خاتمة الموضوع

 

إن الشمس تشرق كل يوم بنورها القوي الذي ينتشر في كل أنحاء الأرض بل وأن حرارتها تؤكد ظهورها للذي يُكذِّب أن هناك شمساً أو نوراً ، أي أن النور يُظهِر نفسه بنفسه عن طريق الحرارة ، حتى الذي يسعى أن يُكذِّب أن هناك نوراً فإن الحرارة تعمل في الأشياء فترفع من درجة حرارتها حتى يصير نور الشمس حقيقة أقوى حتى لا يصير أي إنسان بعد ذلك لا يرى النور حتى لو في أعماق البحر أي حتى لو كان النور يظهر بدرجات لكنه ظاهر لأنه حقيقة ولا يقدر أحد أن يُكذِّبه . لكن هناك مَن لا يرون نور الشمس ولا يشعروا حتى بحرارتها ليس لأن الأشعة بنورها وحرارتها تختفي عن هؤلاء ، ولكن السبب في ذلك أن هؤلاء عميان . إذن .. مشكلة مَن لا يرى نور الشمس ليست أن الشمس غير موجودة وغير حقيقية بل لأن هذه النفوس ليس لديها أعين أي بصيرة لكي ترى نور الشمس ولا حتى لديها الإحساس بحرارة الشمس .

هكذا كل نفس لم ترى الطريق ولم تسيره بالطبع ولم تفهم الكتاب ، هذا لأنها لم تسأل من الرب لهذا لم يفتح الله ذهنها كما فعل مع التلاميذ عندما فتح ذهنهم ليفهموا الكتاب (لو24: 45) مع أن الكتب كانت لديهم من قبل لكن لم يكن الله قد وضع طيناً على أعينهم  ويخلق البصيرة الروحية التي ترى الروح . إذن .. كل نفس ليست في احتياج أن تسير الطريق ، فكيف يسير أعمى في طريق لم يراه؟!!! إذن .. نحن نحتاج أن نطلب من الله بالحق فحينئذٍ سيفتح الله بصيرتنا كما فتح بصيرة شاول الطرسوسي ومريم المصرية وبدون معلم صاروا متعلمين كما الرب "سيكون الجميع متعلمين من الله" (يو6: 45) . فإن مسحة الله لا تجعلهم يحتاجون إلى معلّم ، فإن كل مَن لم يسير الطريق حتى الآن هذا لأنه لم يسأل لأنه لم يريد لهذا لم تنفتح بصيرته حتى الآن .

فلنستيقظ ولا نظل نيام كما فعل شمشون الذي معناه قوي كالشمس ، أي النفس التي عمل فيها روح الله بقوة أكثر من جميع الناس ، وكان عمل الله في حياته واضحاً وقوياً كالشمس ، ومع ذلك صار أحمق الجميع على الإطلاق وهذا بسبب كمال الجوع الذي وصل إليه الذي جعل رئيس العالم و العالم يستدرجه ويسأله : أخبرني الآن ..  بماذا تُوثَق لإذلالك؟! فهل يُعقَل أن إنسان يصل لدرجة الحماقة التي تجعله يسمح لإنسان آخر أن يسأله "كيف أقتلك ؟" !!!!! أو يقول له "أريد أن أقتلك وأهلكك فأرجوك ساعدني وأخبرني كيف أهلكك وأميتك وأجعلك كالبهيم؟" !!!!! وهذا ما حدث مع هذه النفس عندما سألته دليلة وقالت له "الآن هوذا ثلاث مرات قد ختلتني وكلمتني بالكذب ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة" (قض16: 15) . فكيف يمكن أن نصدِّق هذا : أن جوع الإنسان يجعله يصير أحمق إلى أعلى ما يكون وبدرجة لا يُصدِّقها عقل حتى تجعل إنساناً يسأله كيف يهلكه ويجيبها وكأنه صار لا يسمع ولا يشعر كما صار آدم أيضاً الذي حذّره الله الإله الذي خلقه بأنه موتاً يموت لو أكل من الثمرة !!! ومع هذا عندما أشارت له حواء أكل معها دون حتى أن تتفوه بكلمة واحدة !!!! لهذا كانت نتيجة حماقة هذه النفس انهم قلعوا عينيه وأوثقوه بالسلاسل وجعلوه يطحن في بيت السجن بدلاً من الثور ، ثم قالوا : ادعوا شمشون ليلعب لنا (قض16) . فإن الله يرينا قمة العبودية وكمالها و ماذا تعمل في الإنسان الذي أعطاه الله كل هذه القوة التي كانت لشمشون . فهذه القوة العملاقة التي لم يكن لها نظير في كل بني البشر في كل الأزمنة كانت ترمز  لنعمة الله  التي وهبها لأي نفس التي كانت يمكن أن تجعله يصل للكمال ، ولكن بسبب عدم اتصال هذه النفس بالله صارت غير ممتلئة فلم تشبع به فظلت في جوع ، وباستمرار سقيها من ماء العالم وشبعها من الجسد و العالم صارت في جوع كامل كما أرانا الرب في شمشون ، فصار في عبودية كاملة وهذه هي  السلاسل  التي أوثقوه بها في سجن العبودية وصار كالأعمى الذي لا يرى بل وصار كالمسبي المجنون الأعمى الذي :

لا يعلم ماذا يفعل .. بل ولا يفعل ما يريده .. بل ما يبغضه إياه يفعل  (رو7)

فإن الإرادة كانت حاضرة عند شمشون وهو في السجن ولكن هناك ناموساً آخر صار يحاربه ويسبيه بل وكان في سبي كامل بسبب تهاونه وعدم مسيرته في الطريق الذي هو مشيئة الله لهذا صار مثل آدم الذي صار كأنه لا عقل له بل ولا إرادة ولا مشيئة ولا قدرة بل صار  مسلوب الإرادة تماماً  كما صار شمشون الذي جعلوه يطحن في السجن  وقيّدوه بسلاسل  لا يقدر أن يفعل أي شيء بسبب السبي الكامل الذي صار فيه كما أخبرنا القديس بولس انه وإن كان هو يُسَرّ بناموس الله ويريد أن يطيع الله في كل وصاياه لكن أخبرنا أن الناموس روحي أما هو فجسدي أي مبيع تحت الخطية وهناك ناموس أي قوة حاكمة تحكمه وتتحكم فيه كل التحكُّم وتُجبِرَه على أن يفعل حتى الشرّ الذي صار يبغضه كما حدث لشمشون ،  لكن  عندما  صرخ شمشون للرب  أعاد له الرب قوته مرة أخرى .

