكلمة يقول لي "إن كل شيء ملكي أنا"..!! حتى بعد أن عملت بالخارج فيما بعد أيضاً كان يُؤخَذ أي شيء أتركه خارج الدولاب ويقول لي "إننا نحن الذين ولدناك ، فكل شيء خاص بك ملكٌ لنا" ..!! وكل مَن سمع آلامي يقول لي هذه الأفعال لا تصدر من أشرار بل من أشخاص مرضى عقلياً .. ولكن هذا غير صحيح . ولأن طبيعتي أجد الفرح والشبع والنشوة واللذة الكاملة في أن أعطي ، فهذا هو طعامي وقُوُتي ، ومع كَمَّ هذا العطاء كان أبي يبيع لي الطعام واستمرت محبتي الكاملة لوالدي مع إن أبي كان يقول لكل أقاربي وجيراني "إن فولان [أنا] يعاملني معاملة رديئة ويكرهنا ولا يعرف الله ولا يطيع والديه ولا أعرف ماذا أفعل له وفي أي شيء قصَّرت تجاهه؟!" !!!! ولأني كنت أحب النظام والنظافة والجمال لأبعد ما يكون كانت فرحته أن يجعل المنزل خرباً لأبعد ما يتصوَّره عقل بشري حتى يصير قلبه في ارتياح لأن هذا ضمن عدم فرحي .

ومع كل هول هذه البُغضة الشرسة التي ليس لها أي أساس كنت أعبد والدي عبادة كاملة وهذا ما كان يجعل ألم الصليب لا يُقَدَّر ولا يُوصَف ، وقال لي الرب بعد ذلك "صارت آلامك لا معقولة" أي لا يستطيع بشري أن يصف حجمها أو نوعها .

و عندما كان عمري ستة أعوام كانت أول رؤيا رأيتها وأتذكرها كما لو أراها الآن ، بل وأشعر بكل ما حدث . فأنا كنت محموم بحمى شديدة .. وفجأة وإذ معالم الحجرة تتلاشى  وأجد أمامي لؤلؤة لونها أخضر فاتح غاية في الروعة فتعجّبت كيف صارت هذه أمامي !! وبدأت تقترب مني ورأيت وإذ في داخلها شيئاً أسود قبيح المنظر مثل القماش المحروق أو مثل ذيل فار محروق . وجعلني الرب أستوعب كل ما أرى ، فقلت في نفسي في الحال : يا خسارة !! يا ليت هذه الجوهرة كانت بدون هذا الشيء الأسود . فأحسست بأن هناك شخص في الحجرة وهو الذي أحضر هذه الجوهرة ، وأدركت في هذا الوقت أنه هو الإله . فسمعت صوت الرب يقول لي بصوت حنون جداً : إن هذه الجوهرة يا ابني هي أنت وإنك أنت الوحيد الذي تستطيع أن تخرج هذا الشيء القبيح الذي في داخلها  : فهل تريد أن ترى ماذا سيحدث للجوهرة إذا خرج هذا الشيء؟!! فقلت : بالطبع . ففي الحال أحضر جوهرة أخرى ووضعها أمامي .. في الهواء ، وكان بداخلها نفس الشي القبيح الذي في الجوهرة الأولى وأخرجه الرب بطريقة عجيبة فبدأت هذه اللؤلؤة تكبر وتكبر وملأت الحجرة ، فصار منظرها مروع ولا يستطيع أحد وصف جمالها . فسمعت صوت الرب يقول لي : إن اللؤلؤة الأولى هي أنت و هذا الشيء القبيح هي أشياء لابد أن تزيلها ، فقلت له إذن لماذا لم تزيلها أنت من اللؤلؤة الأولى ؟! فقال لي : إنك أنت الوحيدة الذي له الحرية في إزالتها و عندما تزيلها ستصبح لؤلؤتك الصغيرة كبيرة هكذا مثل هذه التي ملأت الحجرة . فقلت له : هل أنا يا رب يمكن أن أصير هكذا ؟!! فقال لي : إذن .. لماذا أريتك كل هذا ؟! فقلت له : وكيف يارب؟! ففي الحال وجدت بيني وبين اللؤلؤة الصغيرة [ التي هي أنا التي كان مازال بها الشيء القبيح ] طريق كله شوك حاد جداً ومنظره مروع ومفزع ، فقال لي الرب : هذا هو الطريق الوحيد الذي إذا سرت فيه ستصل إلى هذا . فأدركت عندما كبرت أن الرب كان يقصد لي الطريق الكرب الذي هو ما أكربه الذي وحده المؤدي إلى الحياة.

وبالفعل مرَّت سنوات قاسية وخصوصاً إني اكتشفت أن القلب به ضيق في الصمامات .. وارتجاع .. فزادت الآلام النفسية مع الجسدية وذاد هذا بأن سمح الرب فيها بأن يكرهني كل إنسان ولا أجد مَن يحبني بل لا أجد أي راحة بأي صورة في أي مجال مع إني كنت أحب أي إنسان بشكل عجيب وأي صديق أتعرَّف عليه حتى وأنا في الخامسة من عمري أسعى أن ألتصق به للأبد .. ولكن الرب سمح بأن يكرهني كل إنسان حتى وصلت للصف الأول الثانوي وكنت أسمع صوت الرب أحياناً من وقت لآخر في مواقف يطول شرحها .. فمثلاً عندما أذهب لدير وأجد أمامي رهبان يعاملون بعضهم البعض بدون محبة أسمع صوت الرب يقول لي : هؤلاء غير مسيحيين وكاذبون . و إذا ذهبت لقرية وكان هناك كاهن لا يسلك بالروح أسمع صوت الرب يقول لي : هذا كذَّاب ، فهو ليس كاهناً .

وكانت طبيعتي مختلفة تماماً وفي تناقض مع مَن حولي ، فإني مثلاً أرفض الكذب وكل مَن حولي يكذبون كل ساعة .. و أيضاً طبيعتي تحب بلا حدود وكل مَن حولي يكرهونني بشدة عجيبة وبلا حدود .. وطبيعتي تحب كل ما هو روحي وأطلب الله بشدة كاملة وأحب الحشمة والوقار .. وأبي عكس هذا .. بالنقيض النهائي لأبعد درجة .. فكأنني سُرِقت من مكان بل من زمان آخر وأحضرني الرب إلى مكان لا يعرف الرب بأي صورة .. فهم على النقيض التام لكل صفاتي ومع ذلك أحبهم حتى هذه الساعة لدرجة يصعُب تصديقها . فإن مجرَّد أن أبي أو أمي تتنهَّد متوجعة من أي ألم جسدي أصير مثل الشمع الذي يذوب أمام النار وكأني أهوي تحت الأرض لدرجة إني أترجاهم أن يخفِضوا صوتهم حينما يتوجعون لعلَّهم تعملوا معي رحمة ، ولكنهم بالطبع لا يفهموا ما أقصده فلا يمكن  لإنسان بشري أن يصدِّق أو يتفهَّم طبيعة عاطفتي أو مشاعري ، وهذا ما أخبرني به الرب فإن الحشرات أشعر أنها جزء مني لهذا أخاف أن أزعج عصفورة نائمة .. ولو كانت هناك قطة في غرفة ونائمة يستحيل أن أدخل الحجرة لئلا تستيقظ أو حتى لئلا تشعر بالخوف .. فهذا يؤلم مشاعري ولو كانت هناك حمامة في مكان ما وأدركت أنها تشعر بالخوف من اقترابي منها فلا يمكن أن أدخل هذا المكان حتى لو كانت الحمامة في المطبخ وأنا أشعر بالجوع .. فإن انزعاج الحمامة يؤلم مشاعري جداً أكثر بكثير من ألم جوعي ، بل يسهُل عليَّ جداً ألم الجوع من أن أدخل مطبخ يمكن أن أزعج فيه طيراً .

