(تابع)


وهناك أيضاً المرأة الكنعانية التي كانت ابنتها أيضاً مجنونة جداً وهي فينيقية سورية ، فكلمة كنعانية معناها "المنخفضة أو  المتضعة " أما فينيقية فمعناها " النخلة العالية " فهي رمز للنفس التي كانت تطلب شفاء ابنتها أي جسدها أيضاً ، فباتضاعها ارتفعت لأن كل مَن يتضع ويشعر بحقيقة نفسه يرتفع بالحقيقة ، لهذا مجدها الرب أيضاً وكرَّمها وقال لها "يا امرأة عظيم هو إيمانك " وهذه النفس ذُكِرَت سيرتها بعد إشباع الجموع [مت15]. فهي رمز للنفس التي أرادت أن تُشفى وتكون في الله ، فبعد أن رأت شبع القديسين فأدركت أنها نفس مجنونة جداً من الجوع كالابن الضال الذي كان يهلك جوعاً. فبعد أن رأت إشباع كل الجموع الذين ساروا وراء الرب أدركت كَم هي كانت في جوع شديد مما جعلها تصل إلى حالة الجنون ، لهذا صرخت بكل شدة للرب أن يشفي جوعها بسبب عبوديتها المريرة بسبب عدم شبعها بالرب فصارت هكذا ، فهي أدركت أن نفسها وجسدها بكل حواسه في صار في جنون شديد لهذا فهي نفس أرادت إرادة حقيقية أن تُشفى لهذا بدأت تسعى بكل قوة. ولكن أراد الرب أن يختبرها ويعلِّمها ويعلِّمنا نحن أيضاً عندما قال "ليس حسناً أن يُؤخذ خبز البنين [وهو الشبع من الرب] ويُطرَح للكلاب" وهي طبيعة كل مَن لم يحسموا أمرهم كما قال الكتاب "كلب عاد إلى قيئه" أي لم يحازوا أرجلهم [أي لم يسيروا] بمحازاة الإنجيل أي مازالوا ضعفاء فهم يريدون أن يسيروا مع الله ولكن في نفس الوقت مازالوا منجذبين لطبيعة الجسد أي مازالوا ضعفاء فلم يريدوا الله بالحق لهذا لم يقاموا حتى الدم فتجعلهم هذه الحالة يعودون مرة أخرى ليطيعوا أجسادهم ، فهؤلاء شبّههم الكتاب أنهم مثل الكلاب التي تعود لقيئها. فأراد الله أن يُظهِر لهذه النفس هذه الحقيقة بل ويضع مرآة أمامها فقال لها: هل أنت بالحقيقة تريدين أن أكون أنا الشبع الحقيقي لكِ أي مصدر الحياة الوحيد لكِ لتصيري ابنتي مثل كل أبنائي الذين أنا خبزهم ، أَم سوف تأخذين مني الآن وتعودين مرة أخرى لطبيعتك الجسدية البهيمية وهي طبيعة الكلاب ، فيجب أن تختاري الآن. فهكذا نصحنا الكتاب "لتكن دعوتكم واختياركم ثابتين لأنكم إن فعلتم هذا لن تزلوا أبداً" .. لهذا قال الرب: لأنه ليس حسناً أن يُؤخَذ خبز البنين وهو أنا خبز الحياة نفسه ويُطرَح للكلاب وهي النفوس التي لم تحسم موقفها بجِدية كالغلمان والأطفال الذين لم يصيروا رجالاً فأنا أريد رجالاً. ولكن هذه النفس كانت تريد بالحق واعترفت أن طبيعتها بالفعل جسدية بهيمية وقالت للرب باتضاع كامل وهو كان نتيجة الإرادة الكاملة التي جعلت الله يهبها من روحه فبروحه أبصرت طبيعتها وعرفت حقيقتها أنه بالفعل مازالت طبيعتها بهيمية بل واعترفت أنها بالحقيقة مازالت ضعيفة بطبعها الجسدي فقالت له "فالكلاب أيضاً يا سيد تأكل أيضاً ما يسقط من مائدة أربابها أي أسيادها". فإن الله هو الذي أعطاها ووهبها الإيمان الذي به تطلب لهذا مدحها الرب أمام الجموع وقال لها "يا امرأة عظيم هو إيمانك" ، لأن بالحقيقة إدراك الإنسان بحقيقته واعترافه هو كل ما يريده الله منا ،لأنه بهذا يبدأ أن يسلك الإنسان في الحق ، كما أدرك قائد المئة بعد الموعظة على الجبل كَم هو متعذب ومفلوج وقائد المئة الآخر الذي أدرك أنه مشرف على الموت ، وكذلك أبو الصبي الذي أدرك أنه كان به روح شرير يريد أن يهلكه ، وكما أدرك رئيس المجمع إن نفسه ماتت بالفعل.

وهكذا في (يوحنا 4) كان خادم الملك ابنه مريضاً ، وهو أيضاً رمز للنفس التي أعطاها الله عقل وذات ، لكنها اتضعت أيضاً فأدركت أنه ليس لها ، بل وأن كل هذا الوجود ليس لها. وذكر الله سيرة هذه النفس بعد أن خلَّص السامرية التي هي رمز لنفس أرادت بالحق وأحياها الرب بعد موتها. فمكتوب "بعد يومين خرج الرب وجاء إلى الجليل وكان خادم للملك ابنه مريضاً" حتى يُذكِّرنا بكلامه الذي قاله في سفر هوشع أنه "يحينا بعد يومين وفي اليوم الثالث يقيمنا معه". لأن الإنسان يريد في اليوم الأول بالحق أن يعود في الله ، ولكن في اليوم الثاني يبدأ يُظهِر صِدق إرادته بالتوبة وصلب الجسد لتبدأ الحياة الحقيقية فيه كما تبدأ البذرة التي أرادت أن تقع في الأرض وتُدفَن بالفعل ، ففي بداية موتها تبدأ الحياة تَدُبّ فيها. فبعد اليومين جاء الرب لهذه لنفس ليحييها ، وهذا الرجل سمع أن يسوع قد جاء من اليهودية إلى الجليل. فاليهودية كانت رمز للمكان الذي يسكن فيه شعب الله والجليل هو العالم كما قيل عنه "جليل الأمم" ، فعندما رأي هذا الإنسان كيف أن الرب وهو الإله الخالق اتضع وترك عرشه ومكانه وجاء للعالم وأدرك هذه الحقيقة ، مكتوب "انطلق إليه" وهذا يؤكد صدق إرادته في إنه يريد أن تنطلق روحه وتصعد وتتحد بالله بالحقيقة فأخذ يسأله أن ينزل ويشفي ابنه [أي جسده الذي كان مشرفاً على الموت]. فإن هذا الإنسان أدرك عظمة الله وكَم هو لمجرد أن الله سوف يقبل أن يشفيه فهذا اتضاع كبير لا يستحقه لهذا مكتوب "وسأل الرب أن  ينزل  [أي يتنازل] ويشفي ابنه"(يو4: 47). غير أن هذا الإنسان هو الوحيد الذي أدرك عظمة الله في نفس الوقت الذي كان ينظر فيه إلى نفسه وأدرك حقيقة نفسه لأنه مكتوب أن ابنه كان مُشرفاً على الموت ، أي إن هذه النفس أدركت أن جسدها قارب الموت من كثرة تعجّبه من الله فوجد نفسه أنه ميت. فهذا الإنسان بالحق بدأت فيه حياة حقيقية لأن الرب ذهب له بعد يومين لكي يحيا ويستمر في اتصاله بالله حتى يقوم في اليوم الثالث. وكان الرب يريد أيضاً أن يزيد إيمانه لكي يشجعه أكثر فقال له "لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب" ، فكرر هذا الإنسان طلبه للرب بأن ينزل [أي يقبل ويتنازل] قبل أن يموت ابنه ، فقال له يسوع "اذهب ابنك حيّ فآمن الرجل بالكلمة" وفي الحال ابنه [أي جسده] تركته الحُمّى التي كانت فيه وكان هذا في السابعة وهي تعني أنها هي ساعة الكمال أي أنه عندما ذهب لبيته قال له الذين في البيت: أنه بالأمس شُفي الخادم ، وهذا معناه أنه صار في اليوم الثالث. وبالفعل كان بيت هذا الإنسان في قانا الجليل وهو المكان الذي حوّل فيه الرب الماء إلى خمر ، لأنه مكتوب أيضاً "فجاء يسوع أيضاً إلى قانا الجليل حيث صنع الماء خمراً" ليُذكِّرنا الرب أن أي إنسان يصل إلى اليوم الثالث يصير عُرساً عنده. وأظهر الرب اشتياقاته أنه يريد أن نثق به ونؤمن بدون أن نعتمد على أي شيء محسوس أو ملموس.

فبعد أن سمع الإنسان كلمة الله في الموعظة على الجبل أراد أن يكون في الله فأعطاه الله في الحال البصيرة التي بها استطاع أن يدرك أن  نفسه [التي في جسده هذا] مثل إنسان مفلوجاً ومُعَذّباً بل ومشرفاً على الموت.كل هذا لأنه صار تحت سلطان كامل من جسده ومن ذاته ومن رئيس العالم الذين جعلوا هذا الإنسان في عبودية مريرة. فبدأ يطلب من الله أن يشفيه مثل قائد المئة فوهبه الله الإيمان والإرشاد والقوة التي بها يستطيع أن يقاوم جسده هذا بل وبدأ يبكته على خطيته وكل ما فعله.

وبعد أن رأى الإنسان مجد القديسين في التجلّي أراد أن يكون في الله فأعطاه الله البصيرة التي بها أدرك أن نفسه التي في جسده هذا بها روح شريرة و هذا لأنه صار عبد لرئيس العالم ومازال تحت سلطانه والذي روحه تعمل في أبناء المعصية. فبدأ هذا الإنسان يصرخ ليشفي الرب جسده بإخراج روح رئيس العالم منه كالرجل الذي كان ابنه يصرعه الروح.

وبعد أن سمع الإنسان الحق من الله وهو أن الإنسان إما أن يعبد الله أو جسده ..فأراد أن يكون في الله فأعطاه الله البصيرة التي بها هو أدرك أنه كالميت  أي إنه أدرك إن روحه ميتة بسبب عدم امتلائها بروح الله لأنه لم يكن عضو بعد في الله بل إنه كان مازال عبد وتحت سلطان جسده وذاته فهو إذاً ميت ولا حياة له فاتضع وخرَّ وسجد وآمن بالرب وبدأ يطلب أن يقيمه الرب مثلما فعل رئيس المجمع.

وبعد أن رأى الإنسان إشباع الجموع وهم كل القديسون الذين شبعوا بالرب أراد أن يكون في الله فأعطاه الله في الحال البصيرة التي بها   ، أدرك كَم هو في جوع شديد وصار كالمجنون جداً ، وكان هذا بسبب جوعه اللانهائي بسبب إنه كان مازال تحت سلطان وعبودية ذاته وجسده وذاته فبدأ يصرخ إلى الله بإيمان كامل حتى يشفيه الرب مثل المرأة الكنعانية.