فلنستيقظ ونصرخ للرب حتى يعطينا : أولاً ..  البصيرة  لنرى الطريق ، ثم يعطينا ..  القوة  التي تجعلنا نسير الطريق كله . فلا ننسى أن أعظم مبشِّر في المسيحية كان يصرخ من عبوديته لجسده بعد إيمانه بالرب بفترة وبعد اختباراته الطويلة للمسيح والتي كان أعمقها انه كان يصنع المعجزات باسم المسيح وانه صعد إلى السماء الثالثة وسمع كلمات لا يُنطَق بها ، ومع ذلك كان مازال يفعل الشرّ الذي حتى هو يبغضه ، وأخبرنا لأنه مازال  مبيع  تحت الخطية وتحت العبودية وهناك ناموساً آخر أي Law أي قوة حاكمة تحكمه وتتسلّط عليه وتسبيه وتُجبِرَه على فِعل الشر ، وأخبرنا انه دائماً يركض لكي ينال وأوصانا أن نجري بسرعة . والأعجب من كل هذا انه كان غير واثق في جهاده هذا لإدراكه الكامل بصعوبة الطريق الذي ما أكربه لهذا قال  أسعى .. لعلّي .. أدرك  (في3: 12). فكيف لإنسان عمل فيه الرب بقوة وصار أعظم مبشري الكنيسة أن يقول هذا الكلام ؟!! فإن القديس بولس لم يقصد انه غير واثق في فداء المسيح له أو انه غير واثق في باب الحياة الذي فتحه له الرب حتى عندما يجاهد بشِبه موت الرب تُرفَع عقوبته ، بل إنه كان خائفاً من  ألا يصل للهدف الحقيقي  وهو صورة الله ومثاله أي انه يخبرنا أن يسعى  لعلّه  يصل لصورة الله لأنه أدرك انه لا يوجد هدف آخر من تجسد الرب وتعليمه لنا الطريق وموته عنا إلا هذا الهدف . فإنه يخبرنا أن هذا الأمر وهو الوصول لصورة المسيح أمر صعب جداً ويبدو مستحيلاً لأنه أدرك وصية الرب "ما أضيق الباب!!" وكأنه لا توجَد فتحة أو ممر في الباب لندخل منه . فإن كان المال يجعل فتحة الباب مثل ثقب إبرة أمام الجمل ، فكَم وكَم شهوات الجسد وكل العثرات والأمور التي في العالم التي تجذبنا !!!!وقد جعل الله بولس الرسول يخبرنا بالروح القدس بهذه الحقيقة وهي انه لا يضمن أن يدرك ويصل لهذا الهدف حتى نستيقظ أولاً على أن الهدف ليس هو الإيمان بالمسيح بل إن الهدف الحقيقي هو أن نصل إلى أن نكون صورة لله نفسه التي هي قامة ملء المسيح ونستيقظ على أن هذا الأمر صعب جداً ولكن ليس مستحيلاً ، لكنه يحتاج لجهاد حتى الدم وأن يجعل الإنسان نفسه مثل غنم للذبح كل يوم ويموت كل النهار أي يحتاج لجهاد مستمر في صلب الجسد وعدم طاعة مشيئة الذات في أي شيء بل يدرك أنه موجود في هذه الدنيا لهدف واحد وحيد . فإن الله جعله يخبرنا انه يسعى لكنه كان غير واثق لهذا قال "أسعى لعلّي أدرك" (في3: 12) هذا لكي نستيقظ ولا ننخدع أننا ولِدنا من الدم أو من الروح هكذا في الحال وخلُصنا هكذا في الحال وصرنا أبناء الله وشركاء في الطبيعة الإلهية هكذا في الحال بدون أن نموت كل النهار وبدون أن نجاهد حتى الدم وبدون أن نسلك نفس الطريق ونفس الجهاد الذي جاهده الرب أي نميت أجسادنا ونقمعها كما فعل الرب بنفسه وهو الإله الذي لا يحتاج شيئاً . فمَن لا يموت بشِبه موت الرب لن تكون فيه حياة أبداً لأنه سيظل عبداً لجسده طالما هو لا يطيعه ولو في أقل شيء كما فعل آدم وعيسو . فلنفعل كما فعلت النسوة اللواتي تبعن المسيح ونظرن القبر  وكيف وُضِعَ جسده  .. فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً (لو23: 55). فهولاء النسوة يرمزن للنفوس التي نظرت الرب كيف سلك وكيف عاش مماتاً فبدءوا يموتون بشِبه موت الرب ، وأعدوا الطريق للرب حتى يُقبَر فيهم هم أيضاً .

ولنتذكر أن أعظم مبشِّر في المسيحية لم يقل : أنا صرت ابناً لله وصرت وريثاً وألبسني الرب الإكليل ، بل قال : جاهدت الجهاد الحسن وأكملت السعي وحفظت الإيمان (2تي4) . I have finished the race  أي أنهيت السباق لأن الكتاب أخبرنا أننا لابد أن نجري بسرعة (1كو9: 24) لأن الطريق طويل جداً وليس الطريق كالسباق فقط بل هو أيضاً مصارعة دائمة بين أجسادنا و العالم ، فهو ليس "صعباً ما أصعبه!!" بل "ما أطوله!!" أيضاً أي يحتاج أن نركض ، وبدون الجري الدائم لن نصل أبداً . ثم أكمل القديس وقال "جاهد الجهاد القانوني" (2تي2: 5) أي نفس جهاد الرب ، لهذا أخبرنا أنه كان يقمع جسده ويستعبده حتى يموت الذي كان مُمسَكاً فيه حتى يعود إلى صورة آدم الأول ويصير بلا خطية وهذا بعد أن تحرر من ناموس الجسد .

لأنه طالما أي إنسان يفعل أي خطية أو سهوة واحدة فهو لم يولَد من الله بعد لأن الله أخبرنا أن المولود من الله لا يخطئ ولا يستطيع أن يخطئ لماذا؟!  لأنه طالما أخطأ الإنسان أقل سهوة فهو مازال تحت ناموس و عبودية ولم يصير الله عقله الذي يحرّكه بعد ، لأن الله عندما يصير هو الرأس بعد أن صار هذا الإنسان عضواً فيه سيحيا ويتحرك بالله فقط . فكيف لإنسان يحرّكه الله وكل أعماله من الله أي كما قال الكتاب "مسوقين من الروح" ثم بعد ذلك يخطئ ؟!! فهل الله يعمل عمل ضد مشيئته ؟!! لهذا قال الكتاب "كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله فقط" (رو8: 14) . فالبرهان القاطع على أن الإنسان طالما مازال يخطئ ولو في أقل شيء فهو لم يولَد من الروح بعد أي لم يصير عضواً في الله بعد .. كلام الرب الذي قال "مَن حفظ كل الناموس و إنما أخطأ في واحدة  فقد صار مجرماً في الكل"(يع2: 10) وهذا لأنه لا يمكن لإنسان صار بالفعل عضواً في الله أي صار جزءاً من الله نفسه وبعد ذلك يخطئ لأن كل أعماله ستكون بناءً على سياق الله له وتحريك الله له لأن الله هو الذي يحرِّكه  كما يحرّك الجسد أي عضو  .