و عندما كنت في ثانوي زادت الرؤى لأن الرب كان لابد أن يجرح ويعصب ويشفي ويعزِّي مع أن الجروح بل الذبح والقتل الذي يسمح به الرب لي .. فبدأت أرى الرب في رؤى كثيرة وهو يحتضنني ويخبرني انه معي في كل لحظة وبدأت أراه حتى وأنا مستيقظ ويطول شرح ما رأيته ، وكان هذا هو الشيء الوحيد في هذه الحياة الذي يُعزِّيني وهو الرب نفسه ، وأدركت أن هذا هو الهدف الذي كان الرب يسعى إليه وهو أن يجذبني بكل الطرق ليصير كل عقلي وكل قلبي له ولا أملأ قلبي إلا منه هو .

ولكن كانت صلباني يَصعُب وصفها وفي كل المجالات لا أجد الرحمة .. فمثلاً : إني أُحِب الأطفال بل أعبدهم وسمح الرب بأن يكرهني أمين الخدمة وبشدة ويطردني من الفصل أمام الأطفال بلا سبب ، وبعد ذلك يقول لي : أنا اعتقدت انك تغيَّبت الأسابيع الماضية . وفي النهاية طردني تماماً من الخدمة لاعتقاده أنني أسأت إلى كرامته وكان باقي الخدام وفي هيكل الكنيسة يكرهونني ويضطهدونني بلا سبب ، ولكن أخبرني الرب بعد ذلك انه بسبب طيبة قلب الإنسان وبساطته فإنه يكون كالجثة بالنسبة للعالم الذين هم وحوش الأرض وحيثما تكون الجثة هناك تجتمع النسور (مت24: 29) لأن أي نفس بسيطة تكون بمثابة السُلَّم الذي يسعى ليصعد عليه أي إنسان في وهم لترتفع ذاته وتشبع أيضاً عندما يجد أي إنسان طيب القلب يعتقدونه انه ضعيف فتكون فرصة لارتفاعهم في الوهم الذي يعيشون فيه .. فحتى أكبر الخدام عندما يكون مع مجموعة فتيات وأكون أنا ماراً بهم في نفس الوقت يقول لهم "سوف أجعلكم تتسلُُّون تسلية ممتعة الآن" وينادي عليَّ لكي يُضحِك هؤلاء الفتيات بسخريته مني لشدة بساطتي فأتذكر كلام أرميا النبي "صرت ضحكة لكل شعبي .. وأشبعني مرائر ورواني أفسنتيناً" (مراثي3: 14) . وحتى في امتحان شهادة الثانوية العامة كنت أنتظر 90 % وكانت الصدمة  المُرَوِّعة إني حصلت على 55 % . ولا أقدر أن أصف الآلام المريرة التي اجتزتها طوال الثماني سنوات في الكلية وخصوصاً السنة الثانية التي أعِيد فيها تلك السنة الدراسية . وليس هذا فقط بل إني أرسب كل عام وأحصل على ضعيف جداً في كل المواد رغم سعيي الكامل في المذاكرة طوال العام ولكن مع هذا كنت أرسب كل عام .

ورأيت مرة الأنبا أنطونيوس يظهر بجانبي وأنا أستذكر ويقول لي "هذا هو أول صليب من آلامك وهو الآلام النفسية ، لا تخف إن الرب وكل قديسيه معك ويُصلٌّون من أجلك" . فظهر القديس مارمينا على المرآة وترك بصمات يده المفتوحة المرفوعة للصلاة ، وكانت البصمات بيضاء كمثل إنسان وضع يده في مادة بيضاء (كالدقيق مثلاً) ووضعها على المرأة لتصير واضحة آثار هذه اليد المرفوعة للصلاة من أجلي حتى أتعزَّى . وظلًّت بصمات يدّ مارمينا واضحة شهوراً وأريتها لكثيرين ، وحدث أنه في آخر سنة في دراستي انه ساءت حالتي النفسية إلى المنتهى فكنت عندما أرفع قلبي وفكري إلى السماء وقت صراخي للرب لكي ينصفني ويرحمني فأرى أن سقف الغرفة قد انشق ورأيت السماء وكأن المسيح يجلس على عرش من نور عظيم ، فعندما كنت أفيق لنفسي كان يختفي كل شيء وظننت مرات إنني أتخيَّل هذا (تهيُّؤات) لكن الرب كان يوفي بوعده انه "يسحق ويداه تشفيان" (أيوب5: 18) .

فظللت ثمانية أعوام في الجامعة وسط تعيير مرير من والدي وأخي مع إن جميع أصدقائي وكل الذين في هذه الكلية كانوا ينجحون من مذاكرة شهر واحد لسهولة مواد هذه الجامعة ، ولكن لكي يَكمُل صليبي الذي هو كل أنواع الآلام في كل المجالات حتى لا أجد راحة بأي صورة سواء في إنسان أو في أي مجال أو راحة جسدية أو عقلية حتى لا يصير لي وجود في هذا العالم . وكل هذا حتى تكمُل قصة خلاصي وشفائي بحكمة الله الكاملة العجيبة الذي كان يسعى أن أمتلئ منه من كل القلب ومن كل الفكر ومن كل النفس ، فسعى سعياً كاملاً بشتّى الطرق لأنه كان يعلم قبل إنشاء العالم أن غاية وشهوة قلبي أن أمتلئ منه كل الملء حتى لا أصير نادماً هناك في الأبدية هناك إلى الأبد على أنه هناك نفساً امتلأت من الله أكثر مني بنعمة الله الكاملة التي أُعطيت لكل نفس لكي تصل للكمال الذي طالبنا الرب به وهو كمال الامتلاء منه لنصير على صورته ومثاله كما قالت لي السيدة العذراء "لا يجب أن يكون هدفك أن تصير صورتي أو صورة يوحنا المعمدان ، ولكن يجب أن تصير صورة لله ومثاله" . ولو قصصت ما سمح الرب به لي لا يصدقني إنسان ، فحتى كل أصدقائي الذي سمح الرب بصداقتهم لي .. الذين كنت أحبهم بشكل يصعُب وصفه .. كانوا يكرهونني ويتفقون معاً عليَّ حتى وصلت كراهية أقرب أصدقائي في يوم من الأيام أنهم يقطعون قميصي وبنطلوني ويطرحوني إلى الأرض في الشارع ويُلقُوا دراجتي فوقي أيضاً وسط صدمتي وكأن شياطين العالم اجتمعت حولي .. أما الأعجب من هذا أنني بعد أن أفقت من صدمتي بحثت عنهم لأسألهم ما الذي أغضبهم مني !!! وكان عمري وقتها 17 عاماً ..!! لهذا كان يُنظَر إليَّ كمجنون أحياناً و هكذا كان يكرهني كل مَن يعرفني بشكل عجيب ولا يصدقه أحد بل وأي أصدقاء يتفقوا عليَّ في أن يتركوني مثلاً في العيد ويهربون مني وكأني عدوٌ لدود فتزداد آلام عقلي مع أني أجد متعة في رؤيتهم بل وشبع ، وربما أقف في الشارع ساعات حتى ينزل أحد أصدقائي حتى أراه دون أن يراني فيتمتع بصري به ، فإن شبعي هو أن أحب وكنت أتمنى أن يحبني أحد بأي صورة أو بأي نسبة من طبيعتي لعلِّي أشبع أنا أيضاً ، لكن الرب لم يسمح بهذا حتى يحتفظ بكل قلبي فارغاً حتى أمتلئ منه هو من كل القلب ومن كل الفكر .

ولكن كانت تعزيات الرب هي الشيء الوحيد الذي جعلني باقياً على قيد الحياة وخصوصاً أنه خصَّني بكل المواهب الفنية وجعلني أُتقِنها بشدة عجيبة فائقة كالرسم والعزف على البيانو وأشياء كثيرة جداً . وكان الرب هو البلسم الوحيد في هذه الحياة المريرة التي اكتنفتني فيها حبال الموت وكل سيول الهلاك أفزعتني .. فكان أخي يعايرني على نتيجة الثانوية العامة وكاد أبي يرفض أن يعطيني الطعام ويقول لي "خسارة فيك الطعام" مع أن قلبي كان يتمزَّق وجعاً ، وكانت عبارة أبي الدائمة "لو مش عاجبك روح بيت تاني ..  كفاية إننا بنأكّـِلَك ببلاش ". ولا أقدر أن أخبر بكل شيء لأنها أمور لا تُصَدَّق .