ولكن الأكثر من كل هؤلاء إرادةً وإيماناً وعزيمة بالحقيقة هم  المجوس  الذين عندما أرادوا أن يسجدوا للرب في الوقت الذي حتى المسيح لم يكن قد جاء ولم يكن قد ولد ولم يروا أي شيء محسوس أو مادي يستندون عليه كأساس لإيمانهم ، بل فقط رأوا نوراً في المشرق ، فتركوا أرضهم وأهلهم وعشيرتهم ومالهم وتجارتهم وراحتهم وساروا شهوراً عديدة في صحراء واحتملوا البرد والحر وعدم الراحة لأنهم أرادوا إرادة حقيقية أن يسجدوا للرب أي أن يعبدوه أي أن يكون الله إلههم وأظهروا صدق إرادتهم في أنهم يريدون أن يصيروا أعضاءً فيه. لهذا بدأ الرب كتابه [أي عهده الجديد] وهو العهد الذي يريد أن يقطعه مع أبنائه بقصة هؤلاء ،  والعجيب  أن الرب ذكر سيرة هؤلاء المجوس حتى قبل أن يتكلم هو عن نفسه. وهذا أكبر دليل على أنهم مجرد انهم أرادوا إرادة حقيقية أن يصيروا في الله وأظهروا صدق إرادتهم في سعيهم الكامل وذهبوا بالفعل لله ، فإنهم صاروا هيكل لروح الله أي امتلئوا منه وصاروا صور للمسيح . وأكَّد لنا الرب هذا بأنهم صاروا كالمسيح لهذا عندما بدأ الرب انجيله وعهده الجديد معنا بدأ بقصة المجوس وكأنهم هم المسيح الإنسان نفسه لأنهم ساروا الطريق بالفعل وإنجيل العهد الجديد كتبه الله ليرينا  الطريق عملياً  كحياة عملية بتجسده هو وجهل الله نفسه إنساناً ليرينا بنفسه الطريق ، وكان المجوس أيضاً  قدوة ومثالاً عملياً كاملاً  لإنسان سار الطريق بإرادة قوية وامتلأ كل الملء من الله كما سمح الله الآن أن نبني الكنائس على اسماء القديسين مع أن الكنيسة بيت الله نفسه ، لكن من شدة امتلائهم بالله فصاروا أعضاء فيه فصاروا هم كنيسة لأن هياكلهم امتلأت بالله فصاروا هم أنفسهم بيت لله . فهؤلاء المجوس رمز لإنسان بكل كيانه بعقله وبجسده وبروحه أراد إرادة حقيقية أن يكون كله لله ، فلم يكونوا محتاجين إلى طين أو شيء ملموس ليعبدوا الرب به ، بل فقط مجرد أنهم رأوا نوراً وسمعوا من أجدادهم أن هذا النور يشير إلى أن ملك البلاد قد ولد!! والعجيب أيضاً جداً وما يذهل العقل: كيف لهؤلاء المجوس الذين لم يكونوا من شعب بني إسرائيل أي من شعب يؤمن أو حتى يتكلم عن هذا الإله أن تكون عندهم هذه الإرادة القوية أن يسجدوا لإله لا تعبده شعوبهم؟!! فهم كانوا يعيشون وسط بلاد وشعوب لم تسمع عن الله ، بل والأعجب من هذا أنهم لم يذهبوا ليستوطنوا ويعيشوا مع المسيح بل فقط ليسجدوا له ، وهذا ما قالوه "أتينا لنسجد له"!! فتركوا كل شيء وذهبوا ليعبدوا الرب. وقد بدأ الرب إنجيل لوقا بالرعاة الذي أيضاً ذهبوا ليسجدوا للرب ، ولكن الفارق بين الرعاة والمجوس كان كبيراً جداً ، فإنه بالفعل ذهب الرعاة ليسجدوا للرب ، ولكن هؤلاء الرعاة كانوا في نفس القرية التي ولد فيها المسيح أي كانوا يهوداً ويعرفون الله ، فلم يتعجَّبوا من الملاك ولا قالوا : ما هذا المخلوق . وهذا دليل على أن لهم خلفية عن الملائكة لأنهم كانوا من شعب الله ويعبدون الله ، وظهر لهم ملاك من نور وكلّمهم وأخبرهم وقال لهم "هاأنا أبشركم بفرح يكون لجميع الشعب" وترك لهم علامة [أي سهَّل لهم الطريق] بأن المسيح سيكون في مذود ، فإن الرعاة كانوا يحتاجون أن يروا شيئاً محسوساً ملموساً أي كان إيمانهم يحتاج لأساس مادي. غير أنه أيضاً المقارنة كبيرة جداً بينهم وبين المجوس: فأولاً… أن المجوس لم يكلمهم إنسان ولم يكن شعبهم يعرف الله أي يعبده وأن هؤلاء الرعاة من شعب بني إسرائيل أي من شعب يعبد الله ثانياً… كان الرعاة من طبقة اجتماعية بسيطة جداً وفقيرة أما المجوس كانوا برتبة أمراء وكانوا أغنياء. ثالثاً … أن المجوس جاءوا من بلاد بعيدة جداً وساروا شهوراً عديدة في الصحراء أما الرعاة كانوا في نفس الكورة التي ولد بها المسيح. رابعاً … أن المجوس تعبوا بالحق وقاسوا البرد والحر ووحشية الصحراء بالمقارنة بمستوى الرفاهية التي كانوا يعيشون فيها من منطلق وسطهم الاجتماعي أما الرعاة فلم يتعبوا. إذاً لا مقارنة بين إيمان هؤلاء المجوس و إيمان الرعاة ولا مقارنة بين تعب المجوس والرعاة الذين ساروا بضعة أمتار ، فلم يكن للمجوس  أساس  مادي يسيرون عليه إلا  إيمانهم الكامل  الذي كان نابعاً من صدق إرادتهم القوية التي ظهرت في الهدايا التي قدموها للرب وهي نفس هذا الإنسان بكل كيانه التي قدمها وأعادها للرب لأنه أدرك الحق والحقيقة أنها ليست ملكاً له بل لله ، لهذا مكتوب " وجدوا الصبي  …  مع أمه " أي وجدوا الرب بكل كيانه أي وجدوا مصدر الغِنى نفسه أي ليس مثل إنسان وجد قطعة ذهب ، ولكنهم مثل إنسان اكتشف منجم [مصدر] الذهب أي إن هذا الإنسان سوف يضمن أنه سيصير غنياً طول عمره ولن يفتقر أبداً لأن الإنسان الذي وجد قطعة الذهب [وهو رمز لإنسان تأثر بالمسيح فترة] ربما يفقد غِنى المسيح هذا سريعاً ، أما الذي أراد الله إرادة حقيقية بكل كيانه فهو مثل الإنسان الذي اكتشف منجم أي مصدر الذهب. فقد عاني هؤلاء المجوس أي هذه النفس كل التعب والألم بدون أن ترى أي شيء مادي أو محسوس ، وهذه النفس كالشهداء الذين تحملوا أشد العذابات الجسدية من التقطيع أو الإلقاء في النار من أجل عِظم محبتهم في الملك المسيح ، وهؤلاء على النقيض تماماً من الذين يعيشون الآن في الكنائس ويرون طقوس كل يوم بل ومعجزات شفاء وظهورات قديسين ويرون عجائب ومعهم إنجيل الرب وكتابه ، ومع كل هذا لم يصيروا في الرب بالحق.

فقد ذُكرت سيرة المجوس في متى 2 بعد أن ذكر في أول إصحاح فقط كيف يولد المسيح فينا أي أعطى الله صورة للطريق باختصار عندما قال "أما ولادة يسوع فكانت هكذا لما كانت أمه مخطوبة". فالعذراء مريم ترمز  لنفس عذراء  أي لإنسان بجسده هذا رفض أن يرتبط بالعالم كالعذراء التي رفضت أن ترتبط برجل لهذا ولد المسيح في هذه النفس ، كما علّمنا الرب وقال "ها العذراء تحبل وتلد ابناً" وإن كانت هذه نبوة لكن كل كلمة مكتوبة قالها الرب كان لابد أن  يعيشها  كل إنسان ، فمكتوب "فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح". فهذه الآية كان يُعلّم الرب بها كل نفس تريد أن يولد فيها الله أنها كان لابد أن تكون كالعذراء أي نفس غير مرتبطة بالعالم تماماً ، كالذي أراد أن يتجند عليه أن لا يرتبك بأمور هذه الحياة ، فالمجوس رمز لنفس أدركت هذه الحقيقة لذلك تركت كل أهلها ووطنها وكل شيء. فالمجوس كانوا علماء فلك أي كانوا رمز لإنسان كان كل فِكرُه في السماويات فقط. فعندما ذكر الرب لنا قصة قائد المئة أو رئيس المجمع أو الكنعانية أو المجوس لم يكن يحكي لنا قصص أشخاص حتى يرينا كَم هي قدرته في صنع المعجزات عندما شفاهم ، فإن المجوس لم يشفيهم الرب ، وهذا أكبر دليل على أنه لم يقصد الرب أن يحكي لنا كَم هي قوَّته فنحن نعرف وفي يقين كامل بأن الله قادر على كل شيء فكانت تكفي حادثة لعازر الذي أقامه الرب [أي أعاد روحه لجسده الذي فارقته منذ أربعة أيام] وكان جسده بدأ ينتن. ولكن كان الله يشرح لنا فقط الطريق ، فإن كل كلمة من كلامه بها يحيا الإنسان وهو كان يشرح الطريق للوصول إلى الحياة أي إلى  الله  لكي تحيا كل نفس من الموت التي ولدت فيه ، وهذا يكون إذا عاد الإنسان عضواً في الله ليصير الله مصدر حياته الوحيد أي مصدر الشبع. فإن المجوس أتوا من المشرق وكانوا رمز لإنسان أراد بالحق أن يكون في الله فكان متطلعاً ورقيباً وينظر وينتظر أن  ينير الله عقله  حتى يُعَرِّفه ويرشده الطريق ، فمِن أجل صدق إرادته أنار الله بصيرته بالحق على حقيقة الطريق وحقيقة الله الذي هو شمس البِرّ التي تُشرِق في الشرق كما أنار الله على هذه النفس التي هي المجوس لذلك مكتوب "وجدوا نجماً في المشرق" وهذا النجم هو البصيرة التي تنير للإنسان عينيه لكي يعرف الطريق أي يعرف الحق والحقيقة المؤدية للحياة كما أنار عقل مريم المصرية وموسى الأسود ، فهذه البصيرة التي أنارت عقل مريم المصرية هي كالنجم أي كالنور الذي به فقط نرى الطريق فنستطيع حينئذٍ أن نسير على هداه ، وهذا كله يحتاج أن يريد الإنسان بالحق ويبدأ يصرخ إلى الله ويتطلَّع وينتظر كما فعل المجوس ففتح الله ذهنهم وأرشدهم على الحق أي على الطريق المؤدي إليه هو فذهبوا إلى الله فوجدوه ولم يفارقوه إلى الأبد . فالنجم هو رمز للمسيح شمس البِرّ الذي ترمز إليه الشمس التي تشرق في الشرق الذي أنار بصيرة هذا الإنسان فعرف الطريق كله  الذي يصل به إلي الله. فسار هذا الإنسان في هذا الطريق وسار الله معه أيضاً حتى وصل إلى بيت لحم وهو  مكان الشبع  ومكتوب "وإذ النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حيث كان الصبي ففرحوا فرحاً عظيماً جداً". فإن النجم كان يختفي أحياناً ويظهر أحياناً حتى إنه في الوقت الذي دخلوا فيه أورشليم لم يكون النجم ظاهراً وهذا ما جعلهم يسألون هيرودس عن المسيح وهذا كان من حكمة الله أن يراقبهم ويتركهم فترة حتى يختبر عزيمتهم وصدق إرادتهم مع أنه يعرف كل شيء ، ولكن هكذا كان يريد الله أن يدربهم ويعلّمهم الطريق الكرب الذي كان لابد أن يكون  أساسه مبني على الإيمان  ، فكان الله يريد أن يجعلهم لا يعتمدون تماماً على أي أمور مرئية تُرى حتى لا يعتمدون في طريقهم على حواسهم الجسدية بأي صورة وبأي نسبة وبدأ روح الله يملأهم بالفعل كما هو مكتوب "بدأ  يوحي  إليهم" وهذا معناه أن روح الله بدأ يسكبه الرب فيهم ويملأهم كما وعد "أسكب روحي على البشر فيتنبئون" وفي النهاية وجدوا الرب [الصبي] مع أمه أي وجدوا الرب كله واكتشفوا مصدر غناه كيف يكون. وبالفعل وصل هذا الإنسان إلى أن ولد فيه المسيح أي ولد بالروح.