فإننا نسمع انه لا يوجد إنسان بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض ، ولكن هذا حقيقي فقط بالنسبة لمَن لم يصل إلى الصفر أي لمَن لم يعود إلى صورة آدم لأنه طالما هو مستمر يحيا بالجسد أي أن الطعام مازال هو مصدر حياته فهو مازال يحيا بالجسد .. إذن .. ليس الله مصدر حياته أي انه لم يصير عضواً في الله أي يحيا ويتحرّك ويوجَد بالله كما في السماء لكنه مازال تحت ناموس الجسد أي مازال الشر حاضراً عنده لهذا فإن طبيعته مازالت تحيا وتتحرك بالجسد وسيجبره الجسد على أن يفعل الشر الذي يبغضه كما أخبرنا القديس بولس عندما كان يجاهد ولم يصل للصفر بعد أي عندما لم يصل إلى صورة آدم الأول بعد ، أي عندما لم يكن قد عبر المرحلة الأولى بعد وهي مرحلة الحرية التي كان مثالها موسى النبي ويوحنا المعمدان وهي مرحلة الولادة من الماء والتحرر من العبودية التي تجعل الإنسان يخطئ . فالكتاب وحده هو الحق المطلق وكل كلمة فيه هو الطريق ، وأخبرنا الكتاب أن "المولود من الله لا يستطيع أن يخطئ" (1يو3: 9) لكن طالما الإنسان لم يتحرر بعد ومازال تحت عبودية الجسد فلابد أن يخطئ وهذا كان قصد الآباء الذين قالوا هذه العبارة و هكذا عاش قديسون كثيرون حتى صاروا لا يحتاجون إلى أي طعام أو أي قوت من هذا العالم مثل الأنبا بيشوي الرجل الكامل الذي كان طعامه فقط جسد الرب ودمه وأكَّد لنا الرب وأخبرنا أيضاً هذا من الإنجيل عن نفوس عاشت بالروح تماماً عندما أخبرنا عن يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء وقال "جاء يوحنا لا يأكل .. ولا يشرب.." (لو7: 33)  لأن القديس يوحنا المعمدان عاش كما في السماء يعيشون كذلك من هنا على الأرض أي عندما بالروح تماماً وهذا لأنه صار عضواً في الله و طبيعي مثل أي عضو لا يحتاج خارج الجسد الذي هو مستوطن فيه أي شيء ، ولهذا كان سهلاً على إنسان مثل ايليا أن يظل 40 يوماً بدون طعام وموسى النبي أيضاً ، وهذا لا يمكن أن يحدث طبيعياً من الناحية البيولوجية ، وهذه هي الصورة التي خلق الله الإنسان ليصير عليها وهي أن يصير عضواً فيه كالغصن في الكرمة لأن الرب هو الكرمة الحقيقية أي مصدر الحياة الوحيد الحقيقي لأنه هو الوحيد الذي سيظل وسيدوم أَما الجسد فهو مصدر حياة مؤقت كان كل هدف الله أن نجاهد به . لأنه عندما يصير الإنسان عضواً في الله سيصير الله هو الرأس الذي يحركه كما قال الكتاب "مسوقين من الروح القدس" لهذا فكل أعمال الإنسان ستكون بناءاً على تحريك الله للإنسان وهذا بالطبع بعد أن أنكر ذاته تماماً وصار كأنه لا عقل له .. إذن .. فكيف سيخطئ بعد أن صار الله هو ذاته وعقله بعد أن جاهد سنوات طويلة في إماتة جسده وذاته وتحرر من عبوديتهما فصار "بليد ولا يعرف أي شيء" (مز73: 22) ؟!! فلا مجال أن يخطئ الإنسان حينئذٍ ، حينئذٍ سيكون ابناً لله لأنه صار مشابهاً لله لأنه صار عضواً في الله كالعضو الذي تكون طبيعته نفس طبيعة الجسد وهذا ما كان يقصده الكتاب "المولود من الله لا يخطئ بل ولا يستطيع أن يخطئ" أي لا مجال لأن يخطئ الإنسان لأنه لن يحيا الإنسان بعد هو بل المسيح هو الذي سيحيا فيه وسيقول "أحيا لا أنا" وهذا معنى الكتاب أن زرعه يثبت فيه أي سيحيا ويتحرك بالفعل من الله و هذا عاش أغلب الآباء السواح مثل يوحنا المعمدان والأنبا ميصائيل السائح الذي أغلق على نفسه 6 سنوات دون أن يشرب أو يأكل ، والأنبا بيشوي الرجل الكامل ، فهؤلاء بالحقيقة صاروا أعضاء في الله وهذه هي صورة الله التي خلقنا الله لنصير فيها و هذا سيكون عندما نصير أعضاء فيه أي عندما يصير الله مصدر حياتنا الوحيد وهذا بالجهاد في الصلاة لكي نمتلئ منه هو كل الملء  (أف3)  حتى نشبع منه كل الشبع فلا نحتاج أن نشبع بالجسد بعد وهذا بالجهاد الكامل أي الجهاد حتى الدم في الصوم والصلاة حتى نمتلئ ونصل إلى قياس قامة ملء المسيح (أف4) .

فإنه هناك درجات كثيرة في الطريق ، فهناك مَن بدأ بالفعل يصلب جسده فبدأ يوجد روح الله فيه كالجنين لكنه لم يقوم بعد كالجنين الذي لم يتحرر ويخرج بعد ، أي لم يصل للصفر بعد . وهناك مَن ولِدَ من الماء واغتسل وتنقى تمام النقاوة وعاد لصورة آدم لأنه تحرر تماماً من كل عبودية . وهناك مَن استمر في النمو ووصل إلى قامة ملء المسيح . وهذا كان واضحاً تماماً في مثل الزارع الذي أخبرنا الرب فيه أن هناك أنواع من الأرض : فهناك أرض بها شوك و أرض حجرية وهناك أرض جيدة . وهذه الأرض الجيدة هي النفوس التي بدأت تصلب جسدها لأنها قَبِلَت كلمة الله وأرادت فبدأت تسلك كما سلك الرب ، لكن أيضاً كان الثمر فيها بدرجات لهذا قال الرب : فأعطى ثمراً يصعد و ينمو فأتى واحد  بثلاثين  و آخر  بستين  و آخر  بمئة  . فإن الذي أتى بثلاثين هي النفس التي لم تسلك بالعقل والجسد فقط بل بدأت تسلك بالروح أيضاً كما أخبرنا الرب انه أعطى مطلق الحرية لأي إنسان حتى "يسع مطرين أو ثلاثة" (يو2: 6) أي إما أن يستمر يحيا بالعقل والجسد فقط وإما أن يبدأ يسلك بالروح . لكن هذا الإنسان مع انه بدأ يسلك الطريق إلا انه لم يموت تماماً ولم يعود إلى صورة آدم لهذا فهو مازال يخطئ ولو حتى قليلاً ، وهذا يرمز له الرب برقم ثلاثين لأنه بدأ بجسده وعقله وروحه (3) يسلك في وصايا الرب التي يرمز لها برقم (10) لهذا صار ثمره (30) ، [3×10= 30] . أما الذي أتى بستين فهو الذي وصل للصفر وعاد لصورة آدم الذي خُلِقَ في اليوم السادس وهذا أيضاً وصل بوصايا الرب [6 × 10] كما أخبرنا الرب عن هؤلاء الذين صاروا يثمرون بأنهم صاروا قديسين لأنهم صاروا بالفعل أعضاء في الله لأنهم تحرروا تماماً من الجسد ومات الذي كانوا مُمسَكين فيه بل وصاروا يشفعون للآخرين كما أخبرنا الرب في سفر النشيد انهم حول اخوتهم عندما قال : حولك ستون جباراً كلهم حاملون سيوفاً ومتعلمون الحرب (نش3) . أما الذي أتى بثمر مائة هو الذي امتلأ كل ملء الله لأنه نفّذ كل وصايا الكتاب التي يُرمَز لها بالرقم 10 أي صار كاملاً وصار ممتلئاً بنفس قياس قامة ملء المسيح ، وهذا كله عن طريق الكتاب أي عن طريق وصايا الرب أيضاً 10 ، أي انه نفّذ كل الوصايا عن طريق فهمه لوصايا الرب . و لهذا رمز الرب له بأنه أثمر مائة ثمر وهو إشارة إلى [10 × 10] أي انه عاش كل الوصايا عن طريق كلام الله أي الوصايا نفسها فهو صار صورة لله ومثاله أي وصل إلى قامة ملء المسيح .