وأعدت الثانوية العامة .. ودخلت كلية التجارة .. ولأني كنت مريضاً بمرض في القلب منذ صغري وكنت في آلام شديدة جداً .. جداً . ولكن آلامي الجسدية لا تُقاس بالآلام النفسية حتى أن الأنبا أنطونيوس قد رأيته في رؤيا [وأنا في فترة الدراسة بالكلية] وكان أمامه رهبان كثيرين يسيرون في الطريق الكرب وكان كل الرهبان [وكأنهم رهبان كل الأزمنة] يقفون في طابور طويل جداً وكان بجواره كومة كبيرة من صلبان بلاستيكية يزن كل منها من 10 إلى 20 جرام وكان يقف بجواره السيد المسيح أيضاً وكان يعطي كل راهب صليب من البلاستيك الصغير فكان يصرخ كل راهب متوحد ويقول : أعنّي يارب . و كان الأنبا أنطونيوس يحمل بيده الأخرى ثلاثة صلبان حديدية كل واحد منها يزن خمسة كيلو جرامات .. ، فعندما جاء دوري كنت خائفاً أنا أيضاً من ردود فعل الرهبان الذين بمجرد أن يلبسون الصليب البلاستيكي كانوا يصرخون ، وكنت أعتقد انه سيعطيني صليب من البلاستيك الذي يوزّعه على أي متوحد وكنت خائف أنا أيضاً لأن الرهبان كانوا يصرخون من الصلبان وخصوصاً أنهم كانوا رجالاً أشِدَّاء ..!! ولكن المفاجأة أنه ألبسني هذه الصلبان الحديدية الثلاثة فكانت النتيجة أنني أغشى عليَّ في الرؤيا فأقامني الأنبا أنطونيوس وأعلمني أنني سوف أقاسي أشد الآلام التي يمكن أن يجتازها إنسان بشري ، ولكن أخبرني أن كل هذا حتى أصِل للصورة التي تُرضي مشيئة الله وهي صورة الله ومثاله .

فكل ما ذُكِر فهو أول نوع من أنواع الصلبان وهو الصليب النفسي [الآلام النفسية] الذي بدأ منذ صغري وهو كان كبداية وكتدريب للصلبان الأخرى العاطفية والعقلية والتي يصعب على كثيرين فهم الفروق بينهما . فإن الصليب العقلي هو الأشياء التي لم يكن يتوقعها الإنسان أبداً وتحدث فجأة ومرة واحدة مما يؤدي إلى صدمة عصبية شديدة جداً مثل زوج وزوجة [مثلاً] على علاقة ودّ قوية جداً ووفاء ومحبة شديدة لسنين طويلة وفجأة يكتشف الزوج أنها ذهبت لإنسان آخر ، فهذا هو الصليب العقلي الذي يؤدي إلى صدمة عصبية ويكون آلامها لا تُوصَف وهو أشدّ الصلبان .. لأنه يشترك مع الصليب العاطفي والنفسي.. ولأنه شيئاً غير متوقع فهذا هو الصليب العقلي وهو أمر يذبح عواطف قلب الإنسان العادي .. فكَمْ وكَمْ الإنسان العاطفي جداً الذي له المشاعر الجياشة وهذا هو الصليب العاطفي ، وبديهي أثَّر على نفسيتي جداً فهذا هو الصليب النفسي [الآلام النفسية] وقد سمح لي الله بكل آلام هذا الزمان الحاضر أي بكل الآلام النفسية وكل الآلام الجسدية والعصبية وكل الظروف ، أي سمح بأن أُهان وأُطرَد في كل مدينة أذهب إليها وأن تسوء سمعتي في كل مكان وأن أُهان من جميع الناس وأن يكرهني كل مَن يجدني  بل أن يكرهني كل أفراد أسرتي بلا سبب [ مع محبة شديدة جداً مستمرة من ناحيتي لهم لعشرات السنوات] . وهذا فقط نوع واحد من النوع الصلبان النفسية التي سمح لي به الله ، وسمح لي أيضاً في نفس الوقت بأن أتألم سنوات طويلة مع بكاء دائم من شدة الآلام مع بقاء الآلام النفسية أيضاً أي استمرار سماح الله لي بأن يطردني الناس من  أي مكان أعمل به  أو  أي بيت أسكن فيه  أو  أي كنيسة  أصلي فيها  ، وكل خدمة أخدم فيها يسمح الله بأن يكرهني الخادم المسئول أو الخدام الذين معي وكل بيت أسكن فيه سواء في مصر أو في الخارج ومن أفراد أسرتي أيضاً .. سواء من أبي أو أخي الذي في الغربة كانوا يعاملونني أصعب معاملة . فبالنسبة لأبي الذي مجرد أن أسعى أن أفعل أي شيء يرفضه سواء حضور رهبان أو خدام في بيتي أو حتى أن انظف البيت فإنه يثور عليَّ غضباً ويقول لي إذا قَبِلتَ الحال هكذا فلتبق في المنزل ، ولكن إذا رفضت ولم يعجبك الحال هكذا اذهب إلى مكان آخر . كل هذا لأنه مرفوض أن أصير فرحاً أو حتى في ارتياح لأنني  عندما أنظف البيت فهذا يريحني بل كنت أسعى أن أجعل من بيتي قصر حباً في أهل بيتي أيضاً ولكن لأنهم أدركوا أن هذا سيفرحني كانوا يتفنَّنون في أن يجعلوا البيت مزبلة ويجدوا نشوة في هذا أيضاً لأنهم لا فرق عندهم سواء كان المكان قصر أو مزبلة لأنهم لا يشعرون ولا يحسون بجمال طبيعة أو بمشاعر إنسان .

وحتى في الخارج عندما ساعدت سيدة ظروفها صعبة قد اتهمتني باتهامات أخلاقية كاذبة حتى لا أسعى أن أطالبها بالمال بل وأُهدَّد حتى أعطى أموالي لهذه السيدة التي اتهمتني . وسمح الله أن أسافر بلد للخارج أخرى حيث يسمح لي الله بأن أسكن مع إحدى أقاربي فعاملي معاملة أصعب من معاملة العبيد وأقسى من الضرب بسياط من الحديد حتى . وسمح لي الله أيضاً أن  أُتَّهم  اتهامات أخلاقية غير صحيحة واتهامات بعدم الأمانة ويكون هذا علناً أمام كل مَن يعرفوني ، كل هذا مع استمرار بقاء الآلام الجسدية الشديدة واستمراري في أخذ علاج قوي لعدم احتمال الآلام . وكل هذا مع استمرار كراهية أهل بيتي الشديدة لي منذ أن وُلِدت لأن الله سمح بأن يعاملني أهل بيتي معاملة قاسية منذ أن وُلِدت وبلا سبب وأن أُضرَب دائماً بلا سبب أيضاً . وقد سمح الله بأن أكون رقيق المشاعر جداً وحساس جداً ، بل والأهم من كل هذا أنه بطبيعتي أحب أهل بيتي محبة تفوق المعرفة وتفوق أي تصوُّر . ومع كل هذه المعاملة ، إلا أنه بسبب محبتي الشديدة لم أستطيع أن أكرههم . وفي نفس الوقت يسمح لي الله بصلبان أخرى بأن يسرقني أصدقائي وأبقى بدون أموال ، وفي نفس الوقت مع بقاء باقي الصلبان مستمرة أي الآلام الجسدية الشديدة والآلام النفسية والطرد والكراهية وبغض كل أصدقائي لي وكل أهل بيتي بدون سبب . ولأنني استأمنت أصدقائي .. سمح الله بأن يسرقني أصدقائي وأن تُسرَق كل أموالي ، وسمح الله لي أيضاً بأن أُقاسي آلام غربة وآلام يطول شرحها لمدة 20 إلى 30 عاماً . وفي كل آلامي لم أستطيع أن أتكلم أو أتفوّه بها لأي إنسان لعدة أسباب منها أنني كنت أحب كل الذين أبغضوني محبة شديدة جداً فرفضت أن أتكلم بالسوء عنهم لأن "المحبة تستر كثرة من الخطايا" [وهذا ما يجعل صليبي النفسي والعقلي يفوق كل تصوُّر لأنه إن كانت عدم محبة الإنسان لأخيه بالنسبة لله عملية قتل "من لا يحب أخاه فهو يبغضه .. ومن يبغض أخاه فهو قاتل نفس" !!! ولا توجد عبارات تصف مقدار ألمي لأني لا احتمل عذاب طائر أو خوفه ، فكم وكم الذي يحدث ؟!! ] ، أما بالنسبة لمَن أساءوا إليَّ في كل الظروف الأخرى وكل الأحداث وجدت بعقلي أنني لا يمكن لإنسان أن يصدقني أي يصدق أن الله يسمح بكل هذه الآلام لإنسان في منتهى الرقة  ويظل باقياً على قيد الحياة !! وهذا ما زاد آلامي لأن صليب واحد من صلباني التي سمح بها الله لي لسنوات طويلة لا يحتمله أقوى الأقوياء لفترة قصيرة .