ولكن كل هؤلاء ذهبوا للرب لأنهم أرادوا أن يُشفُوا بالحق مثل قائد المئة ويايرس أبو الصبية والكنعانية الذين صرخوا للرب لكي يشفيهم ، فهؤلاء كانوا مثل الابن الضال الذي ذهب بكامل إرادته للرب ولكن هناك مَن لا يعرف الرب مثل الأعمى الذي وضع الرب عليه طيناً مثل مريم المصرية وأفدوكية وهم لم يسعوا ولم يذهبوا للرب ، هؤلاء كانوا مثل الخروف الضال الذي بدأ الرب يسعى ليفتقده لأنه يعرف أنهم سوف يريدون وسيقبلون كالأعمى الذي وضع الرب على عينيه طيناً ، فإن الرب هو الذي ذهب إليه. وقد شرح حال هؤلاء الذين لم يسعوا هم إليه وأرانا إياهم عندما انتهى كلامه في الموعظة على الجبل وأمر بالذهاب إلى العبر [متى8: 18] حتى يتعلّم أيضاً أبناؤه وتلاميذه أن يذهبوا ليُخلِّصوا هم أيضاً الآخرين. فإن قائد المئة الذي ذُكرَت أيضاً سيرته بعد العظة على الجبل مباشرة رمز لإنسان سمع من الله وأراد أن يسير معه ، ولكن هناك مَن لم يسمعوا فذهب الرب إليهم ولكي يعلّمنا نحن أيضاً بعد أن نسمع ونمتلئ منه ونثبت في الرب ويتأسس إيماننا منه ونخلص   فبعد هذا نذهب نحن أيضاً لكي نخلص الآخرين… هكذا مكتوب "إبنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس وخلِّصوا البعض مختطفين من النار"(يه20). لهذا أمر الرب أن نذهب إلى العبر ونعبر وأرانا الرب أنه حدث اضطراب عظيم في البحر أي أنه أكّد لنا أن الإنسان طالما سيبدأ في هذا الطريق فإن الرب يسمح أيضاً لرئيس العالم وكل من يتبعونه أن يهيجون عليه كما حدث عندما ولد المسيح في بيت لحم أي بدأ يولد المسيح في إنسان "إذ اضطرب هيرودس وجميع أورشليم معه".

فعندما ذهب إلى كورة الجرجسيين "استقبله مجنونان هائجان جداً خارجان من القبور حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق، و إذا هما قد صرخا قائلين ما لنا و لك يا يسوع ابن الله أ جئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا فالشياطين طلبوا إليه قائلين إن كنت تخرجنا فإذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير ، فقال لهم امضوا فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير وإذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر و مات في المياه"(مت8). فهذان المجنونان هما رمز للإنسان الذي كانت  ذاته   وجسده  يستعبدانه ويتسلّطان عليه تماماً لكنه ذهب إليه الرب لأنه يعرف أنه سيقبل هذا الشفاء كما افتقد الأعمى الذي وضع على عينيه طيناً ليُبصِر حالته ولولا أنه يعرف أن هذا الإنسان سيقبل لما وضع هذا الطين على عينيه ، فهذه البصيرة هي التي سيرى بها الطريق وإلا بدونها كيف سيسير فيه؟! فإن كان  أول الطريق  هو أن يريد الإنسان إرادة حقيقية ويصرخ إلى الرب ، ولكن  بداية المشي  في الطريق والسير فيه هو أن يبصر الإنسان ويرى الطريق أولاً حتى يستطيع أن يسير فيه ، وهذا يصير بالبصيرة الروحية التي يهبها الله لهذا الإنسان فهذه هي عملية خلق من الله تماماً كما خلق الرب عين للمولود أعمى بوضع طيناً على عينيه…ويعطي الله للإنسان أيضاً الإقناع واليقين بأن هذا هو الحق والصواب. وأخرج الرب بقوته روح رئيس العالم التي كانت في الإنسان التي كانت تعمل في ذات الإنسان وفي جسده وكانت تتسلط عليه كل التسلط وتتحكم فيه تماماً. فالله هو الذي بيده وحده الخلاص ولا يستطيع أحد أن يُقبِل إليه إن لم يجتذبه هو وبقوة عمل روحه في جذب هذا الإنسان سيُبطِل روح رئيس العالم وهو رئيس سلطان الهواء الذي كان سيهلك هذه النفس. فأرانا الرب كيف أن هذه الروح عندما دخلت في الخنازير انجرف كل القطيع إلى الجرف وماتوا ، وهذا ما كان سيحدث للإنسان. فروح رئيس العالم في أي إنسان جسدي تجعله في هياج كبير جداً وهذا بسبب آلام فجوة جوع الإنسان كالمرأة الكنعانية التي كانت ابنتها مجنونة جداً وهي نفس اكتشفت حقيقة نفسها كَم هي في حالة جوع وبسببه صارت مجنونة جداً… كما هو مكتوب إن الإنسان صار لا يستطيع أن يضبط نفسه. فكل هؤلاء المرضى [عبد قائد المئة وابنة يايرس] وهذا المجنون ليست أمثله لمرضى كانوا أيام المسيح ، بل إن الرب كان يشرح لنا حالة العبودية التي في البشرية وهي رأس الحية التي تجعل كل إنسان لو ترك نفسه سيهلك ولكنه لو طلب من الله أن يكون فيه سيكتشف له الرب إنه كان كالمفلوجً أو كالأعمى أو إنه في حاله موت أو... أما هذا المجنون الذي ذهب إليه الرب بعد عبوره أيضاً لكورة الجدريين ، فهذه هي النفس التي بعد أن بدأت أن ترى حالتها وبعد أن شفى الرب‎ٌٌٌُ‎ُ العمى الذي كان بها ، اكتشفت عبودية جسدها أنه كان في عبودية مريرة تماماً كما أفاق القديس بولس على حالته أن هناك ناموس آخر في أعضائه يحارب ناموس ذهنه ويسبيه أيضاً وأن ليس في جسده شيئاً صالحاً حتى أنه صرخ وقال "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت". فهذه النفس – وهو مجنون كوة الجدريين – كانت حالتها مثل مريم المصرية التي اكتشفت العبودية التي كانت بها لهذا مكتوب استقبله من القبور إنسان به روح نجس ، كان مسكنه في القبور فهو رمز لإنسان كان من الأموات فمسكنه القبور… و لم يقدر أحد أن يربطه و لا بسلاسل ، لأنه قد رُبِط كثيرا بقيود وسلاسل محروساً فقطع السلاسل وكسر القيود – فكان يقطع الرُبُط وكان يُساق من الشيطان في البراري ، لأنه منذ زمان كثير كان يخطفه الروح (لو8: 29)– فلم يقدر أحد أن يذله وكان دائما ليلا و نهارا في الجبال وفي القبور يصيح و يجرح نفسه بالحجارة ، فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له ، وصرخ بصوت عظيم وقال ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي استحلفك بالله أن لا تعذبني ، لأنه قال له اخرج من الإنسان يا أيها الروح النجس. وبهذا أراد الرب أن يطمئننا ويؤكد لنا قوته وسلطانه وتحكمه الكامل على كل الشياطين وإن كل الشياطين تخضع له… فسأله ما اسمك فأجاب قائلا اسمي لجئون لأننا كثيرون ، و طلب إليه كثيرا أن لا يرسلهم إلى خارج الكورة ، و كان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى ، فطلب إليه كل الشياطين قائلين أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها ، فأذن لهم يسوع للوقت فخرجت الأرواح النجسة و دخلت في الخنازير فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحر و كان نحو ألفين فاختنق في البحر"(مر5). فكانت هذه النفس في عبودية مريرة وقد أشار الرب إلى هذه الصورة ليرينا صورة كل مَن ولد بالجسد ، بل وأي إنسان مازال جسده حياً هو عبد لجسده الذي يجعله يفعل ما يأمره به ، وبهذا هو يصير مثل هذا الإنسان الذي يجرِّح نفسه بالحجارة ، وهذه هي حجارة العثرة كالمال وشهوات الجسد التي تعرقل الإنسان وتجعله ينزف بتجريحها أي تجعله في الطريق إلى موته ، بل وإن كل القيود القوية والسلاسل التي هي وصايا الرب والطقوس التي رتبها الرب وكل قوانين الكنيسة لن تستطيع أن تربط هذا الإنسان ، فإن القيود والسلاسل هي قيود الرب ، فقد حاول الكثيرين أن يربطوه بل ويحرسوه أي أن يراقبوه ولكن دون جدوى.. فإن هذا الإنسان كان يقطع الربط لأنه كان يطيع جسده الذي بدوره منجذب لرئيس العالم ، فكان يُساق من رئيس العالم لأنه بالحقيقة مهما كان أي إنسان في كنيسة أو يخدم على مذبح ، فطالما هو مازال يطيع جسده فهو عبد لشهوات جسده بل وهو أداة ورهن إشارة هذا السيد وهذا الإله. فكيف لرئيس العالم أن يقوى عليه أحد أو كيف يقدر أي أحد أو كيف يستطيع أي قانون أن يتحكم أو يقيد إنسان مازال تحت سلطان رئيس العالم  إلا لو جاء الذي أقوى منه…؟!! فهذه النفس لم تذهب إلى الرب لأنها لم تكن تدري بحالها فهي ليست كالأعمى الذي كان يدرك بعقله أنه أعمى فبدأ يصرخ للرب لأن عقله مازال لم يفقده ، ولكن هذه النفس كانت كالمجنون الأعمى الأخرس الذي قدموه للرب. فأول شيء فعله الرب أنه أمر هذه الروح أن تخرج من هذا الإنسان ، و عندما خرج بالفعل دخلت هذه الروح في الخنازير وأهلكت2000 من الخنازير وهي عدد الشياطين التي كانت تسوق ذاته وجسده. فكان الرب يؤكد لنا أن الذي يترك نفسه هو سيكون محرساً للشياطين(رؤ18: 2) كما أخبرنا الرب "إذا خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة و لا يجد" وهذا معناه أن الله هو الذي يعمل على إبطال وإخراج روح رئيس العالم من الإنسان ، ولكن الإنسان هو الذي يريد أن يكون في هذه الحالة وتحت سياق رئيس العالم لأنه لا يستطيع الإنسان أن يُخرِج هذا الروح وبالطبع ليس لروح رئيس العالم رغبة في أن يخرج من الإنسان. ولكن عندما قال الرب "متى خرج هذا الروح" كان يشير إلى أنه متى حدث ذلك وصار فإن هذا بقوة الله ، كما وضع الله آدم في الجنة وأما آدم هو الذي رفض الوجود فيها ، لهذا أكّد الرب كلامه وأكمل قائلاً "ثم يقول الروح النجس ارجع إلى بيتي الذي خرجت منه [فقد صار بيت هذا الإنسان الذي هو هيكل الله نفسه صار بيتاً لروح رئيس العالم] فيأتي و يجده فارغا مكنوسا مزينا" وهذا يؤكد أن هذا الإنسان بكامل إرادته ومطلق حريته رغب أن يصير عبداً لرئيس العالم بل وأن يظل تحت سياقه مما أعطى الفرصة لهذا الروح الذي كان يسكنه أن يحضر أرواحاً أخرى ويصير بيتاً للشياطين ، فيقول الرب عن هذا الروح أنه بعد هذا "يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أُخر أشر منه فتدخل وتسكن هناك فتصير أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله هكذا يكون أيضاً لهذا الجيل الشرير" هكذا كانت النفس التي أخرج الرب منها لجيئون وهو رمز لإنسان سكنت فيه شياطين كثيرة لأنه ترك نفسه ولم يسأل ولم يطلب من الرب أن يخلصه ولكن الرب لم يتركه فإن كلمة جدريين معناها مكافأة النهاية ، فهي رمز لإنسان ولكل إنسان قَبِلَ أن يبدأ الرب في شفائه أي يبدأ الرب في أن يخلِّصه ، كالأعمى الذي قَبِل أن يضع الرب على عينيه طيناً ، حينئذٍ سوف يرى هذا الإنسان ماذا سيصنع به الرب الطبيب الشافي الأعظم الذي لا يعسر عليه أي مرض. فهو فقط يريدنا أن نريده حتى لو لم نسعى إليه ، فهو يريدنا فقط أن نقبل أن يبدأ عمله فينا عندما يأتي ويفتقدنا لكي ينقذنا ويخلِّصنا ، فهو على الباب يقرع ويريدنا فقط أن نفتح له الباب فقط عندما يفتقدنا وسوف نرى المكافأة التي سوف يعطيها لنا وهي هبته وعطيته وهي شبعه بل وهي شفائه الذي سوف يقدمه لنا ، وهو الذي ليس بأحد غيره الخلاص فهو الذي بقوه جذب روحه يبطل عمل روح رئيس العالم.. فهو الذي يريد أن جميع الناس يخلصون بل ويشتاق أن يصيرون فيه أعضاء ويصير هو مصدر حياتهم ليمتلئوا منه ليصيروا على صورته ومثاله…