فلنضع أمامنا كل وصايا الرب ولا نظل عميان لأنها هي أيضاً مجد الله أي المرآة فإن الله أخبرنا "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم فمحبة العالم عداوة لله ، و هكذا أيضاً اهتمام الجسد عداوة لله" (1يو2: 15، رو8: 7) ، فلنسأل أنفسنا : هل مازلنا نحب أي شيء من العالم أو مازلنا نهتم بأجسادنا ؟! فلنحكم على أنفسنا فإن الله أوصانا أن مجرد أن نهتم ونقول "ماذا نأكل؟!" سيجعلنا نظل أعداء لله !!! أليس هذا كلام الله ؟! أَم بالفعل نجح رئيس العالم في أن يجعل الإنجيل مكتوماً عنا لنصير من الهالكين ؟!!  فلنستيقظ  ونضع صورة الله ووصاياه أمامنا وهذا لو كنا صادقين في أننا نريد أن نصير أبناؤه أو حتى عبيده لأننا عبيد لأي شيء نطيعه . فلنحكم على أنفسنا : هل نحن نطيع الله ولا نطيع الجسد في أي شيء كما فعل آدم ؟! فلنصير أمناء مرة واحدة قبل فوات الأوان وإلا لخسرنا كل شيء لأن مجرد إطاعة الجسد أو أي شيء في العالم في أقل شيء تجعلنا نظل عبيد للعالم وللجسد وبهذا لا يمكننا أن نصير عبيداً لله . فاصحوا واسهروا لأن إبليس عدوَّكم كأسد زائر يجول ملتمساً مَن يبتلعه هو . فلنستيقظ ونضع صورة الله أمامنا كل يوم لنرى أين نحن منه ومن وصاياه .

فلنستيقظ ونضع أمامنا صورة المسيح وهي المرآة أي الصورة التي خلقنا الله لنكون فيها ، ونُذَكِّر أنفسنا كل يوم أن الله ألزمنا أن نكون كاملين لهذا أعطانا قدرته الإلهية التي تهب لنا كل ما هو للحياة وأعطانا كل ما يلزمنا من نعمة . فلننظر كل يوم إلى المرآة لنرى هي صرنا صورة المسيح التي هي صورة الله أَم لا . والذي أراد الوصول لهذه الصورة فلينظر للطريق أي لجهاد الرب الذي هو الوسيلة الوحيدة لوصوله لهذه الصورة بعبوره المرحلة الأولى ليعود لصورة آدم ، ثم استمرار جهاده لكي يمتلئ إلى كل ملء الله . ولكل إنسان أن يفعل ما يريد ، ومَن له أذنان للسمع فليسمع .

إن الله كان كل هدفه أن نصير أعضاء فيه لكي نتمتع به بأعلى درجة تمتع ، لكن كان لا يمكن أن  يرغِمنا  على هذا أو أن يجعلنا هكذا في الحال أعضاء فيه في اليوم الذي خلقنا فيه ، بل كان لابد من منطلق حكمته أن يعطينا عقل ومشيئة أي  ذات  حتى لو قَبِلنا أن نصير أعضاء في الله ليكون الله هو الرأس التي تسوقنا ننكر هذه الذات ونرفض أن نفعل أي شيء من مشيئتنا وبهذا يكون الإنسان كأنه ضحَّى بشيء لأجل الله . لهذا وضع الله شيئاً غالياً أمام الإنسان ليكون وسيلة تتم بها المفاضلة والمساومة والمقارنة بين هذا الشيء وبين الله ، مثل علبة المجوهرات التي أعطاها الملك لكل شعبه وأخبرهم أن مَن يريد أن يصير ابناً له عليه أن يُعِيد هذه المجوهرات حتى مَن أعادها يكون كأنه ضحَّى بشيء غالي لأجل الملك ، مع انه في أي حال من الأحوال كان الملك سيأخذها . لكن عن طريق هذه المجوهرات ثم  امتحان  كل إنسان ، هكذا قد فعل الله معنا انه أعطانا جسد يمكننا أن نحيا عن طريقه وأعطانا عقل يمكن أن نفعل به ما نريد ، وهذا ليس لكي نحيا ونتحرك ونوجد بهما بل لكي يمتحننا الله عن طريقهما .. حتى مَن أراد أن يستوطن في الله وقَبِلَ أن يصير الله مصدر حياته ويكون هو الرأس التي تحرّكه لأنه قدَّر قيمة الله .. سيرفض الاستمرار في أن يحيا بالجسد وأن يتحرّك من مشيئة ذاته ، وبهذا يكون كأنه قد ضحَّى بشيء غالي جداً وهو الوجود الذي وضعه فيه الله في أول الأمر . وبهذا سيكون هذا الإنسان له  الفضل  في أن يصير بالفعل عضواً في الله وشريكاً في طبيعته الإلهية.

ولكي يصير الإنسان عضواً في الله فقط يعيش حسب مشيئة الله في أي عمل أي يعيش الهدف الذي خلقنا من أجله فقط أي أن نعيش له ونمتلئ منه هو ونسعى أن نحيا به هو وليس بالجسد الذي وضع أنفسنا فيه حتى يمتحننا به أيضاً كما أراد أن يمتحننا بالذات . فإذا أراد إنسان أن يصير عضواً في الله لابد أن يحيا بالله ويكون الله مصدر حياته الوحيد ويكون الله هو عقله فقط الذي يسوقه وهذا يكون عندما يبدأ من الآن أن يعيش حسب مشيئة الله أي يحيا لله فقط ويقول " لي الحياة هي المسيح " ، وهذا بأنه لا يعبد أي إله آخر أي لا يطيع أي شيء سواء الجسد أو الذات في أي شيء أي يبدأ في الطريق الذي جاء الرب وعلّمنا إياه . ثم يبدأ يتصل بالله ليبدأ يشبع بالله حتى يوماً بعد يوم يصير الله مصدر حياته ، فحينئذٍ هو بذلك صار عضواً في الله لأنه أنكر ذاته ورفض أن يفعل أي شيء حسب مشيئة ذاته وبدأ يشبع من الله ليصير الله مصدر حياته ، فبذلك تمم شروط عضويته في الله مثل أي عضو في الجسد فهو ليس به عقل ويحيا أيضاً من الجسد لهذا لا يحتاج من هذا العالم أي شيء لأن الجسد يمدُّه بالهواء والغذاء ويحرِّكه أيضاً حيثما يشاء ، هكذا الذي صار عضواً في الله لن يعوزه شيء لأنه سيحيا ويتحرك ويوجد بالله وهذا ما حدث لكل آبائنا القديسين الذي عاشوا في المغاير وشقوق الأرض عشرات السنوات لأنهم عاشوا كما في السماء كذلك من هنا أيضاً على الأرض لهذا لم يكونوا يحتاجوا إلى أي شيء من العالم سواء طعام أو بشر لأن القلب والفكر والجسد أيضاً امتلئوا من روح الله فصاروا في شبع كامل .