ولكن كل ما أخبرته وقصصته كان فقط .. فقط مبتدأ الأوجاع أي كان تدريب على باقي الصلبان ..!! فكانت أختي الصغيرة التي كنت أشفق عليها بكل أحشاء ورأفة كل عاطفة البشر والتي كنت عندما أنظر إليها تئن عليَّ أحشائي سمح الله بأن تُتَّهم أيضاً اتهامات أخلاقية رديئة من أقرب أصدقائي أيضاً وأن تسوء سمعة أختي هذه في كل مكان مما جعلتها تترك البيت وكل هذا لأنها ترفض كل مَن تقدَّم لخطبتها ، وكانت أمي تنزعج لأن كل شغلها الشاغل أن تصير ابنتها في صورة ترضي أهل العالم وخصوصاً أنها جملية من الناحية الجسدية . فكان يتقدَّم لها كل الأغنياء ، و عندما جاء إنسان غنياً وله مركز جُنَّت أمي لرفض أختي له لأن أختي لا تفكر في هذه الأمور في ذلك الوقت وتترك هذا الأمر لله لأنه ليس هدفاً عندها ، لكن أمي ضايقتها حتى الموت مما جعلها تترك المنزل ، ففزِعت أنا فزع الموت فاتصلت بأب اعترافها لأخبره بهذا وأنا مفزوع .. وكانت  المفاجئة المُروِّعة  انه بعد أيام قليلة أدركنا أن كل مصر وكل الخارج سمع عن هروب أختي وتقاولت الأقاويل لأن مصدر المعرفة كان من مصدر موثوق فيه . وأراني الرب قبل هذه الأحداث بأيام قليلة أن هذا الخادم وهو يمسك بيده سكيناً حاداً ويذبح به أختي بلا هوادة . ولكنني لم أفهم معنى الرؤيا في وقتها وخصوصاً أن حسن النِيَّة عندي لا نهاية له . ولكنني أدركت معناها بعد ذلك أنه هو سبب موتها وكان الرب يريني في رؤيا كل الأمور والأحداث قبل أن تحدث بوضوح ، لكن هذا الأمر كان أصعب وأفظع أمر حدث لي على الإطلاق فصرخت للرب ولم أَعُد أعرف في أي اتجاه يذهب عقلي : هل في أختي التي لم أعرف أين ذهبت أَم في سمعتها التي ضاعت ؟! أَم في صديقي الخادم المسئول الأمين على خدمة كبيرة الذي كان هو السبب في ضياع سمعة وشرف أختي [التي كانت هي يجب أن تكون أخته وابنته أيضاً] الذي ائتمنته عليها والله الذي ائتمنه عليها؟!! .. فصرخت للرب صرخة مُرَّة وكدت أن أفقد عقلي لأنه لو كان الصليب لي لكان أهون عليَّ بكثير جداً جداً ، وبالفعل قد سمح الله لي بأبشع الاتهامات لكن كانت آلامها لا شيء بالنسبة لهذه الآلام ، ومع كل ذلك لم أقدر أن أتفوّه بكلمة واحدة لأنه لن يصدقني أحد لأن صديقي هذا قد أكّد هذه الاتهامات بكل مكر وهو مشهور وأهل ثقة . فرفعت عيني وقلبي وعقلي للسماء حتى يرحمني الرب وينقذني أو يأخذني لأنني صرت كالأموات الذين لم يتبقى فيهم نسمة حياة لأنه لا يمكن لإنسان أن يصدقني أي يصدق أن الله يسمح بكل هذه الآلام لإنسان ويظل هكذا أو حتى يظلّ على قيد الحياة ، لهذا بقيت وحيداً ولم أجد مكاناً أسند فيه رأسي . فهذه هي الدينونة العظيمة

وقد أخبرت راعي الكنيسة الراعي الأكبر وأخبرته أن أختي هي ابنتك التي أوكلك الله عليها : فهل تقبل أن الناس يتكلمون على ابنتك أو أختك أو أي أحد من أفراد عائلتك؟! وتوسَّلت إليه أن : يخبر الشعب بما حدث و أن أب اعتراف أختي الذي اتصلت به بدون حكمة أخبر أحد الأشخاص وبهذا تقاولت الأقاويل ، أو حتى يخبر الشعب أن أختي ليست شريرة وذهبت أماكن شريرة  أو غيَّرت دينها  ، ولكن المفاجأة المُروِّعة أنه لم يبالي وكأنه لم يسمع كلمة واحدة . فلم يبالي بسمعة فتاة أو شرفها أو مستقبلها ، ولم يبالي بحزن عائلة و عذابها المرير ، ولم يبالي بضياع مستقبل فتاة . وحتى أمي حاولت الانتحار لأنه كان هناك أشخاص في عداوة كبيرة لأمي خصوصاً في عمارتنا [وهم أصحاب المنزل] بسبب عدم حكمة أمي اللانهائية وبسبب طبيعتها هذه فاستغلوا الموقف وأكَّدوا للجميع أنهم رأوا أختي في ملابس غير مسيحية وبصورة غير لائقة ، وقالوا للجميع إن أهلها طردوها ورفضوا دخولها المنزل ، مع إن أصحاب المنزل مسيحيون .. !!! .. !!! أي من نفس أعضاء الجسد الواحد ..!! ولكن لأن أصحاب البيت أهل ثقة أيضاً لكثيرين زادت الإشاعات .. وكثيرون من الذين تقدَّموا لأختي لأنها رفضتهم [وخصوصاً شاب من النمسا كان قد عمل لها عمل حتى تقبل زواجها منه] كل هؤلاء بدءوا يزيدون الإشاعات . فترجَّيت أب اعتراف أمي وهو أشهر واعظ في المنطقة أن يحضر لأمي ليعزيها ولكنه لم يبالي ، و عندما اتصلت به أكثر من مرة أخبرني ابنه انه مشغول فقلت له "إن أمي سوف تموت من الحزن وستنتحر .. فأي مشغولية هو فيها ليس أهم من الظروف والمحنة والبَليَّة التي نحن فيها ؟!! فإن سمعة أختي ضاعت ولا نعرف أين هي الآن وأمي سوف تموت حزناً فأرجوك أخبر أبونا بذلك من أجل الله الذي نعبده وتعبدونه .. أليس أبونا هو أبوها أرجوك اجعلني أتكلم معه : فهل هو مشغول عن ابنته التي ضاعت ولا يبالي بعضو من أعضاء جسمه ؟! فهل يوجد إنسان يرى عضواً من أعضاءه سيهلك ولا ينظر إليه ؟!!!! فهي نفس من أعضاء جسمه أتوسل إليك .. فقال لي : أبونا بيتغدَّى (=يأكل) الآن . فكانت الصفعة أقوى الصفعات ، لكنها من الصدمات التي اعتدت عليها . فرفعت عقلي وقلبي لله كليّ الرحمة أن يتولاَّنا هو برحمته ..!!