فإن المجوس والشهداء استطاعوا أن يتذوقوا الله خبز الحياة وهو المن  النازل من السماء وسط برية هذا العالم. فقد كان بني إسرائيل رمز لكل النفوس التي لم تريد الرب فلم تستفيد من كل ما رأوه من الرب مع أنهم شعبه المختار الذي اختاره الرب وأظهر له كل عجائبه ومع هذا رفضوا أن يشبعوا من الله أي رفضوا أن يصير الله مصدر حياتهم أي رفضوا أن يكون الله هو إلههم أي مصدر شبعهم أي رفضوا أن يصيروا أعضاء في الله. لهذا عندما أنزل الرب المَن من السماء لهم حتى يُذكِّرهم بنفسه عن طريق هذا المَن ليذكِّرهم أنه يجب أن يشبعوا منه هو كان المن بالنسبة لهم شيء غير معروف لهذا دعوه مناً أي "ما هذا الشيء". فهذا بالحقيقة هو الحادث أن الله لا يدركه أحد إلا الذين يريدونه أي  ليس لله قيمة إلا عند الذين يريدونه فقط . لهذا قالوا لموسى "ما هذا الطعام ، فإنه زهقت أنفسنا من هذا الأكل … السخيف؟!!". فصار الإنسان هكذا كالمجنون الأعمى الأخرس الذي قدموه للرب فهو لا يرى ولا يفهم ولا يتذوَّق أيضاً جمال الله لأنه لم يطلبه لأنه لم يريده لأنه مازال في سبي وسكر الخمر الرديء ، هكذا لو أُعطِي لأي إنسان مجنون أعمى كنزاً فهو بالطبع سوف لن يعرف قيمته هكذا كل مَن ولد بالجسد ، فكيف يعرف الإنسان قيمة الله وهو كل هدفه أن يُشبِع جسده الجائع هذا بل وهو في سكر كل ما يُشبِع الجسد فهذا هو الشبع الوحيد الذي يسبيه ويُسكِره ويجعله كالأعمى ، فهو أداة لجسده وصار لا عقل له ولا قدرة ، ولكنه لو أراد أن يكون لله وفي الله [وهذا كل هدف الله] يسأل فقط ويطلب من الله وسيفتح الله ذهنه ليُعرِّفه كل الحق. فكان شعب بني إسرائيل مثل كل الذين في الكنائس الآن يرون الرب بنفسه كل يوم على المذبح ولكنهم لم يريدونه فلم يعرفوا قيمته لأن الله ليس هو هدفهم ، فلم يريدوا أن يكونوا أعضاء في الله أي يكون الله هو إلههم أي هو خبز الحياة بالنسبة لهم ، وهذا تماماً مثل يهوذا الذي كان المن الحقيقي واهب الحياة أمامه كل يوم وكل ساعة ولكن لأنه لم يريد الرب بالحقيقة لهذا لم يسأل الرب كيف يشبع منه. فالمَن مثل ماء الحياة الذي أمامنا كل يوم وهو جسد الرب ودمه ، ولكن الذي لم يريد أن يكون فيه فلم يسأل ولم يعرف أنه لكي يصير الله شبعه وماء الحياة له أي لكي يصير الله هو المن بالنسبة له كان لابد أن يطيعه هو فقط حتى يصير عضواً فيه لأنه بإطاعة هذا الإنسان لله يجعل الله هو عقله ورأسه وإلهه أي مصدر حياته ومصدر الشبع الحقيقي له. وبالطبع لكي يطيع الله – لو أراد بالحق – كان لابد له أولاً أن يتوقف عن عبادة جسده أو ذاته أي لا يطيعهما في أي شيء حتى لا يستمر في عبادته لهما لأنه لا يستطيع أحد أن يكون عضو في جسد أو في إله وفي نفس الوقت يكون عضواً في جسد آخر فلا يقدر أحد أن يعبد سيدين أي يخدم سيدين. وهذا تماما كما تدفن حبه الحنطة  في الأرض وتموت تستطيع حينئذٍ أن تتصل بمصدر حياتها ، هكذا من يموت فقط عن العالم أي يصلب جسده ولا يطيعه ولا يعطيه أي شيء من العالم حينئذٍ فقط يستطيع أن يتصل بمصدر حياته وهو الله وإلا سيستمر عدواً لله … فقد صرّح الرب بهذه الحقيقة عندما قال "مَن ليس معي فهو عليَّ" وكما قال رؤساء اليهود عن المسيح "كل مَن يجعل نفسه مَلِكاً يقاوم قيصر" أي يقاوم الملك أي الذي يَقبَل أن يستمر في عبادته لرئيس العالم فهو بهذا يجعل من نفسه ملكاً أي يريد أن يملك ويصير هو و ذاته الإله الذي في حياته ، فيعتقد بهذا أنه عندما جعل ذاته هي الإله لأنه عبد ذاته وتوهَّم بذلط أنه هو ملكٌ لأنه جعل ذاته هي الإله وهو أطاع ذاته ففيما هو أصبح يطيع ذاته هو يعبد ذاته وبهذا صار هو عبداً لذاته دون أن يدري أي هو في خداع وتوهَّم أنه ملك مع انه هو صار عبداً وبذلك صار ضد الله بل وعدو له كما قال الله "اهتمام الجسد – بأي نسبة – عداوة لله" فإما أن يكون الإنسان مع الله وفي الله وإما أن يكون ضده ، ولا يوجَد وسط. لهذا أظهر الرب هذه الحقيقة وأراد أن ينصحنا ويقول لكل إنسان: إذا أردت أن تكون عضواً فيَّ يجب أن تعرف الطريق الحقيقي والحقيقة نفسها وهي أن تطيعني أنا حتى أصير أنا عقلك ورأسك الذي يسوقك ولا تعتمد على الطقوس. فإن المَنّ كان يرمز لطقس التناول ، فالمَنّ كان طعاماً نازلاً من السماء وليس طعاماً معتاداً من الأرض وهكذا القربانة التي على المذبح تصير جسد الرب بالحقيقة ، وهذا مثل الماء الحيّ ولكن لا يمكن أن تستفيد منه بذرة إلا لو دفِنَت في الأرض وماتت وهكذا القربانة والمَن هي صورة يرينا الرب إياها ليذكِّرنا بنفسه حتى يحثنا ويذكرنا بالشبع منه هو أي ليذكِّرنا بأنه هو الشبع الوحيد. ويوصينا الرب ويقول "لا تفعلوا كما فعل آباؤكم في البرية فقد أكلوا من المن بالفعل في البرية وماتوا ، فليس هذا هو الشبع مني كحياة حقيقية ، وهكذا أنتم أيضاً لا تفعلون هذا فإنه يمكنكم بالفعل أن تتناولوا جسدي ودمي ولكن يمكنكم أيضاً بعد ذلك أن تموتوا مثلهم لو لم تفهموا الحق والطريق الحقيقي والهدف الذي كنتم أريدكم أن تعيشونه".