فالإنسان الذي صار عضواً في الله وولِدَ من الروح بالحق وبدأ يحيا ويتحرك ويوجد بالله ، صار الله بالنسبة له هو  الحياة  وليست الناس بعد هي الحياة ولا طعام الأرض كما أوصانا الرب "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون بل ولا تهتموا قائلين ماذا نأكل وماذا نشرب" ، فإنه سيكون في شبع كامل من الله . ولأنه صار بالفعل عضواً في الله فهو ليست له ذات أو مشيئة خاصة به بل صار  نكرة  أي لا يفعل أي شيء من مشيئته بل بدأ يعيش الهدف الذي خلقه الله من أجله أي يعيش لله فقط ويقول "ليَ الحياة هي المسيح" (في1: 21) وبهذا بدأ يتدرب على الحياة التي ستكون في السماء إلى الأبد وهذه هي الحياة التي خلق الله الإنسان من أجلها وهذا ما ينساه الكثيرون . فكان يجب أن يسأل كل إنسان نفسه ماذا سيكون في السماء ؟! "و يبكي تجار الأرض وينوحون عليها لان بضائعهم لا يشتريها أحد فيما بعد ، بضائع من الذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ والبز والأرجوان والحرير والقرمز وكل عود ثيني وكل إناء من العاج وكل إناء من أثمن الخشب والنحاس والحديد والمرمر ، وقرفة وبخوراً و طيباً و لباناً و خمراً و زيتاً و سميذاً و حنطة و بهائم و غنماً و خيلاً و مركبات و أجساداً ونفوس الناس ، وذهب عنك جنى شهوة نفسك و ذهب عنك كل ما هو مشحم و بهي و لن تجديه في ما بعد ، تجار هذه الأشياء الذين استغنوا منها سيقفون من بعيد من أجل خوف عذابها يبكون و ينوحون ، و يقولون ويل ويل المدينة العظيمة المتسربلة ببز و أرجوان و قرمز و المتحلية بذهب و حجر كريم و لؤلؤ ، لأنه في ساعة واحدة خرب غنى مثل هذا و كل ربان و كل الجماعة في السفن و الملاحون و جميع عمال البحر وقفوا من بعيد ، و صرخوا إذ نظروا دخان حريقها قائلين أيَّةَ مدينة مثل المدينة العظيمة ، وألقوا تراباً على رؤوسهم وصرخوا باكين ونائحين قائلين ويلٌ ويلٌ المدينة العظيمة التي فيها استغنى جميع الذين لهم سفن في البحر من نفائسها لأنها في ساعة واحدة خربت" (رؤ18) .

فالذي صار عضواً بالفعل في الله  صار نكرة لأنه صلب ذاته لهذا لم يحيا هو بعد بل  المسيح الذي يحيا فيه  هو الذي يسوقه ويحرّكه ويقوده في كل شيء وكل عمل . لأن الله صار هو عقله لذلك فكل أعمال ستكون من سياق الله ومن مشيئة الله فهو قد صار كالعضو في الجسد لا يمكن أن يتحرّك من تلقاء نفسه ..

لأن العضو ليس له عقل أو مشيئة أو قدرة حتى بها يستطيع أن يتحرك ، لأن هذا الإنسان الذي صار عضواً في الله  رفض مشيئة ذاته  وأنكرها لأنه أدرك أن هذه هي  الوسيلة الوحيدة  لكي يصير عضواً في الله فرفض أن يبقى في الوهم الزائل فرفض أن يصير أحمقً بأن يتوهّم انه  شيء  بل أدرك الحق كله الذي هو  انه لا شيء على الإطلاق  ، ولو قَبِلَ هذا الوهم والباطل وهو انه شيء سيخسر كل شيء . بل أدرك أن الله أعطى له هذا العقل لهدف واحد وحيد وهو عندما ينكره أي يرفض أن يكون له مشيئته الخاصة فهو بذلك كأنه ضحَّى بشيء من عنده لأجل الله حتى يصير له الفضل في المجازاة مع انه ليس لنا .. ليس لنا أي شيء ، لكن هذا كان أقل شيء كان لابد لله الكامل الحكمة أن يمتحن الإنسان به .

ويستطيع أي إنسان الآن أن يعرف هل هو ولِدَ من الله وصار ابناً لله أَم لا بأن ينظر إلى المرآة وهي وصايا الله وصورة المسيح الذي كان صورة الابن المثالي التي عن طريقها نعرف أنفسنا . فإن الإنجيل الذي هو صورة الله أيضاً يخبرنا أن أبناء الله هم الذين يحبون أعدائهم ويباركون كل مَن يلعنهم وليس هذا فقط بل يحسنوا إلى كل مُبغِضيهم أي يفعلوا أعمال إيجابية أيضاً ، وكل مَن يسيء إليهم ويطردهم يصلُّون له ، ومن هنا نعرف إن كنا بالفعل قد صرنا أبناء الله أَم لا لأن الله أخبرنا : إن فعلتُم هذا تكونون أبناء أبيكم الذي في السموات (مت5: 45). لذلك يجب أن ننظر للمرآة وهي وصايا الله وننظر للمسيح وهو المرآة أيضاً لأنه هو كان بالفعل الصورة المثالية التي أتى ليرينا إياها ، فهو عندما كان على الصليب في أشدّ آلامه و عندما كان يعذبه الرومان ويهينه رؤساء الكهنة كان يصلي لهم : لماذا ؟! لأن محبة الله وروحه القدوس قد ملأت هذه النفس كمال الامتلاء فكانت النتيجة أي ثمر روح الله هذا وسكناه أن هذه النفس صارت لها نفس طبيعة الله وهي  المحبة الكاملة  التي لا تنظر ما لنفسها بل ما للآخرين . فالذي أصبح عضواً في الله وابناً له لأنه ولِدَ من روح الله سيكون له نفس طباع الله ، ومن هنا يستطيع أن يعرف كل إنسان هل هو صار ابناً لله أَم لا . فالمولود من الله لا يخطئ .. لماذا ؟!! لأن الله أصبح هو عقله الذي يسوقه فكل أعماله هي من الله الذي يحرِّكه ، فلا يمكن إذن أن يفعل الله شيئاً ضد مشيئته أي أن يسوق إنساناً ويجعله يعمل عملاً ضد مشيئته .