وتوسَّلت لطبيب مشهور يعرف أب اعتراف أمي وأخبرته أن يكلِّم هذا الأب الكاهن ، فقال له الأب الواعظ "أنا لخدمة الكلمة"...!!! وبعد ترجِّي الدكتور له أن يتصل مجرد اتصال فقط لأن هذه هي الرحمة الحقيقية كما قال الكتاب "وأما من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً  واغلق أحشاءه  عنه فكيف تثبت محبة الله فيه" (1يو3: 17) و أيضاً "أريد رحمة لا ذبيحة" (هوشع6: 6 ، متى9: 13 ، 12: 7) ، ووعده انه سيتصل لكن المفاجأة انه لم يكلِّف نفسه ويتصل بنا فرفعت عقلي وقلبي لله أن يتولاَّنا هو برحمته .. وفقدت الوعي عدة أيام .. بسبب صدمات متتالية .. كل صدمة منهم كانت أقوى من الأخرى : فأختي لا أعرف أين هي ، وضاعت سمعتها في كل مكان ، وأمي ستموت حزناً ، و أعضاء الكنيسة والجسد الواحد لم يكونوا أعضاء .. والرعاة .. . فذهبت الفتاة ضحية كثيرون كان يجب أن يكونوا أعضاء في نفس الجسد الواحد ... فذهبت ضحية أم لا تشعر ولا تبالي ولا تعي بأي شيء إلا بإرضاء العالم بسبب بساطة عقلها الشديد وذهبت ضحية "أب خادم" تعهَّد أمام هيكل الله وأمام عرش النعمة وأمام كل الشعب انه سيسترد المطرود ويبذل نفسه ويموت من أجل خلاص كل نفس كان يجب أن يكون صورة للمسيح وصورة لله وأول مَن يعيش الإنجيل الذي أساسه المحبة الكاملة التي أخبرنا الرب عنها "ليس حب أعظم من هذا أن يضع الإنسان نفسه من أجل أحباءه" (يو15: 3) ، فمكتوب "لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق فكل الناموس في كلمة واحدة يكمل .. وتحب قريبك كنفسك" (1يو3: 18) أي بدون هذه الوصية الناموس ناقص و "وبهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاً لبعض (يو13: 35)  لأن "مَن لا يحب أخاه يبقى في الموت .. ومَن لا يحب أخاه لا يعرف الله ، ومَن لا يحب أخاه يبقى في الظلمة ، ومَن لا يحب أخاه فهو قاتل نفس وكل قاتل نفس لا يرث ملكوت السموات" (1يو3: 14و15 ، 4: 8 ، 2: 11) فإن الله هو المحبة فالذي ليست عنده محبة ولا يحب أخاه فهذا دليل واضح و برهان قاطع على انه لا يسكنه الله ولا يوجد فيه روح الله "لأن الله هو المحبة" وأوصانا تحب قريبك كنفسك . فإن كانت الوصية هذه لأي إنسان مسيحي: فكَمْ وكَمْ خادم الإنجيل ؟!!! وكَمْ وكم الذي تعهد أمام عرش الله أن يسعى لخلاص الآخرين.

فأخبرني الرب أن مجد الراعي هو أن يصير صورة للمسيح الراعي الصالح و أن يسلك كما سلك الرب وليس أن يصير صورة لملوك العالم ، فإنه مكتوب "لنصير مشابهين لصورة ابنه" ، فعندما يتضع الإنسان ويغسل أرجل أحباءه بسبب محبته الحقيقية لهم سيمتلئ بروح الله فسيصير صورة للمسيح وهذا هو المجد الحقيقي . ومن هنا يأتي المجد الحقيقي والغنى الحقيقي الذي هو الامتلاء من روح الله ، وليس كما يعتقد البعض انه لابد أن يكون له مجد وعظمة مثل ملوك أهل العالم فليس هذا مجد حقيقي طالما ليس حسب مشيئة الإله الحق أي طالما ليس هو صورة للإله الحقيقي وهو المسيح ، فصورة المسيح هي فقط المجد الحقيقي والذي يسلك كما سلك المسيح له المجد الحقيقي لأنه صار له صورة الإله الحقيقي أما مَن لم يسلك كما سلك الرب فليس له مجد حقيقي .

أما الأعجب من كل هذا أن الرب يوصينا بل ويطالبنا أن نحب أعدائنا بل ونُحسِن أي نقدِّم الإحسان بأي صورة سواء بشفقة أو عطاء أو على الأقل مشاعر ولكن تُبرهَن عملياً : ولكن لمَن ؟! يقول الرب : احسنوا إلى مبغضيكم .. احسنوا إلى مبغضيكم ؟! فهذا هو الذي يجرح قلب الرب ويصلبه كل يوم بل ويعذِّبه إننا لا نبالي بوصاياه أي لا نطيعه وبهذا لا نعبده "أنتم عبيد للذي تطيعونه" (رو6: 16) أي إننا عبيد للشيء الذي نطيعه فقط ، ومَن لا يطيع الله أي مَن لا يطيع الله في وصاياه فهو لا يعبد الله كما أخبرنا الكتاب "إن كان الله هو الله فاعبدوه ، فلا تعرجوا بين الفرقتين" (1مل18: 21) . لأن الإنجيل كان يجب أن يُعاش وليس أن يُنادى به أو يُوعَظْ به . فقد أوصانا الله  تمّـِموا فرحي  .. حتى تفتكروا فكراً واحداً .. ولكم محبة واحدة .. بفكر واحد لا شيء بتحزُّب .. بل بتواضع غير ناظرين ما هو لأنفسكم .. بل ما هو للآخرين أيضاً ، وإن كانت محبة فلتكن من أحشاء ورأفة" (في2) .

فكيف ننسى بعد كل ذلك وصية الرب "إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقيه" (أمثال25: 21 ، رومية12: 20) ، فهل بعد كل هذا يأتي عضو من أعضاء المسيح أي أعضائنا ويسترحم الكنيسة التي كان يجب أن تكون أعضاؤه [الأعضاء الباقية] ولا تسعى أن تحسن إليه أو تنظر إليه ؟! فلنحكم على أنفسنا : أيّ إله نعبده ؟! وكيف سنقف أمام عرش الله ؟! وبماذا سنجاوبه ؟!

وقد قال الرب لي : أنا الذي سمحت بكل هذه الأمور وسمحت بأن تَطِنّ أذن كل إنسان ، ولكن كما سمحت أن يتكلَّم العالم كله عن أختك سوف يتكلَّمون أكثر فأكثر عن هذا الأب وبكثير جداً وليت كل إنسان يقرأ كلامي الذي هو الحق الذي يقول "إن كنت أتكلَّم بألسنة الناس والملائكة وإن كنت أعِظْ بكل الألسنة وكانت لي نبوة وأعلم كل الأسرار وكل علم وكان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال وإن قدَّمت جسدي حتى يحترق ولكن ..

ليست لي محبة .. فقد صرت نحاساً يطِنّ .. أو صنجاً يرنّ .. فقد صرت نحاساً يطِنّ .. أو صنجاً يرنّ" (كورنثوس الأولى13: 1) . فمَن لا يحب أخاه .. لا يعرف الله .. لأن الله محبة .