فبالحقيقة إن قديسون كثيرون لم يكونوا محتاجين أن يروا أي شيء مادي يتذكروا به الرب أي أن يذكرهم بالرب كل حين بأن يتناولوا أو يحضروا القداس ليروا ، فهم سلكوا بالروح واتحدوا بالرب فإنهم أدركوا ما هي مشيئة الله الحقيقية وهي أن نكون أعضاء فيه بطاعتنا له فقط وهذا بعدم استمرارنا في طاعة أي إله آخر وبهذا يصير الله مصدر الشبع الحقيقي لنا. أما الطقس الذي نظّمه الرب فهو فقط يذكرنا بهذه الحقيقة وهي مشيئة الله أي يذكرنا بخبز الحياة أي إن الله هو الشبع الحقيقي لنا. لهذا قال الرب "أنا هو خبز الحياة مَن يأكلني يحيا بي إلى الأبد ليس كما أكل آباؤكم المَن في البرية وماتوا فيجب أن تشبعوا مِني ولا تعتقدوا أنكم بممارسة الطقس [أي بالنظر إلى الصورة التي وضعتها أمامكم لتُذكِّركم بي] أنكم صرتم أعضاء فيَّ وأنني صرت حياتكم فلا تفعلوا كما فعل آبائكم في البرية الذين أكلوا المَنّ ولكنهم ماتوا كالبذرة التي اعتقدت وهي خارج الأرض ولم تقبل أن تُلقى وتُدفَن وتموت عن العالم أنها يمكنها وهي خارج الأرض أن تتصل بالماء مصدر حياتها بل وتصير شجرة لمجرد أنها ذهبت إلى المكان الذي فيه الماء الحيّ مثل الذين يذهبون للكنيسة ويحضرون القداس وأمامهم جسد الرب ودمه واعتقدوا أنه لمجرد أنهم يتناولون من جسد الرب أي يضعوا جسد الرب في أجسادهم ويأكلونه كالطعام الجسدي أي مثل أي طعام أنهم بذلك صاروا أعضاء فيه. فكان يجب على البذرة أن تعرف الحقيقة وهي أنها لم تكن تحتاج إن تذهب إلى منبع الماء أو المكان الذي فيه الماء ولكن في أي مكان لو دُفِنت في الأرض فكانت الحياة ستبدأ تَدُبّ فيها ، لكن بعد كل هذا ما الفائدة لو ذهبت لمنبع الماء ولم تُدفَن أيضاً أي لو لم تتوفر لها شروط الإنبات التي بها فقط تستطيع الإنبات؟! فيجب أن نمتحن أنفسنا وأن يمتحن كل إنسان يتناول الرب معتقداً أنه صار فيه جسداً واحداً: فهل هو صار يستطيع أن يطيع الله؟! لأنه لو صار جسد واحد في الله سيصير الله إلهه على الأقل ، فيستطيع أن ينفِّذ وصيته. فليمتحن الإنسان نفسه: هل يقدر أن يبيع كل ما له؟! هل يستطيع أن يصلي كل حين؟! هل صار كاملاً كما أمرنا الرب "كونوا كاملين"؟! فلنستيقظ ونعرف أين نحن ولا ننخدع مثل بنو إسرائيل الذي أكلوا من المن وماتوا.

فإن أي إنسان يتناول جسد الرب وهو مازال يطيع جسده في أقل شيء سيصير كالبذرة الموضوعة على لوح زجاجي وأعطيناها ماءً ، فسوف لا يفيدها شيئاً بل  ستنفلق  كما قال الرب "إذا سقط عليه الحجر يسحقه سحقاً" أي إن الله سيُظهِر هذه النفس أنها عقل وجسد فقط وبلا روح ، هكذا خلق الله كل البذار لكل أنواع الثمار على الأرض ، فهي فقط جزءان ولكن إذا دُفِنت البذرة وسُقيت يخرج منها الجذر الذي هو بمثابة الروح الذي صار نتيجة روح الله الذي ملأ هيكل روح الإنسان ، ولكن الذي يتناول جسد الرب وهو كالبذرة التي لم تُدفَن أي مازال لم يصلب جسده بعد أي مازال يعبد جسده بل عضو وأداة له سيأخذ هذا الإنسان دينونة عظيمة كالذي اعتمد وأخذ المسيح ولكن لم يستجيب ولم يطيع صوته في أي شيء وسيكون مثل بني إسرائيل الذين أكلوا المن في البرية وماتوا. فإن جسد الرب ودمه سوف يُجدي فقط – كالماء الحيّ – مع الذين دُفِنوا وماتوا عن العالم وبدءوا يعبرون أول مرحلة ، فهو الماء الحي الذي في الأرض الذي وضع نفسه ومنتظر كل نفس كالبذرة أن تنزل وتقبل أن توضع نفسها مثله كما أوصانا "إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه". ولأن هؤلاء بالفعل أردوا إرادة حقيقية في أن يكونوا في الله فبدءوا يصلبون جسدهم وذهبوا ليتناولوا جسده حتى يتحدوا بجسدهم المصلوب مع جسد الله المصلوب وبهذا يوماً بعد يوم ولدوا من الماء أي اغتسلوا أي رُفِعَت خطاياهم وصارت هياكلهم مهيأة ونظيفة. وهذه هي فائدة جسد الرب ودمه الذي يُعطى لمغفرة الخطايا وحياة أبدية لكل مَن هو مُستَعد ومهيأ ، كالماء الذي يُجدي فقط ويكون له منفعة فقط للبذرة التي دُفنت. ولكن ما فائدته لبذرة لم تُدفَن؟! هكذا ما فائدة الذين يتناولون جسد الرب ودمه؟! فماذا يعتقدون في هذا الجسد والدم؟! وكل هذا لأن الله الآن لم يصير هدف للإنسان ، أي لم يفهم الإنسان الحق والحقيقة وما هو هدف الله من خلقه للإنسان ولا حتى فهم الإنسان حالته الآن. فإن كثيرون عاشوا وماتوا لم يعرفوا الهدف الذي خلقهم الله من أجله ولم يعرفوا صورة آدم الأولى ولم يفهموا ماذا حدث له من تغيير ، فلم يفهموا العبودية التي صاروا هم فيها ، وبالطبع لم يعرفوا كيف يعودون هم في الله لأنهم لم يريدوا فلم يسألوا كما قال الرب "قد أعمى عيونهم و أغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم لأنهم لم يريدوا ولم يسألوا عن الطريق حتى يأتوا ويرجعوا إليَّ فأشفيهم"(يو12). فإن كان الله قد عاتب ملاك كنيسة اللاودكيين وهو إنسان وصل مستواه الروحي أن يكون أمام الله ملاك ، ولاودكية معناها حكم الناس الشعب ومعنى هذا أنه كان يجب على هذا الإنسان أن يحكم على نفسه فإنه مجرد أن هذا الإنسان قال "إني أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء" ، قال له الرب "فأنت صرت الآن فقيراً وأعمى و عريان وشقي وبائس بل وأنا مزمع أن أتقيأك من فمي أشير عليك أن تشتري مني ذهبا مصفى بالنار لكي تستغني و ثيابا بيضا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك وكحل عينيك بكحل لكي تبصر ، إني كل من احبه أوبخه و أؤدبه فكن غيوراً وتُب"(رؤ3). فإن كان هذا الإنسان الذي كان يسلك بالروح ووصفه الرب أنه ملاك … لمجرد أنه توقف عن جهاده لأنه ظن أنه أصبح غنياً أي امتلأ بالقدر الكافي من الروح ، قال له الرب "أنا مزمع أن أتقيأك من فمي"!!! فلنحكم إذاً نحن على أنفسنا: ماذا سيكون حكم الرب علينا وإحساسه بحالتنا؟!

وأخبرني الرب أن  هناك شيئاً هاماً جداً  .. يغفله الكثيرون أن هدف الله من ترتيب  طقس المعمودية  هو نفس الهدف الذي من أجله رتَّب الله  طقس التناول  .

فإن طقس المعمودية بالماء والزيت يرمز لعبور الإنسان الطريق كله الذي يصل بالإنسان لصورة الله أي للكمال .. أي لعبور المرحلتين .. فكان الماء يرمز لعبور الإنسان المرحلة الأولى وهي الولادة من الماء ليغتسل ويعود لصورة آدم النقية الذي لا يخطئ ولا يعرف الشر لأنه لم يكن تحت نير عبودية وهذا يرمز للماء الذي ينزل فيه الإنسان ، أما الزيت فهو رمز للمرحلة الثانية بعد أن صار الإنسان عضواً في الله وبدأ يسلك بالروح بعد أن استوطن في الله وصار عضواً فيه أي صار الله هو عقله الذي يسوقه ومصدر حياته الوحيد كالغصن في الكرمة لا يحتاج إلى شيء من هذا العالم والجسد لم يعُد هو مصدر حياته لأنه استوطن استيطان كامل في الله كما سيكون في السماء . فصارت طبيعة الإنسان مثل طبيعة الله لأنه بدأ يصير صورة لله ومثاله في صفاته لأنه صار عضواً وجزءاً فيه ، لهذا بدأ يُنِير للعالم كما أرانا الله في اليوم الرابع من أيام الخليقة أنه جعل النفس قدوة لآيات وسنين (تك1: 14) وهذا مثل الزيت الذي ينير المصباح .

و هكذا في التناول كان الله أيضاً يريد أن يُذكِّرنا أيضاً في تناولنا أولاً للجسد وهو اتحادنا به طوال فترة جهادنا ونحن فيما نصلب جسدنا متوقفين عن إطاعته في أي شيء يهواه أو يشتهيه حتى نستطيع أن نتحد بجسد الرب المائت في التناول طالما نحن متنا بشِبه موت الرب أي جاهدنا بشِبه جهاده كما علّمنا الله بنفسه . أما الدم يُشير للإنسان الذي عبر المرحلة الأولى ومات الذي كان مُمسَكاً فيه أي وُلِدَ من الماء وتحرر تماماً من عبودية جسده فصار عضواً في الله وصار خمر الله هو الذي يسبيه أي محبة الله هي التي يحيا بها ، وهذا يرمز له الدم لأننا صرنا أعضاء في جسمه مثل أي عضو يحيا بالدم الذي يصل عن طريقه الغذاء .. لهذا حسب الترتيب (الطقس) لا يمكن لأي إنسان أن يتناول الدم إلا بعد الجسد لنتذكَّر أننا لا يمكن أن نصير أعضاء فيه أي نحيا به هو فقط كالعضو في الجسد إلا بعد موت عبودية الجسد باتحادنا بجسد الرب المائت فترة جهاد طويلة في الطريق الكرب .