فعلى كل إنسان أن يعرف أين هو من الله حتى لا يضيِّع العمر هباءً ويظل الإنسان تحت وهم انه قد صار من أبناء الله وهو بعيد كل البُعد ، وحتى لا يصير كالعذارى الجاهلات اللواتي كان ليس لديهن زيتاً وكُنَّ معتقدات أنهن لهن الحق في الجلوس مع الله لهذا عندما أتى وقتهن قرعوا الباب وقالوا له : افتح لنا . فالذي يعتقد انه ولِدَ من الروح أو انه صار ابناً لله أو حتى اعتقد انه صار عبداً لله فلينظر للمرآة وهي وصايا الله والإنجيل وصورة المسيح و طبيعته وهذا إذا أراد أن يتغيَّر بالفعل لتلك الصورة عينها وحتى لا يظلّ في الوهم . فالذي مازال لا يطيع الله في وصاياه فهو إذن ليس عبد لله لأن الإنسان يصير عبداً للشيء الذي يطيعه كما هو مكتوب "أنتم عبيد للذي تطيعونه" (رو6: 16) . فالذي صار عضواً في الله بالحق  لن يقدر أن ينفصل عنه لحظة واحدة  لأن الله صار بالنسبة له الحياة كما أن العضو لا يقدر أن يحيا منعزلاً أو منقطعاً عن الجسد فإنه سيموت في الحال لأن الجسد صار مصدر حياته وكالهواء بالنسبة للإنسان . هكذا كل مَن صار عضواً في الله فإنه سيكون نتيجة طبيعية انه سيتصل بالله على الدوام وستكون صلته بلا انقطاع وستكون ، وهذه كانت من وصايا الله التي أوصانا بها : صلوا كل حين .. وصلوا بلا انقطاع .. وصلوا ولا تملوا . فهذه الوصايا هي صورة لكل مَن صار عضواً في الله ، وهي المرآة التي يجب أن ننظر إليها كل حين لنرى أنفسنا منها . فمَن لا يعيش هذه الوصايا ولم تكن طبيعته حتى الآن فهو ليس عضواً في الله ولا وُلِدَ من الله لأن المولود من الله صار  صورة الله  أي صار صورة المسيح  ونفس قامة ملء المسيح  . وستكون نتيجة طبيعية أن كل أعماله من الله وستكون أعماله ثمار الروح كلها لأنه سيكون مثال الله في كل صفاته أي سيكون كأنه مسيح على الأرض لأنه صار جزءاً من الله أي عضواً أي صار صورة له لأنه صار في صِلَة دائمة و صِلَة كل حين وسيعيش تماماً كما في السماء كذلك من هنا على الأرض . و هكذا عاش كل القديسون الذين منهم مَن ظلّ عشرات السنوات داخل مغارة لم يعوِزَه أي شيء من هذا العالم لأن الله فيه كل شيء ، لكن الذي مازال يحيا في العالم ولا يقدر أن يعيش كما في السماء فهو لم يصير عضواً في الله والدليل انه مازال يحتاج شيئاً آخر غير الله لأن الله ليس هو كل شبعه أي ليس كل شبع عقله أو قلبه أو فكره .

فلنتذكر الحياة الأبدية وهي السماء ، فهناك لا يوجد سوى الله ولا يوجد أي عمل يدوي أو ذهني بل  لا يوجد سواه  ، فمَن لم يتدرّب على أن يعيش حسب مشيئة الله أي يعيش كما في السماء يعيشون كذلك من هنا على الأرض لن يقدر أن يكون مع الله كالعذارى الجاهلات اللواتي لم يستطعن أن يوجَدوا مع الله ، وإن كنَّ لسن شريرات بل أخبرنا الرب عنهن انهم عذارى بالفعل أي غير مرتبطين بالعالم ، لكن ما الفائدة وهن لم يجاهدن حتى يصرن أعضاء في الله .!! وما الفائدة إن لم يذهبن للجحيم لكنهن لن يجلسن مع الله ..!! فمِن أجل أي شيء نخسر الوجود الدائم مع الله ؟! هل من أجل أشياء ستزول وكان الله يمتحنا بها سواء العقل أو الجسد أو العالم ؟!

فلنستيقظ لنعرف الحق .. أن الله لم يخلقنا في هذا العالم لأجل هذا العالم .

ولم يضعنا في هذه الأرض لأجل هذه الأرض .

ولم يأتي بنا إلى هذه الدنيا لكي نعمل في هذه الدنيا .

فليس لنا مدينة هاهنا باقية لكن كان يجب أن ننظر ونركِّز ويكون شغلنا الشاغل في الهدف الذي خلقنا الله من أجله لأننا كيف لم نفهم حتى الآن انه باطل كل الأباطيل والكل باطل والكل سيمضي كالريح .. وأن هذا العالم وهذا الزمن وهذا العمر الذي أعطانا الرب إياه هو  الفرصة  الوحيدة المُقدَّمة لنا لنقرر أي كيان نريد أن نستوطن فيه و أي إله نريد أن نعبده ، وليس كما اعتقد الكثيرون أننا في هذه الدنيا لكي نعيش حسب الدنيا أو حسب الجسد . فلننظر إلى وصايا الرب لكي نستيقظ ونفهم ما هو الهدف من وجودنا .

فكل إنسان وُجِدَ في هذا العالم عندما ينضج كان يجب عليه أن يسأل نفسه : لماذا هو موجود في هذه الحياة ؟! و لماذا خلقه الله ؟! حتى يصير إنساناً حكيماً ولا يظل أحمقً مثل أي كائن حيّ كالحيوان أو كالطيور التي عندما وُجِدَت في هذا العالم بدأت تأكل وتشرب مثل كل الكائنات ، وكانت الطبيعة هي  المرآة  بالنسبة لها . لكننا قد خلقنا الله لنصير على صورته ومثاله ، وأعطانا الرب هذه الحياة لتكون بمثابة الفرصة لكي يسعى كل مَن يريد أن يحقق هذا الهدف أن يبدأ يجاهد حتى يُظهِر صدق إرادته بأنه يضحِّي بأي شيء للوصول لهذه النعمة العظيمة حتى يكون له الفضل في أن يصير  جزءاً من الله .

ولا ننسى شيئاً هاماً .. أن أي إنسان مولود بالجسد أي بالعبودية هو  كالمجنون الأعمى  ، فليس مجنوناً فقط ويبصر .. فربما نستطيع أن نشير له إلى الطريق حتى لو لم يفهم فهو يرى الطريق فربما نسير أمامه ويتبعنا حتى لو لم يدرك لكنه مجنون وأعمى ، وليس أعمى فقط .. فربما نستطيع أن نشرح له الطريق بالكلام ونضع له علامات يمسك بها . لكن كل إنسان وُلِدَ بالجسد أي وُلِدَ بالعبودية هو  مجنون أعمى أخرس  ولا يقدر أن يفهم حتى ما هو للروح لأنه ضد طبيعته : فكيف لإنسان أن يقبَل أن يفعل أي شيء ضد طبيعته ؟! فلا يمكن لإنسان أن يرفض أن يمتِّع جسده لأنه صار هو والجسد شيئاً واحداً ، ولأنه وُلِدَ في جوع كامل فهو بالطبيعة يسعى المسيح يشبع بكل ما يملك . لكن فقط  قوة جذب الله  التي هي الذراع القوية التي أخرجت شعب بني إسرائيل من العبودية هي فقط التي نستطيع عن طريقها أن نخلُص . فلا يمكن لإنسان أن يدرك ويقتنع بشيء ضد طبيعته لهذا أكّد لنا الرب أنه "لا يستطيع أحد أن يُقبِل إليَّ إن لم  يُعطى من فوق  وإن لم  يجتذبه الآب " .