وأخبرني الله انه انحنى وغسل أرجل تلاميذه وعبيده وقال لي : أنا فعلت ذلك لأعطيكم مثالاً .. وكان أول مَن يجب أن يصير صورة لي هم الرعاة .. لأن الراعي هو صورة للراعي أي كان يجب على كل راعي أن يكون صورة للراعي الحقيقي وهو أن الراعي الصالح أي كان يجب أن يكون عمله هو غسل أرجل رعيته  وإلا .. لماذا قَبِلَ  أن يكون راعياً أي أن يكون صورة لي ..  أي يناديه الجميع 'يا أبانا .. أو يا سيدنا' هذا لأنه كان يجب أن يكون صورة للراعي الصالح وهو أنا ..؟!!!!! فهذه هي الدينونة العظيمة أن خادم الكلمة وخادم الإنجيل لا يعيش الإنجيل ، وهذا معناه أيضاً انه ليس صورة لي أي ليس هو راعي حقيقي  لأنه لا يطيعني لأنه لا يعيش الإنجيل أي لا ينفّـِذ وصاياي  أي ليس هو عبدي طالما هو لا يطيع وصاياي ولا يصنع كما صنعت أنا عندما غسلت أرجل تلاميذي وقلت "كما صنعت أنا تصنعون انتم أيضاً لأني أنا أعطيتكم مثالاً" (يو13: 15) .

فتذكرت ما قاله أرميا النبي "يا عابري الطريق هل رأيتم حزناً مثل حزني ، إن الرب أرسل ناراً من السماء فسَرَتْ في عظامي واندلعت أحشائي وذبحني السيد ولم يُشفِق فأنا هو الرجل الذي رأى مذلَّةً بقضيب سخطه ، فكل تياراتك ولججك طَمَت عليَّ فإن الرب افترسني افتراساً" .. وأنا في هذه الحالة مُلقَى على الأرض وفاقد الذاكرة ظهرت لي السيدة العذراء وقالت لي "وأنا أيضاً تكلَّم كل الناس عني (لو2: 35 ، يو8: 19) لكنني لم أبالي لأني كنت أُركِّز في الحق فكل هذه الحياة باطلة وكل ما يحدث فيها باطل وهو بسماح من الله فأنت تحتاج  إلى الإيمان  بأن العَلِيّ متسلِّط على كل مملكة الناس وهو وحده الذي يفعل ما يشاء (دانيال4: 17) فثِق أن الله محبة وأن حياتنا كالبخار وستزول كالنفخة ، الأهم هو ملكوت السموات والأبدية التي لا تنتهي فكل الأشياء تعمل معاً للخير" ، فيجب أن تلتفت إلى الملكوت وللأبدية ولا تلتفت للأمور التي تُرى لأنه وقتية . ومرَّت الأيام وتعزَّيت لرؤية العذراء مرات أخرى مع السيد المسيح الذي ظهر في حجرتي وقت كلام العذراء معي ولكنه كان ينظر إليَّ فقط .. ومرَّت الأيام ، ولكن كانت معاملة كل أفراد عائلتي يصعب القلب والعقل أن يخبرا بها فإنهم افترسوني افتراساً أبشع من كل الوحوش الجائعة وكان قلبي كأنه يُصعَق كهربائياً لأنهم كانوا يكرهوني بلا سبب منذ البدء فكمْ وكَمْ صار الحال بعد أن أصبحت في نظرهم السبب في ضياع سمعة بيتنا [باتصالي بذلك الخادم] . فقد أخبرني الرب إن الذي فعله دقلديانوس في مارجرجس لا يساوي شيئاً مما فعلوه بي كل يوم وكانوا يصرخون في وجهي كلما مررت بهما في أي مكان ويطلبون لي الموت والدمار ويدعون ليَّ بأن أُحرَق ، وظلَّ الحال هكذا سنوات عديدة وخصوصاً أن فترة وجودي في المنزل بسماح من الرب الذي طلب مني في رؤيا أن أمكث معهم شهوراً عديدة وخصوصاً أيضاً لو سمح الرب لي أن يأتي إليَّ الناس الذين أراني الرب إياهم في رؤى ، فعندما كانوا يأتون إلى البيت كان يَصعُب القلم أن يشرح الحال وردود الأفعال التي كانت تحدث ، لأن الأمور التي كانت تحدث عندما يأتي هؤلاء لا يمكن أن يصدقها إنسان ، لأنهم إن كانوا يكرهونني ويريدون طردي أنا الذي أُعتبر صاحب منزل .. فكَْم وكَمْ الأغراب !!! وخصوصاً إنني في نظرهم إنني لا أعرف الله .. ومرَّت الأيام .

وكان أخي يعيش في ألمانيا وهو يدرس الدكتوراه ، فأرسل لي حتى أدرس دراسات عليا . وبالفعل سافرت إلى دولة أجنبية والتحقت بجامعة فوبرتال بمقاطعة دوسلدورف ومكثت سنتان أدرس. ويطول شرح معاملات أخي الشرسة أيضاً معي التي كانت أصعب من أبي وباقي عائلتي ، فإنه طردني بعد ثلاثة أيام من إقامتي معه ، مع أن طبعي نظيف جداً وكأني غير موجود ، لكن كان أخي قاسياً جداً إلى أبعد ما يكون ولا يعرف العاطفة أو المحبة [مثل أبي وباقي عائلتي]  ، ولأنه تعب في أول سنواته كان صعب عليه أن يجدني في راحة ويراني فرحاً ، فبدون أي سبب قال لي أنت لابد أن تكافح بمفردك ، فطردني .. فأُصِبت بأزمة حادة في قلبي ونمت في مطبخ المبنى وكانت درجة البرودة قاسية جداً فأدَّى إلى ألم يصعب وصفه ، وبعد ذلك ذهبت للكنيسة لأبيت فيها وكنت مصدوم عصبياً ، فاتصل أخي بأبونا وقال له : إني أخي [فولان] كاذب فهو غير مريض بالقلب ولا حاجة وهو لا يريد أن يتعب فأرجوك يا أبونا لا تعامله بالراحة حتى لا يعتاد على الكذب على الكنيسة وهو هكذا يريد أن يأكل وينام . وبالطبع صدَّقه أبونا وخصوصاً كان هنا طبيب ألماني قد أرسل له أبونا .. وكانت الصدمة الحقيقية أنه كان غير متخصص في القلب فلم يفهم حالتي وقال له إني سليم جداً حتى لا يفضح نفسه إنه لا يفهم حفاظاً على كرامته ، وكل هذا بسماح من الله ليُكمِل خطة خلاصي التي هي صليبي الذي هو علاجي ، فبدأ أبونا يعاملني بشدة كاملة .. وخصوصاً أن هناك مَن استغَلَّ هذه الفرصة وعرف كراهية أخي لي فاتهمني بسرقة الكنيسة ، وهنا أقف عن كتابة الحالة التي لا أستطيع أن أصفها بكتابة أو بحبر قلم .

وزادت آلامي الجسدية جداً حتى أني دخلت المستشفى بأزمة قلبية حادة بسبب شدة الآلام النفسية والجسدية والعصبية التي كانت طوال العشرون عاماً الماضية والصلبان التي استمرت تزداد باتهامات من أفراد وطرد من أقرب أقربائي وهو أخي مع أني كنت أملك شقة تمليك ثمنها [30.000] ثلاثون ألف جنيهاً مصرياً منذ 15 عاماً ، وكانت كل نيَّتي أن أتركها له لأني لا أريدها وكنت فرحاً بهذا ، ولكن هذا لم يُغيِّر في الأمر شيئاً . وزادت الآلام النفسية الغير متوقعة والتي كانت صدمة فزادت من حدة الآلام القلبية لأن الأب الكاهن صدّق أخي أيضاً . وكل هذا كان بسماح من الله كليّ الرحمة والمحبة التي لا تتوقف لأنه كان يجتذبني وأنا لم أكن أدري . فدخلت المستشفى في ألمانيا ومكثت خمسة أيام ، ووجد الأطباء انه لابد من إجراء عملية جراحية لتوسيع شرايين القلب . فبدأت أصرخ إلى الله لأني كنت في آلام مبرّحة نفسية عندما علمت أن العملية نجاحها غير مضمون وكان تفكيري في أمي الجسدية التي أحبها محبة يصعب وصفها فكنت أفكر في آلامها إن لم أعيش .. وهذا يزيد تعجُّب كل من يسمعني !! فبدأت أصرخ للرب بشدة وقلت له : أعلم إني إنسان خاطئ ، وأنا أعلم انك تسمح بكل هذه الآلام لأني أستحق هذا بسبب خطاياي الكثيرة - فأنا أشر الأشرار - وأنت تريدني أن ألتفت إليك . فأنا أَعِدَك إني شفيتني بدون إجراء عملية  سأعيش لك كل عمري  ولن أضايقك يارب في أي شيء مهما كان فيما بعد وسأكون مدقق بأكثر ما يمكن .