و لهذا فإن ترتيب طقس المعمودية هو نفس الهدف الذي كان الرب يريد أن يُذكِّرنا به في ترتيب طقس التناول وهما يرمزان للجهاد في المرحلتين أي كان الله يريد تذكيرنا بالولادة من الماء والولادة من الروح .

وكان الله يريدنا أن نجاهد في الطريق وليس أن نمارس الطقس .. لكن علَّمنا انه يليق بنا أن نُكمِّل كل بِرّ (مت3: 15) أي أن نطيع الله في طقوسه وأنظمته التي رتَّبها لأنها نافعة جداً وبنَّاءة لأنها تزيد إيماننا وهي  كالطين  الذي وضعه الرب على عين الأعمى (يوحنا9) حتى يتحفَّر لكي يذهب للبركة ، لكن كان هناك عميان كثيرين لم يضع الرب عليهم طيناً وهؤلاء كان إيمانهم كالشهداء الذين لم يمارسوا طقس المعمودية لأن إيمانهم وحُبَّهم للرب كان قوياً جداً فلم يحتاجوا لطقس ليزداد إيمانهم أن الرب بدأ يعمل معهم ، ومثل قديسي العهد القديم مثل أخنوخ ونوح .. و.. الذين لم يأمرهم الرب حتى أن يختتنوا لأنهم آمنوا وساروا معه من إرادتهم فلم يحتاجوا أن يرتِّب لهم الرب طقساً حتى يُذكِّرهم أو يحفِّزهم أو يكون لهم سياج كالقداس الذي كان كل هدفه أن نقف أمام الله عدة ساعات ليُلزِمنا بالوقوف أمام الله ، أما القديسون الآباء السواح الذين كانوا في البراري والقفار وشقوق الأرض من شدة محبتهم للرب كانوا يصلُّون ليلاً ونهاراً ويصلون بلا انقطاع ، فلم يكونوا يحتاجون لممارسة طقس لأنهم بالفعل أحبوا الرب من كل القلب ولم يحتاجوا أن يمارسوا طقس التناول لأنهم كانوا متحدين معه بشِبه موته كحياة دائمة .

 فالتناول كحياة  هو أن يشبع الإنسان من الله بامتلائه منه باتصاله به ، ولكن الآن: كل إنسان وُلِد بالجسد لا يستطيع وهو مازال يعبد آلهة أخرى بطاعته لجسده أن يتحد بالله ليشبع به. فالإنسان الذي مازال بالجسد يكون راضياً عن الشبع الذي هو فيه نتيجة عبوديته ، أي لو استمر الإنسان رافضاً أن يتوقف عن عبوديته لجسده ورافضاً لصلب جسده سيستمر في هذا الشبع الذي بجسده الجائع فسيستمر في هذه العبودية ، ولكن إذا أراد بالحق أن يعود لله ويعود فيه: فأول شيء يفعله أي أول الطريق للحياة هو أن يصرخ إلى الله ويطلب منه أن يأتي ويُسرِع ليخلّصه حتى يبدأ الله بروحه أن يساعد الإنسان على التوقف عن عبادة جسده بل ومقاومته حتى الدم إذا كان هذا الإنسان بالفعل يريد أن يكون عضواً في الله ليحقق الهدف الذي خلقه الله من أجله فيبدأ الإنسان بقوة روح الله يميت ويصلب جسده أي يتوقف عن عبادته وطاعته وبهذا يبدأ أن يبطل إلوهية الجسد والذات ، لأن الإنسان بطاعته لجسده وذاته صارا الجسد والذات آلهة له بل عضو وأداة وعبد لهما ، ولكن بالتوقف عن طاعتهما سيبطل جسد الخطية هذا كي لا نعود نُستَعبَد منهما. وكما هو مكتوب أنه بإطاعة الواحد سنكون أبرار ، وبالصلاة الدائمة والجهاد في الصراخ لله يبدأ الله بقوَّته أن يجعلنا نقاوم عبادتنا لأجسادنا ، فسيبدأ روح الله يملأنا. ففي المرحلة الأولى في الطريق إلى الحياة وهي الولادة من الماء نتحد بالرب أي نتحد بجسدنا المصلوب هذا بالله المصلوب حتى تُرفَع الخطية ولكن كان مازال الجسد حياً ، وطالما هو حياً فهو مصدر الحياة ومصدر الشبع ، لكن أيضاً يبدأ يقلّ الشبع تدريجياً منه طالما الإنسان رفض الشبع منه بصلبه له أي رفضه الاستمرار في عبوديته. وباستمرار الاتصال بالله بالصلاة يبدأ روح الله أن يملأ هيكل روح الإنسان فيبدأ أن يشبع الإنسان بنسبة ضئيلة ،  وحينئذٍ سيكون الإنسان بهذا قد بدأ أن  يأكل من خبز الحياة  الذي هو الشبع الحقيقي من الله الخالق الذي خلقنا لنشبع منه. أي يبدأ الإنسان أن يعيش التناول الحقيقي من الله مصدر الشبع الحقيقي كحياة حقيقية أي سيبدأ الإنسان أن يشبع من الله ، ولكن في هذه المرحلة وهي مرحلة الغسيل تكون بداية الولادة من الله الروح أي بداية الشبع من الله هو مرحلة  صراع  بين  الشبع الجسدي  الذي اعتاد الإنسان عليه بطبيعته العتيقة التي اعتاد عليها والتي ولد فيها وبين  الشبع من الله  بالطبيعة الجديدة التي بدأت تتكون فيه أي بدأت تُخلَق فيه وهي طبيعة الروح بامتلاء الإنسان من روح الله ، لأن هذه الطبيعة الجديدة هي طبيعة الإنسان عندما يكون جزءاً من الله أي يبدأ أن يُساق من الله الروح أي يكون الله هو إلهه أي مصدر حياته ليكون بدأ في التناول أي الشبع من الله كحياة بالاتحاد به بهذا الجسد الذي سيُساق من روح الله في المرحلة الثانية ليشبع أيضاً بجسده هذا ويقتات وينمو كما كان يوحنا المعمدان يحيا ويعيش بهذا الجسد. فبعد أن يولد الإنسان من الماء تماماً أي يصير هيكل الإنسان [أي هيكل روح الله] نظيفاً واصطبغ بالصورة النقية وماتت إلوهية وسياق جسده وذاته سيبدأ الله يسكن في الإنسان بالتمام أي يبدأ الإنسان بالفعل يكون عضواً في الله وجزءاً منه وأداة تُساق تماماً من الله ويبدأ الله أن يكون هو العقل والرأس لكي يتحكّم في الإنسان كل التحكم ولا يصير الإنسان هو هو كما كان مِن قبل يعمل حسبما تأمره ذاته وجسده أي يكون أداة تنفيذ لجسده الجائع هذا وذاته الجائعة بل صار ليس هو بعد بل المسيح روح الله هو الذي بدأ يسوقه بعد أن صُلِبَ تماماً مع المسيح ، وسيبدأ أن يكون الله مصدر حياته ولا يكون له القدرة بعد على أن يفعل أي شيء من ذاته أو من جسده بعد هذا الاتحاد الذي صار فيه مع الله ، وسيكون الله هو مصدر الشبع الدائم ويكون خبز الحياة هو طعامه اليومي بعد أن يكون جسده وذاته قد ماتا لأن الإنسان قد أمات سلطانهما وسياقهما وتحكمهما واستعبادهما له بعد أن توقف عن طاعتهما بنعمة وقوة روح الله الذي طلبه الإنسان بكامل إرادته بعد أن مات تأثير الجسد عليه وسياقه وحروبه وسبيه وتحكمه واستعباده وناموسه أي مات الذي كنا مُمسكين فيه أي مات الإنسان العتيق وأُبطِل جسد الخطية فلم نعود بعد عبيد له لأن الله بدأ يكون هو مصدر الحياة ومصدر الشبع الوحيد لكل كيان الإنسان ، فالجسد سوف يشبع من الله لأنه بالفعل اتحد بالله وصار كالغصن في الكرمة وكالعضو في الله فصار كل دمه الذي يري في عروقه يتغذى ويشبع ويقتات من خبز الحياة كما كان الله المتجسد يحيا على الأرض عندما قيل "كان الصبي ينمو ويتقوَّى بالروح" فهو الذي جاء ليعلِّمنا ويعطينا مثالاً لكي نتَّبع خطواته. هكذا عاش كل القديسون الذين تعلموا من إلههم الذي قال "أنا هو خبز الحياة مَن يأكلني يحيا إلى الأبد" فصار شبعهم هو الله بالحقيقة بالاتصال الدائم به ، لأنه مكتوب أيضاً "حسنٌ للإنسان أن يُثَبِّت قلبه بالنعمة لا بالأطعمة التي لم ينتفع بها الذين تعاطوها". فالذي مازال جسده هو مصدر حياته فهو إذاً مازال يعبده لأنه إلهه لأن الإله هو مصدر الحياة ، وسوف لا يكون هكذا في السماء ولم تكن هذه مشيئة الله أن نحيا ونشبع من هذا الجسد ، لهذا عندما قدم التلاميذ للمسيح طعاماً قال لهم "أنا لي طعام آخر لآكل" والإنسان الذي يحيا حسب مشيئة الله لا يحيا بالخبز بل بكل كلمة تخرج من الله ، وكانت وصية الله لكل إنسان هي "اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية". فصار الإنسان الذي ولد من الله لا يستطيع أن يُخطئ بعد ولا دينونة الآن عليه بسبب الشبع الكامل الذي صار فيه فلم يعد يجوع بعد فسيبدأ يسلك بالروح. فلم يخلقنا الله لنعيش حسب الجسد بل ليكون هو مصدر حياتنا ، وعندما عاش الله المتجسد على الأرض أكَّد لنا أنه بهذا الجسد الضعيف نستطيع أن نشبع أيضاً من الله على الدوام،  وأظهر تأكيده هذا عندما كان صائماً أربعين يوماً مع أن الحكمة البشرية والعقل البشري والطب البشري يقولون أن هذا لا يكون ولكن إيماننا ليس بحكمة الناس ولكن بقوة الله ، فكل آبائنا السواح عاشوا هكذا في شبع بالله مثل يوحنا المعمدان الذي كان ينمو ويتقوَّى بالروح وليس بالجسد. فعندما يبدأ الإنسان أن يصلب جسده سيبدأ بالفعل حينئذٍ في الاتحاد بالله المصلوب ليصير شيئاً واحداً فيه.

فأولاً … سيبدأ يبطل استعباد جسده وذاته له. أي تبدأ تبطل الآلهة التي ولد الإنسان يعبدها.

ثانياً … ستبدأ تنتقل الخطية من الإنسان المصلوب إلى الله المصلوب لأنه قد صار ميتاً معه [إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه].