فنعمة الله وقوة جذبه وقوة سبيه هما فقط الذين يجعلوا الإنسان يسير في الطريق ويُولَد من الماء والروح فكيف يمكن لإنسانة مثل مريم المصرية التي عاشت في تمتع كامل للجسد تقبَل أن تصلب هذا الجسد بأعلى درجة من الصلب والإقماع والاستعباد إلا بقوة جذب من الله وهي البصيرة التي تفتح الذهن ليدرك أن هذا العالم نفاية وهو لا شيء ، وبدون هذا السبي من الله لا يمكن لإنسان أن يبدأ في الطريق . كما أن  لوط  وهو النفس التي أرادت أن تُولَد من الماء والروح لم يكن ممكناً أبداً أن يولَد من الماء و الروح إلا بشرطين وهما : إن يُسقى من الخمر أولاً ، و أن يعتقد ابنتاه أن العالم قد انتهى . وقد شبَّه الرب هذا التشبيه ليؤكد لنا : كما انه لا يمكن عقلياً و أدبياً أو نفسياً لإنسان مثل لوط أن يثمر وينجب من ابنتاه إلا عن طريق الخمر .. هكذا لا يمكن لإنسان البتة أن يبدأ أن يسير في الطريق ويولَد من الماء و الروح إلا عن طريق قوة جذب الله وسبيه الذي مثل الخمر .

فإن لوط يعني "نقاب أو غطاء كامل" وهو رمز الإنسان الذي أراد أن يصير صورة كاملة لله ولا يبقى أي شيء من صورته القديمة ، كالنقاب الذي لا يُظهِر من شكل الإنسان أي شيء بل هو يغطيه بالكامل .. هكذا لوط كان كالنفس التي أرادت أن تكتسي بالمسيح وتلبس المسيح ، فإن هذه النفس منذ البدء طلبت بالحق من الله أن  توجَد فيه  لهذا أرسل لها ملاكان وهما  نعمتاه  لتعبر المرحلتان أي تولَد من الماء و الروح . لهذا بدأت نعمة الله أن تأخذ بيد هذه النفس وتخرجها من الدائرة أي الوسط التي كانت فيه أي انشغالاتها و عبوديتها القديمة حتى ينفصل النور عن الظلمة . وأوصى الرب هذه النفس أول وصية في الطريق وهي

اهرب لحياتك .. ولا تنظر إلى ورائك .. ولا تقف في كل الدائرة اصعد إلى الجبل لئلا تهلك (تك19: 17).

ويقول الكتاب :  لما توانى .. امسك الرجلان بيده و بِيَد امرأته و بِيَد ابنتيه لشفقة الرب عليه .. وأخرجاه .. و وضعاه خارج المدينة   (تك19: 16). وهذا ما يعمله الرب معنا لأنه مكتوب "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من اجل المسرة" (في2: 13) لأنه لولا جذب الله لنا لما استطاع أحد أن يخلُص فلا يستطيع أحد أن يُقبِل إلى الله إن لم يجتذبه الآب .

وإن زوجة لوط ترمز للأشياء العتيقة التي كانت مرتبطة بها هذه النفس كانشغالات العالم ، لهذا كان لابد أن  تموت  لأن طبيعة الانشغالات منجذبة للعالم لهذا نظرت امرأته للوراء فشبيه الشيء منجذب إليه وهذا كان رمزاً إلى انه في أول الأمر يحاول العالم أن يجذب هذه النفس بالعبودية التي داخلها ، فمحبة العالم داخلها تجعلها في أول الأمر تنجذب للعالم وتريد العودة للوراء أو حتى النظر للوراء ، لكن قاوم لوط [هذه النفس] هذه الأشياء وتركها وماتت عندما شرع في بداية الطريق . فصار هناك فاصل بين النور والظلمة وبهذا عبر أول يوم في المرحلة الأولى وهي الإرادة الحقيقية . وإن كانت هذه النفس رفضت في بادئ الأمر أن الصعود إلى الجبل وأرادت أن تذهب إلى صوغر لكن بعد أن نظر لوط عقاب الله للأشرار اتَّعَظ وخاف لأن الله يحتال أحياناً على النفس ويأخذها بمكر حتى لو بالخوف في بادئ الأمر وهذا من شدة محبته للنفوس ، لهذا يقول الكتاب "وحدث لما اخرب الله مدن الدائرة .. .. صعد لوط من صوغر  وسكن في الجبل  وابنتاه معه" (تك19: 29و30).

أما ابنتاه فيرمزان للمرحلتين اللتين لابد أن تعبرهما هذه النفس التي بدأت تصعد بالفعل . وأرانا الرب :

كما انه لا يمكن بكل الصور والمقاييس ومن الناحية العقلية والنفسية أن ينجب لوط من ابنتيه إلا عندما أدركت هذه النفس انه لا توجد نفوس أخرى في العالم و أيضاً عن طريق الخمر ، هكذا كل نفس .. أولا .. لولا انفتاح ذهنها على أن هذا العالم سيزول كان لا يمكن أن تبدأ في الطريق .. ثانياً .. لولا قوة جذب روح الرب لها بعد ذلك كالخمر الذي سقتا ابنتا لوط إياه لما كان يمكن بأي صورة أن يثمرا منه . هكذا عمل الرب مع كل النفس التي انفتحت بصيرتها على  الحق  الذي هو أن هذا العالم باطل وليس حقيقة بل هو فرصة اختبار .

ثم بدأ عمل الرب معها أي بدأ يجذبها ويسبيها لهذا ولدت البكر ابناً ودُعِيَ اسمه  موآب  وهو هو ثمر الولادة من الماء أي نتيجة أن الإنسان عبر أول مرحلة وعاد لصورة آدم أي صار حراً نقياً . فموآب تعني "من هو الأب؟" أو "مِن أي أب هو؟" أو "مَن هو أبوه؟" ، وهو يرمز لإنسان بالفعل تحرر تماماً لكن لم يصير الله أبوه بعد لأنه لم يبدأ أن يمتلئ بروح الله لهذا لم يبدأ يصير صورة لله بعد لأنه صار كالإناء النقي الفارغ فقط ، مثل آدم يوم أن خلقه الله فهو لم يكن صورة لله أو ابناً له لأنه لم يكن قد وُلِدَ من الروح بعد أي لم يكن قد وُلِدَ من الله ، فلم يكن ابناً لله حتى هذه اللحظة ، فلم يكن له أب . أما بعد أن يبدأ الإنسان يولَد من الروح باستمرار جهاده في الصوم والصلاة يبدأ يصير صورة لله ويبدأ يأخذ طبيعته ، لهذا عندما أنجبت الابنة الثانية للوط أنجبت ابناً ودَعَتهُ "بن عمي" أي أبناء شعبي ، وهذا الابن كان يرمز أن ثمر الروح هو نتيجة عبور الإنسان للمرحلة الثانية أو حتى بدايته في هذه المرحلة وأنه صار بالفعل عضواً في الله وَوُلِدَ من الله فبدأت تصير طبيعته بالفعل نفس طبيعة الله لأنه وُلِدَ من روح الله أي صار ابناً لله .