 وكانت المفاجأة   أنني غفلت وذهبت في غيبة ووجدت نفسي في مكان يصعب وصفه ، لكن يمكن أن ندعوه "قصراً" ، لكنه كان ليس له بداية أو نهاية ، و الأرض كانت رخامية بيضاء وحاسة اللمس كانت قوية عندي وكأني كنت في الحقيقة وليس حلماً ، وقلت في نفسي : مَن الذي أتى بي إلى هنا ؟!! وكنت خائفاً من أن صاحب المكان لو أتى .. وسألني : كيف دخلت إلى هنا ؟! فبماذا أجاوب !!! لأن المكان كان مهيباً جداً مثل قصر أعظم ملوك الأرض ، وكنت أشعر وكأني في الحقيقة لأن حاسة اللمس كانت موجودة فخشيت لو جاء صاحب القصر واعتقد أني لص وتسللت إلى هنا . لأني بالفعل كنت أشعر أنني في حقيقة وليس حلماً !! فكانت كل ردود أفعالي طبيعية كالحقيقة . ووجدت نفسي أرتدي جلباباً أبيضاً وفي وسطي حبل ، وكنت حافي [عاري القدمين] وكنت أشعر بالأرض الرخامية جيداً وكان ملمسها عجيباً . ورفعت نظري للأمام .. فكان أمامي سلالم .. أعلاها ما يشبه الشرقية [حضن الآب] في أي كنيسة . وفجأة عبر طيف من النور أمامي ، وتحوّل إلى إنسان كان منيراً جداً ويبدو انه ملكٌ وهو صاحب هذا المكان مع انه كان يلبس جلباب بسيط جداً لونه أبيض سكّري وشعره ذهبي وبشرته بيضاء جداً لكن مُحمِرَّة [أي ينتشر لون وردي على خدوده] وكان جذاباً إلى أعلى ما يكون ، لدرجة أنني تركت كل شيء لأنظر إلى جماله الذي لا يُوصَف ، لكن كان جماله ليس جمالاً جسدياً أو بشرياً بل مشاعر وأحاسيس كانت تنبض منه وتجعلني أُسبَى سبياً مع انه لم يكن ينظر بل كان مُغمَض العينين وكان يبدو عليه الحزن والأسى الشديد . وفجأة رفع يده اليمنى وظهر في الحال إنسان عملاق كان رهن إشارته وكان معه دفتر طويل فأعطاه لهذا "الإنسان ملك هذا المكان" الذي كنت أشعر أنه ملكٌ. وفتح الدفتر الذي عرفت وشعرت في الحال انه الدفتر الذي يحوي كل أسماء البشرية . وفجأة رفع رأسه وفتح عينيه ونظر إليَّ فتسمّرت في مكاني مع أن عينيه أيضاً كانت مفتوحة نصف فتحة لأنه كان في البدء مغمض العينين وكأنه كان يتأمل ويفكر في أمور كانت تجعله مكتئباً . وفجأة نظر إليَّ وقال لي : خلاص يا فولان إحنا غيّرنا أوراق البنوَّة بتاعتك .

فتعجبت ..!! كيف عرف هذا الملك اسمي ؟! وكنت في منتهى الفرح بأن هذا الملك العظيم يعرفني ويناديني باسمي ، ولكن لم أفهم معنى كلامه : ما هي أوراق البنوَّة التي يتكلّم عنها التي تغيّرت ؟!! فعرف في الحال ما كان يراود ذهني وأجابني وقال لي : ماذا كان اسمك ؟! فقلت له : اسمي هو "فولان الفولاني" فقال لي : هذا كان قبلاً . فقلت له : إذن .. ماذا صار اسمي ؟ فقال لي : الآن اسمك فولان ابن الله . ثم دخلت ملكة عظيمة في هذه اللحظة وكانت تحمل طفلاً يصعُب وصف جماله ، وعيناه كانت تركوازي مضيئة ولكن لم تصعد إلى السلم بل ظلت في نفس مستوى الأرض التي كنت أنا فيها . فقال لي : هل ترى هذه المرأة ؟! فقلت له : نعم . وكنت أنظر إلى الطفل الذي جذبني جماله لدرجة أنني صرت مُشتتاً ولا أعرف إلى أين أنظر : هل إلى الملك أم إلى هذا الطفل الذي كنت أشعر أنه ليس طفلاً بشرياً ؟! فصرت مسبياً أيضاً لهذا الطفل كما للملك . وقال لي الملك : هذه المرأة هي أمك . فقلت له : ومَن هذا الطفل الجميل ؟! فقال لي : هذا ابنها . فقلت له إذن : هل هذا الطفل هو أخي ؟! فقال لي : لا .. هو ابنها .. ولكن أيضاً هي أمك . فقلت في نفسي : إذن .. بنوَّتي لهذه المرأة تختلف عن بنوة هذا الطفل . ونظرت إلى الملك فرأيته يبكي ، فتعجّبت وقلت له : لماذا تبكي ؟! هل أنا السبب الذي أجعلك تبكي ؟! فعرفت في نفسي أنني بالفعل السبب الذي من أجله يبكي هذا الملك العظيم وكانت دموعه لونها أزرق سماوي . فقلت له : أرجوك سامحني وأنا لن أحزنك أبداً بعد اليوم . أنا وعدتك وسأعمل كل ما في وسعي حتى أوفي بهذا الوعد . وطلبت منه أن أقترب إليه لأني وجدت نفسي منجذباً إليه بشدة وبطريقة لا يمكن مقاومتها .. فعندما استأذنت منه للاقتراب إليه هزَّ رأسه ببطء وبحزن .. ففي الحال بدأت أصعد السلالم لأنني شعرت أنني أريد أن أخفف حزنه الذي كان بسببي فرأيت دموعه غزيرة جداً بشكل عجيب ، فوجدت نفسي أنجذب نحوه بشكل يصعب وصفه وكأنه صار كالمغناطيس لا أستطيع مقاومته فاقتربت منه وكنت أرتعش من الرهبة التي كانت لدي لكن قوة جذبه كانت أقوى من خوفي .. فقلت له : سامحني .. أرجوك سامحني .. واسمح لي أن أحضنك .. أرجوك . فهزّ رأسه مرة أخرى هزة خفيفة إلى أسفل دون أن يفتح عينيه . فحضنته وقبّلته في خدُّه فكان شعر ذقنه ذهبي وخفيف جداً وكانت بشرته رقيقة مثل جلد طفل حديث الولادة ، فخشيت أن أكون قد خدشت بشرته وأحسست بعدم استحقاقي أن ألمسه فتراجعت عنه قليلاً فوضع يده على رأسي ولم أفهم لماذا !! وفي الحال تحوّل إلى طيف واختفى فوقعت على الأرض من شدة حزني وصدمتي لاختفائه عني فظهر الإنسان العملاق الذي أدركت انه الملاك ميخائيل ، وأقامني وأخبرني كيف أكون مع الملك ، وأعطاني طبق من الفضة به ثلاثة تفاحات لم أرى مثلهم من قبل و أيضاً عنقود عنب ، وقال لي : إن الملك ترك هذا الطبق لك . فذُقت من التفاحة ، فاندهشت لأنها كانت تقطر شهداً وقلت في نفسي : أتركها لأختي [لأنه هكذا عادتي عندما أجد شيئاً جميلاً لا آخذه لنفسي] .. فتقوَّيت عندما ذُقت من التفاحة ، ثم جاءت إليَّ السيدة العذراء وبدأت تشرح لي كيف أضمن الوجود مع الملك باستمرار أي أشعر بوجوده معي ، وأخبرتني أنني لابد أن أقبل أي صليب وجعلتني أرى صورة الراعي في يدها ، وقالت لي : انت خروف ، فلو سِرتَ وراءه بدون نقاش ستضمن الدخول للمرعى .. فأنا قَبِلت كل شيء منه وسِرت وراءه وأنكرت ذاتي إلى المنتهى ولم أفتح فاي ولهذا أنا هنا الآن في بيته الحقيقي بل وبجانبه و إلى الأبد سأكون بجانبه لأني صرت عضواً بل وجزءاً فيه ، و أنت أيضاً خلقك ليس لتصير صورة لي أن بل صورة له هو .. .. ويطول شرح باقي الرؤيا . وحتى لا أطيل الحديث لأن الرؤيا طويلة حيث أنني في هذه الرؤيا رأيت أورشليم السمائية من بعيد ورأيت المكان الذي تسكنه العذراء ورأيت يوحنا المعمدان وأدركت انه هو والعذراء وصلوا إلى أعلى درجات البشر على الإطلاق . لهذا سوف أختصر وأشرح ما حدث عندما استيقظت .