ثالثاً … سيبدأ في الشبع الحقيقي بسبب روح الله الذي بدأ يملأ هيكل روح الله ، أي يبدأ الإنسان في أن يأكل من خبز الحياة الحقيقي. ويوماً بعد يوم يفنى إنساننا الخارجي ويولد الإنسان من الماء وتموت تماماً الآلهة التي كان الإنسان مستعبداً لها فيتحرر من عبوديتها ويعبر المرحلة الأولى ليصطبغ بالصورة النقية ، ويبدأ حينئذٍ في المرحلة الثانية أي يكون عضواً في الله ويصير الله مصدر حياته الوحيد. لهذا رتَّب الله طقس التناول بحيث أنه  لا يستحق أحد أن يتناول غير المعتمد  ، وفي الحقيقة أنه لا يقدر ولا يستطيع مَن لم يحيا حياة المعمودية أي مَن لم يرغب ويُقِرّ ويريد إرادة حقيقية أن يموت مع المسيح وبدأ في صلب جسده لا يستطيع أن يشبع من الله ، فالأمر والقضية ليست هي الاستحقاق أو عدم الاستحقاق بل إنه أمر طبيعي لأي إنسان مازال يعبد جسده أي مازال يشبع من مصدر حياته وهو جسده أنه لا يستطيع أن يشبع من الله لأنه مازال يعبد جسده كالبذرة التي لم تُدفَن بعد كما قال الرب "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتموت لا يمكن أن تأتي بثمر" أي لا يمكن أن تبدأ فيها الحياة الحقيقية. فوقوع حبة الحنطة في الأرض أي قبولها بكامل إرادتها أن تبدأ تُدفَن وتموت هذا بالفعل مثل اعتماد الإنسان وموافقته على البدء في التوقف عن عبادة جسده ، أي المعمودية كحياة. فالذي لم يبدأ في صلب جسده لم يبدأ في اتصاله بمصدر الحياة كالبذرة التي إن لم تقع ولم تقبل أن تُدفَن تحت الأرض: كيف ستتصل البذرة بالماء مصدر حياتها لتشبع منه؟!! فالإنسان الذي لم يَصلِب جسده بعد أي مازال يعبد جسده سيظلّ يعبد إله آخر ، وسيظلّ مصدر شبعه هو جسده أي سيظلّ مستوطن فيه وتحت ناموسه وسياقه فكيف يعتقد أو يتوهَّم انه يستطيع أن يشبع من الله؟! فكان من الطبيعي أن كل مَن لم يعتمد أي مَن لم يعيش الاعتماد الحقيقي وهو موت أهواء جسده لا يقدر أن يعيش التناول أي أن يشبع من الله الشبع الحقيقي أي يعيش التناول كحياة ، أي مَن لم يبدأ بموافقته في التوقف عن عبادته لجسده سيستمر مصدر حياته الجسد ، فلا يقدر أن يتناول من الرب كحياة أي لا يقدر أن يشبع من الله ، وسيظل في جوع جسده هذا لأن الله خلقه "بطبيعته هو الأزلية" كفجوات لا نهائية في الاتساع حتى يستطيع الإنسان وهو الكائن المحدود أن يحوي الله غير المحدود أي حتى يستطيع أن يشبع من الله كمال الشبع أي حتى يتناول الرب ويأكل من خبز الحياة الحقيقي ويمتلئ منه بأقصى درجة من الامتلاء.

فالتناول من خبز الحياة أي الشبع من الله هو الحالة الطبيعية لكل مَن رفض الاستمرار في عبوديته لجسده والشبع من أهوائه وشهواته وبدأ يتوقف عن طاعته لجسده، فسيبدأ روح الله يملأه ، فسيبدأ يشبع به. فليس معنى ذلك أن لا يتناول الإنسان أي لا يمارس طقس التناول لأن المسيح قد أوصى تلاميذه بهذا عندما قال "خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يُبذَل عنكم" وهذا كان أمر من الله لأنه يعرف أنه هناك كثيرون ضعفاء لأنهم مازالوا في الجسد ورأى أنه من الأصلح والأنفع لهم أن يخضعوا لهذا الترتيب وهذا الطقس والنظام كأب يرى ابنه مريضاً ويجبره على أن يأخذ العلاج ، فإنه مكتوب "اخضعوا لكل ترتيب بشري" ، فكم وكم الطقس والنظام الذي رتبه الله بحكمته لخلاص نفوسنا. وهذا لأن الإنسان في المرحلة الأولى يحتاج أن يتحد بجسد الله المصلوب حتى تُرفَع خطيته. فإن الله بالفعل يحلّ بروحه في هذا الخبز أي هذه القربانة غير أن الإنسان الذي مازال بالجسد يحتاج أن يرى شيئاً ملموساً كي يؤمن لأن الله مالئ الكون وكان الله يمكنه أن  يُعطي وعداً  بأن كل مَن بدأ يصلب جسده سيحلّ فيه بروحه هو أيضاً وسيرفع خطيته كما عاش الشهداء وقديسي العهد القديم الذين لم يمارسوا طقس التناول ولكن اعترفت الكنيسة بهم أنهم صاروا أعضاء في الله ، لكن هؤلاء الشهداء وقديسي العهد القديم كانت لهم علاقة قوية مع الله فصار لهم الإيمان الكامل الذي به لم يحتاجوا أن يروا حتى شيء ملموس مرئي حتى يؤمنوا لأنهم كانوا يسلكون بالروح ، لكن الإنسان مازال بالجسد يحتاج أن يرى بعينيه هذه لأن إيمانه في أول الطريق مازال ضعيفاً جداً و الله يتعامل مع كل إنسان بحسب مستواه فيجعل روحه تنسكب في القربانة وتحولها تحول كامل إلى جسده الحقيقي لكل مَن هو مستحق أي تائب بالفعل أي مصلوباً معه أي استعبد جسده أي لا يطيعه حتى يشعر بوجود الله ويزداد إيمانه. هكذا في طقس المعمودية كان يمكن للرب أن يقول للإنسان الذي أقرَّ أن يكون لله: أنا سوف أبدأ أن أكون معك. لكن لأن الإنسان مازال بالجسد فهو مازال يحتاج أن يرى شيئاً محسوساً فسمح الله بأن نضع ماءاً في جرن وينزل بروحه في هذا الحيز حتى نعرف بالتحديد المكان الذي يكون فيه ويملأه حتى تزداد ثقتنا و أيضاً اطمئناننا مع أن الله لا يحده مكان. ولكن لو كان الإنسان قد آمن إيمان كامل بأن الله حالّ وموجوداً معه بعد إقراره واعتماده في أنه يريد أن يكون للرب وآمن إيمان كامل بأنه سيسكن فيه وسيتحد معه عندما يصلب جسده لم يكن يحتاج أن يمارس طقس كما فعل القديسون والشهداء أيضاً الذين لم يمارسوا الطقس وكما فعل كل آبائنا القديسون في العهد القديم. ولكن الله كان يعرف أن كثيرون ضعفاء أي ليس عندهم الإيمان الكافي ويحتاجون إلى أن يروا شيئاً محسوساً يكون أساساً لهم لهذا أجبرهم الرب على نظام أي طقس يمارسونه وهذا كان لمنفعتهم. كالأب الذي يجبر ابنه أن يأخذ الدواء لأنه ضعيف. لأنه لو كان هذا الابن قوي البنية لما كان أجبره على أن يأخذ الدواء ، هكذا الله عنده أبناء أقوياء وأبناء ضعفاء ، فلا ينظر الضعيف إلى الأقوياء الذين هم الشهداء ويقول أن الشهداء لم يعتمدوا ، فيقول له الرب أنه هؤلاء يابني كانوا أقوياء في الإيمان فلم يحتاجوا ، ولكنك أنت ضعيف ، فالعبرة بالطبع لمَن يجاهد ولمن يسير في الطريق الكرب والباب الضيق وأن يموت بالفعل مع المسيح ليصطبغ بصورته.

فعندما يمارس الإنسان طقس المعمودية فهو لا يتحد بالرب أي لم يمتلئ منه بعد ، بل هي بداية مرحلة الشبع أي التناول الحقيقي من الرب ، فهو بداية عمل الله في الإنسان. أي أن  المعمودية كحياة هي أول يوم في التناول كحياة.  لأن الإنسان عندما يعتمد بالفعل أي يريد ويُقِرّ أنه سيبدأ في موت جسده لأنه أراد إرادة حقيقية أن يكون في الله سيبدأ حينئذٍ في صلب جسده أي سيبدأ أن  يتحوَّل  عن مصدر حياته  ومصدر شبعه بالجسد  الذي كان معتاداً عليه في حياته العتيقة إلى  الشبع الحقيقي  بخبز الحياة الحقيقي لهذا فإن الطقس الذي وضعه الله ورتّبه  ليُذكّرنا بالطريق الحقيقي للحياة  كحياة عملية هو أن الذي اعتمد في نفس اليوم بالتحديد لابد أن يتناول جسد الرب. كل هذا حتى يُذكِّرنا الله ويُذكِّر كل نفس ماذا يجب أن تفعل كحياة عملية حتى نبدأ في الامتلاء والشبع من الله بالحقيقة وحتى نعرف الطريق للحياة كحياة عملية. فإن الطقس أو النظام الذي وضعه الله كان بحكمة كاملة للطريق الذي يجب أن نحياه  ولكن الطقس ليس هو الحياة مع الله نفسه. أي عندما يتناول الإنسان [أي يمارس الطقس] ليس معنى ذلك أنه عاش حياة الشبع بالله وإلا لكانت كل الناس قد تغيّرت وامتلأت بالمسيح أي بلحمه ودمه وظهر نور المسيح من الجميع ، ولكن ليس هذا هو الحادِث الآن ، ولهذا قال الرب لتلاميذه "اصنعوا هذا لذِكري". فإن الله بالفعل يحلّ بروحه والخبز أي القربانة تصير جسد الرب هو هو ولكن مكتوب فقط "عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح" وهذا ما علّمنا الله إياه بنفسه عندما مارس طقس المعمودية حينئذٍ ذهب بعد ذلك ليعيش الاعتماد الذي اعتمده. ولكن المُضِل قد خدع العالم الآن وجعله يعبد الطقوس ويُركِّز فيها بل ويعتقد أنه بهذا الطقس بالفعل يحيا مع الله ويعتقد أن الطقس هو صَكّ أعطاه الله إياه وبه سيدخل ويرِث الملكوت ، ولكن كان يجب أن نسلك كما سلك الرب وأن نتمثَّل بحيته كمثال لنا ، فهو مثال وقدوة أعطاها لنا كطريق لنسير فيه أي كحياة وكل مَن يتِّبع خطوات الرب في هذا الطريق الذي سار فيه هو بنفسه سيصِل ، فكما مات المسيح وقام سنسلك نحن أيضاً معه فهو أعطانا نحن مثالاً لكي نتبع نحن خطواته. فحياة المسيح على الأرض ستدين كل إنسان الآن.