فعندما استيقظت بدأت أفتح عيني وبدأت أستدرك بعقلي ما كنت أراه لأن ما رأيته بالفعل كان ليس حلماً وخصوصاً أنني حضنت الرب وكانت حاسة اللمس قوية جداً وبينما كنت أفكر في هذه الأمور وجدت عامود نور في الغرفة التي كنت فيها .. [ وهذا الأمر كان حقيقة وأنا في كامل اليقظة وليس في الرؤيا ] .. وخرجت يد بشرية من عامود النور ووضعت فوق رأسي وشعرت بالفعل بيد تلمسني ، وسمعت صوتاً يقول لي : خلاص يا فولان : أنت لن تشعر بأي ألم منذ الآن . واختفى الصوت والضوء فزاد تعجبي . واستيقظت تماماً وكان أول يوم في حياتي استنشق الهواء بدون تعب لأنني منذ ولادتي لم أقدر أن آخذ شهيقاً بقوة ، وبالطبع لم أكن أستطيع أن أصعد السلالم بسرعة أو أن أجري أو أصعد إلى جبل بل وكان أي ألم أو أي فرح يذبح قلبي ، ولعلَّ كل إنسان مريض بالقلب يُقدِّر حجم آلامي كيف كانت ، ولكن عندما سمعت صوت الرب الذي أدركت انه هو الصوت الذي كلمني وأدركت أنني حضنته هو السيد المسيح والمرأة التي رأيتها كانت السيدة العذراء ، فأدركت أن الرب قد شفاني بالفعل . وصرت عند استيقاظي في ذهول من هذا العالم الأرضي الذي صار بالنسبة لي عالم غريب جداً وظللت أياماً في هذه الحالة وكأني لست من هذا العالم ، فكنت لا أرى إلا وجه الرب أمامي ولا أسمع غير صوته ، و عندما يكلمني أحد لا أستطيع التركيز معه ، وهذه الحالة يصعب وصفها ولكنها ظلت أياماً واشتهيت أن أموت في هذه الأيام حتى أصعد مرة أخرى لأمكث مع الرب الذي سباني سبياً عجيباً . فالذي نام شخص .. أما الذي استيقظ شخص جديد غريب ، ليس لأن قلبه قد شُفِيَ بل كما هو مكتوب "تغيَّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو12: 2) أي أن عقلي تغيَّر تماماً وصار لي الإدراك والمعرفة والنضوج والعلم بكل ما حدث ، وأدركت لماذا سمح الرب لي بكل هذه الآلام لأني أدركت أنه العلاج من كل مرض .

وبعد هذه الحالة التي ظللت فيها وكنت أصلي لأني أريد أن أشعر بالرب الذي كأني حُرمت منه كالطفل الذي أخذوه قهراً من أمه ، ولكي أتأكد من شفائي بدأت أجري في شوارع ألمانيا وخصوصاً أن المستشفى كانت قريبة من غابة لأنها كانت في نهاية المدينة . وصعدت إلى الجبل الذي كان قريباً مني ، وصعدته وأنا أجري . وكانت المفاجأة والمعجزة وهي شفائي . فلم أتعب حتى مثل أي إنسان يجري بل وكأني لم أجري ولم أشعر بأي تعب . ولكي أتأكد من شفائي لم آكل أي طعام في هذا اليوم مع أن مريض القلب لا يمكن أن يصوم بسهولة لأنه يحتاج إلى طاقة وغذاء مكثف . ومرت أيام وظللت أيضاً صائماً أسبوعاً دون أي طعام أو أي شراب لأن هناك مَن شكَّكَني في شفائي ومن الرؤيا أيضاً وخصوصاً أخي الذي كان يتهكَّم عليَّ .. ولهذا كنت أريد تأكيد ما حدث لنفسي لهذا صُمت أسبوعاً كاملاً بلا ماء وكنت أشعر كأني كنت قد أكلت منذ ساعات ولا أشعر بالجوع إطلاقاً بل كان فرحي يصعب وصفه و أنا أكاد لا أصدق كيف حدث هذا وكنت أبكي من الفرحة لشعوري بعدم استحقاقي لأي شيء مما حدث سواء رؤيتي للرب أو انه يشفيني أو انه يعطيني قدرة الصيام هذه . ولكن المفاجأة الحقيقية ليست هذه المعجزة بل هناك  مفاجئتان  عجيبتان : الأولى .. أنني عندما خرجت من المستشفى خرجت هرباً دون أخبر أي طبيب لأنني ظننت انه لن يصدقني أحد بشأن ما حدث . والمفاجأة أنني ذهبت أنا وصديق حميم لي في ألمانيا إلى طبيب قلب متخصص وكشف عليَّ ، وكانت المفاجأة أن المرض مازال موجوداً أي أن صمامات القلب كما هي والروماتيزم كما هو كما أن ضربات القلب غير منتظمة ، ولأنني كنت صائماً أسبوعاً كان ضغط الدم 50/60 ، وهذا بالطبع ضعيف جداً . فتعجّبت وشككت في أول الأمر ، وقال لي الطبيب في أول الأمر : أنت من تعداد الوفيات . لكن كانت المفاجأة له ولي أيضاً أن تحليل الدم الذي يخصني كان مذهلاً ، وكأن إنسان يتغذَّى بطريقة كاملة بل وإن الهيموجلوبين كان عالياً وكاملاً وكان 8 ,13  لكل سم3 ، وأي طبيب يذهل من نسبة الهيموجلوبين هذه ولا يصدقها أنها لإنسان كان صائماً 8 أيام مباشرة ، حتى أن الطبيبة المُحلِّلَة للدم قالت لي "أنا [أي الطبيبة] أهتم بغذائي بأعلى ما يكون ومع هذا نسبة الهيموجلوبين عندي 5 ,8 لكل سم3" ، والذي يؤكد لي أيضاً أني لا أشعر بأي تعب من القلب أو من الصيام حتى ؟!!!! وظللت محتاراً لأيام ولا أفهم . فرأيت الرب مرة أخرى في رؤيا يقول لي : أنت خلاص شفيت ولا تهتم بأي شيء ولا بالأمور الجسدية لا تهتم لحياتك ولا لجسدك لأني أنا الذي أعولك .. أنا الرب تكلّمت .. أنا أريد أن أُظهِر عجائبي معك ، ولكن احذر أن لا تسير ورائي وإلا تنزع منك نعمتك . فاستيقظت وعلمت أن الرب كان يريد أن يظهر قدرته العجيبة ، وبالفعل حتى اليوم بعد مرور عدة سنوات لا أشعر بأي شيء ولا أي ألم حتى حقن البنسلين التي كنت معتاداً عليها أو أقراص الأوسبن بنسلين لم آخذها بعد هذا اليوم ، ولم أهتم بالغذاء الذي كان لابد أن آخذه . .....> الذهاب لأعلى الصفحة

 

التحكم في الصوت

أكمل القصةأكمل قصة المعجزة

 


الصفحة الرئيسـية المعـجـزة