فإن كان الطين الذي وُضِع على عيني الأعمى هو طقس المعمودية ولكن المعمودية كحياة هي ذهاب الإنسان بنفسه بكامل إرادته ليُدفَن مع المسيح كما أرانا المسيح وذهب بنفسه ليبدأ في الطريق الكرب ، هكذا يحلّ الله في الحقيقة في الخبز أي القربانة في طقس التناول فتصير هي هي نفسها جسد المسيح ودمه ، فهي كالماء الحيّ الذي نزل إلى الأرض لينتظر أن يُعطي حياة لكل إنسان ، لكن ما الفائدة إن لم يقبل الإنسان كحبة الحنطة أن يُدفَن ويموت ، فلن يبدأ أبداً في الاتصال بالله بمصدر الحياة فلن يشبع منه أبداً؟! فالطقس هو بالحقيقة جسد المسيح ودمه ، ولكن الشبع الحقيقي وهو التناول كحياة مشروط على أن يُصلَب الإنسان مع المسيح ويُدفَن معه.

أي أن الطقس [كطقس المعمودية] هو عطية الله كالطين للأعمى ومثل الماء الذي في جرن المعمودية وقد نزل الله بالحقيقة بروحه فيه ، ولكن أولاً لكي يشفى الإنسان ويبصر كان يجب أن يبدأ أن ينفذ مشيئة الله ، كالمولود أعمى حتى يستفيد من عطية الله هذه كان يجب أن يذهب إلى بركة سلوام. أي لكي يعتمد الإنسان كحقيقة حتى يستفيد من عطية الله [أي من طقس المعمودية] أي من الروح القدس الذي أظهره الله في الميرون والماء .. كان الأمر مشروطاً على إرادته وإظهار صدق إرادته كالأعمى الذي ذهب إلى البركة لكي يغتسل ويبصر ولولا ذهابه لما كان سيستفيد من عطية الله ، و هكذا كل مَن اعتمد ومارس الطقس. كما أرانا السيد المسيح بعد أن اعتمد ماذا فعل حتى يعلِّمنا كيف نستفيد من قوة الله وهي العطية التي أُعطِيت لنا وهي إظهار الله بصورة ملموسة بأنه سوف يكون معنا ويبدأ فينا لكي يشفينا. ولكل مَن يريد أن يتجاوب مع عمل الله لكي يبصر كالأعمى يبدأ أن ينفذ مشيئة الله ، وهذه هي المعمودية كحياة. و أيضاً في طقس التناول وهو عطية الله كالماء الحيّ للبذرة وهو الله الذي أعطانا نفسه كالخبز أي القربانة التي تصير بالفعل هي هي جسد الرب ودمه ولكن لكي نشبع منه ونستفيد من عطيته التي أرانا إياها بشكل ملموس وهو جسده الذي على المذبح الذي هو كالماء الحيّ كان الأمر  مشروطاً  على  أنه لابد أن نُدفَن كالبذرة حتى نستطيع أن نتصل به [الذي هو الماء الحيّ] فنشبع به وهذا هو التناول كحياة. فكان يحتاج الأمر لكي نغتسل ولكي نشبع أن نريد إرادة حقيقية ثم نبدأ أن نجاهد ونُظهِر صدق إرادتنا.

فإن طقس المعمودية كالطين على عيني الأعمى ولكن المعمودية كحياة هي ذهاب الإنسان والبدء في دفن جسده … فيبصر

 

وطقس التناول هو كالماء الحيّ لكن التناول كحياة هو الشبع من الله بموت الإنسان عن العالم كالبذرة التي دُفِنَت

فيجب أن نعرف أيضاً أن الطريق على مراحل كثيرة ، فلكي يبصر الإنسان أيضاً كان لابد أن يجاهد أي لكي يعرف الإنسان ماذا يجب أن يفعل لكي يصل إلى الله ، كالمريض الذي لكي يُشفى كان عليه أولاً أن يعرف ما هو مرضه وما هو العلاج الذي يأخذه فهذه أيضاً مرحلة ثم بعد ذلك يبدأ أن يأخذ العلاج باستمرار لكي يُشفى ، ولكن كان كل الطريق متوقف على إرادة الإنسان. فقد أرانا الرب هذا في شفاءه الأعمى الذي شفاه الرب على مراحل(مر8) فهو كان في بيت صيدا أي كان من النفوس التي يطلب الرب أن يصطادها. وهذا أيضاً ذهب به أناس إلى الرب كما هو مكتوب "قدموا إليه أعمى" ، فهو لم يكن يعرف الطريق ولكنه أراد فأخذ الرب بيد الأعمى ..  وأخرجه  خارج القرية وتَفَلَ في عينيه ووضع يديه عليه وسأله "هل تبصر شيئاً؟!" فتطلَّع هذا الإنسان وأبصر الناس كأشجار يمشون ، ثم وضع الرب يديه أيضاً على عينيه وجعله الرب يتطلع فعاد صحيحاً وأبصر كل إنسان جلياً أي بوضوح.  فأرسله الرب إلى بيته  قائلاً "لا تدخل القرية ولا تَقُل لأحد". فإن مرحلة رؤية هذا الإنسان كأشجار هي المرحلة الأولى وهي أن يبصر الإنسان الحقيقة وهي أننا أغصان في كرمة الرب ولكن كان الإنسان يحتاج أن يعرف بعد ذلك ويبصر كيف يكون الطريق. فهي مرحلة تحتاج بصيرة ثانية أيضاً حتى يستطيع الإنسان أن يعود إلى بيته وهو هيكل الله الذي نحن بيته أي يعود في الله. وكان يجب على الرب أن يُعلِّمه بنفسه لهذا أرانا أنه هو الذي سيعلمنا ويرشدنا لهذا "أخذ الرب بيده وأخرجه خارج القرية" قبل أن يَتفِل في عينيه ، أي كان شرط البصيرة [أي بداية الإرادة الحقيقية] هي أن ينفصل الإنسان عن العالم لأنه لا يستطيع أحد أن يخدم سيدين ، فكان أول تعليم للرب لهذا الإنسان لكي يبصر أول بصيرة هو أنه يجب أن ينفصل عن الظلمة كما في أول يوم في أيام الخليقة أن الله فصل بين النور والظلمة لهذا أخرجه خارج القرية. وعندما أبصر أول حقيقة أننا أغصان في كرمته ، استمر عمل الله في هذا الإنسان حتى بدأ يعرف الطريق للوصول إلى صورة الإنسان الحقيقي التي حسب مشيئة الله ، لهذا مكتوب "أبصر كل إنسان جلياً" أي أدرك كيف يصير الإنسان حسب مشيئة الله في الصورة التي تكون مرضية تماماً عنده.

فإن الله كان يريدنا أن نعيش الطقس كحياة  والطقس فقط يُذكّرنا بهذه الحياة  تماماً مثل صورة جميلة أعطانا الله أن ننظر إليها فيها وقد رسم الله فيها مكاناً جميلاً لا يمكن أن يُوصَف وهو ما لم تراه عين من قبل وكان الله يريدنا أن نذهب إليه. فسمح الرب أن تكون هذه الصورة أمامنا في كل حين وكل وقت حتى يحث الله كل إنسان ويشجعه حتى يسعى ليذهب لهذا المكان الجميل وإلا لما سعى الإنسان بهذا الجسد الذي لا يستطيع أن يؤمن بشيء لا يراه وجاهد لكي يبذل نفسه ويضحِّي لأجل أمور مجرد فقط يسمع عنها فمِن حكمة الله جعل الطقس كالصورة التي تُقرِّبنا إلى الحقيقة والحياة الحقيقية كصورة مكان جميل عندما يراه الإنسان يشتاق أن يذهب إليه وبدون هذه الصورة كان يصعب تخيل هذا المكان بعقل الإنسان الذي يعتمد على الأمور التي تُرى. فبحكمة الله تعامل مع الإنسان بالطريقة التي تُجدي معه ، لهذا رتَّب طقس القداس وجعله داخل كنيسة وهي مبنى يُوضَع فيه أيقونات وصور ليشغل حاسة النظر عندما يكون الإنسان في القداس ، ورتَّب أن يكون هناك بخوراً له رائحة حتى يشغل حاسة الشم وألحان جميلة وعذبة حتى تشغل حاسة السمع ، وترتيب الكلام الذي يُقال في القداس يجعل الإنسان يشعر بجو روحاني فيجعله يعتقد كأنه في السماء. ولكن كان يجب على الإنسان أن لا يظن أنه طالما نظر إلى الصورة ، فهو بهذا صار في المكان الذي ينظر إليه في الصورة؟! ففي طقس المعمودية مثلاً : يُقِرّ الإنسان أنه سوف يموت ويُدفَن مع المسيح ولكن ماذا بعد ذلك أي ماذا لو لم ينفِّذ هذا الإقرار؟! وسمح الرب بأن يكون التناول في نهاية القداس حتى يُشعِرنا الرب طوال القداس عن طريق الألحان والبخور والكلام الذي يلمس القلب باشتياقات الإنسان لله حتى يشجعه لكي يبدأ بالفعل أن يتصل بالله لكي يشبع منه ، وبهذا يكون قد تناول خبز الحياة لكي يبدأ بعشرة الامتلاء منه. ولكن ما الفائدة من حضور الإنسان للقداس وممارسة طقس وبعد ذلك لا يتم اتحاد حقيقي بالله وامتلاء حقيقي بالله باتصال الإنسان به؟!! فبالطبع كان هناك شرط للبذرة لكي تتصل بمصدر حياتها وهي أن تُدفَن وتموت وهذا هو الباب الضيق والطريق الكرب الذي لابد أن يعبره الإنسان وهو الطريق الوحيد والوسيلة الوحيدة لكي يمتلئ من الله. فهناك كثيرون لم يحتاجوا إلى طقس أي إلى الصورة الجميلة التي يرونها لكي تذكِّرهم بالمكان الحقيقي ، فمِن شدة إيمانهم ومن شدة صِدق إرادتهم اتصلوا بالرب والتصقوا به كالقديس يوحنا المعمدان الذي كان يتناول بالفعل كل حين أي عاش حياة الشبع الدائم بالله فكان الله مصدر حياته ، فمكتوب كان ينمو ويتقوى بالروح ، فهو كان بالحقيقة يتناول كل يوم أي يشبع بالرب بالامتلاء به بالاتصال الدائم به ، وكذلك الشهداء الذين لم ينظروا أي شيء يُذَكِّرهم بالرب مثل جسد الرب ولم يمارسوا طقس التناول ولكنهم قَبِلوا أن يموتوا من أجل الرب بعد أن تذَّوقوه تذوق حقيقي وإلا لما قدموا حياتهم له بفرح وطيب خاطر. الذهاب لأعلى الصفحة

 


 وهذا الموضوع له تكملة حوالي 100 صفحة تقريباً ... إذا أردت الحصول عليها يمكنك مراسلة أسرة الموقع للحصول عليها أو على مواضيع أو رسائل أخرى أرسلها الرب إلى هذا الإنسان يمكنك المراسلة على العنوان التاليway2truelife@gmail.com

التحكم في الصوت

 

 
الصفحة الرئيسـية المعـجـزة