و هكذا عندما يذكر الرب رمز بل رموز لكل مَن صار عضواً فيه [مثل: "بن عمي"] لا يذكر هذه النفس بمفردها لأنها صارت جزء من كيان لا يتجزأ أي صارت واحداً مع كل النفوس التي صارت أعضاء في الله و أيضاً صارت واحداً في الله لأنها هي وكل القديسين والله صاروا جسداً واحداً وكياناً واحداً لا يتجزأ لهذا عندما يذكر الرب أي رمز في الكتاب عن النفس التي وُلِدَت بالروح وصارت عضواً فيه لا يمكن أن يرمز إليها بمفردها لأنها لم تصير بعد كياناً مستقلاً بمفردها . ففي معجزة إشباع الجموع المرة الثانية (مت15: 34) عندما أشبع الرب الجموع بسبعة أرغفة قال الكتاب : وكان هناك "قليل من صغار السمك" . وهم رمز لكل النفوس التي صارت أعضاء في الله لهذا اشترط الرب أن يرتفعوا فوق كل الاهتمامات الأرضية لهذا مكتوب "فأمر الجموع أن يتكئوا على الأرض" (مت15: 35) وليس كالمرة السابقة طلب أن يتكئوا على العشب (مت14: 19) أي يرتفعوا فوق اهتمام الجسد فقط ، فإن كانت هذه كمرحلة أولى وهي مرحلة الولادة من الماء التي قسَّم الرب فيها السمكتين أي نعمتيه للجميع ، لكن المرة الثانية صارت النفس عضواً في الله لهذا صارت جزءاً من الله ومن كل القديسين الذين وصلوا بالاتضاع بموت الذات لهذا كان وصف الرب لهم "قليل من صغار السمك" أي هذه النفس جزء من كل النفوس التي وصلت بالاتضاع لأنها أدركت أنها صغيرة ، و هكذا شبَّه الرب النفس التي صارت فيه بقوله خدّ حبيبتي  كفلقة رمانة  (نش4: 3، 6: 7) لأن هذه الثمرة هي فصوص كثيرة جداً وفي النهاية تكوِّن ثمرة واحدة ، فالذي صار عضواً في الله صار في الحال جزءاً من كل القديسين وجزء من الله لذلك كل فِصّ يشبه حجر اليَشْب أي الألماظ ونصفه شفاف والنصف الآخر أحمر لأن هذه النفس صارت صورة لله الذي هو أبيض وأحمر . فلم تُكتَب كلمة واحدة في الإنجيل ولا حرف واحد إلا لو كان سيُحيي وهو خطوة في الطريق يجب أن نعيشها .

فإن  الطريق  هو العمل الذي يصل بالإنسان للهدف الذي خلقه الله من أجله

وهو أن نصير أعضاء فيه لنضمن التمتع الدائم إلى الأبد بالله ، وبهذا سنصير أيضاً صورة له ومثاله ، وهذا يكون بالامتلاء الدائم به بالاتصال الدائم به لنمتلئ كل الملء أي تمتلئ فجوات عقلنا وقلبنا تماماً بالله ، وهذا يكون بعد أن نكون قد هيئنا هياكلنا وصارت نقية جداً أي بعد أن نعبر أول مرحلة وهي الولادة من الماء . فالطريق ليس ذهاب للكنيسة لحضور اجتماع أو ترنيمة ، فهذه وسائل تثبِّت الإنسان وتساعده عندما يسمع كلمة الله ويتمتع بلحن معين . و الطريق ليس حضور قداسات أو أن يعيش الإنسان في صحراء أو دير بل هذه وسائل تساعده ، فالقداس هو ترتيب يذكِّرنا بحياة المسيح على الأرض حتى نتذكر الجهاد الذي جاهده بالتوقف عن طاعة الجسد ليعلّمنا الطريق الذي هو الجهاد الذي لابد أن نجاهده حتى نصل لله ، الذي أوله يبدأ بمرحلة تهيئة وهي التحرر من العبودية ثم الاستمرار في الاتصال بالله . وفي نهاية القداس يحوِّل الرب الخبز العادي إلى جسده حتى كل مَن كان مصلوباً أي مائتاً بشِبه موت الرب أي بدأ في الطريق أي طريق الجهاد لتحرره تماماً من عبوديته بتوقفه عن طاعة جسده بصلبه في أي شيء يهواه أو لأن هدفه ونيَّته صارت أن يصل للهدف الذي خلقه الله من أجله عندما يتحد بجسد الرب يصير في يقين انه مات مع الرب كما أوصانا الكتاب "إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه ، وإن كنا قد صرنا متحدين بشِبه موته نصير أيضاً في قيامته" (رو6: 5و8) . إذن .. فالقداس والاجتماعات والصحراء سوف تُجدِي وتفيد كل مَن هو سائر في الطريق .

 فالطريق  هو الجهاد الكامل بشِبه جهاد الرب وشِبه موت الرب الذي يصل بالإنسان في النهاية للهدف الذي خلقه الله من أجله .. أي أن :

 الطريق  هو جهاد إنسان أراد وقرر ونوى أن يصير عضواً في الله ليصير صورة لله ومثاله .

 والمعمودية  كانت ترتيب رتّبه الله ليجعلنا نتذكر الطريق كل يوم .

أي يذكِّرنا بأننا لابد أن نصير صورة له ونصطبغ بصورته هو ، لأن المعمودية تعني اصطباغ .

فأرانا الرب انه هناك معمودية ماء ومعمودية روح ليذكِّرنا بأن الطريق مرحلتان : المرحلة الأولى نصطبغ بصورة آدم الأول أي نعود أنقياء كما كان آدم يوم أن خلقه الله ونصير صورة إنسان مولود من الماء أولاً ، ثم بعد ذلك نكمل جهادنا لنصير في النهاية صورة للمسيح الذي هو صورة الله ومثاله أي الاصطباغ بصورة الله . فالمعمودية هي جهاد الإنسان في موت طبيعته القديمة والجهاد للتحرر من عبوديته للاصطباغ أولاً بصورة الإنسان الأول يوم أن خُلِق ، ثم استمرار الجهاد للاصطباغ بصورة الله .

فالمعمودية بصورة الله كحياة أي كجهاد دائم للاصطباغ بصورة الله هي الطريق نفسه للوصول لصورة الله.

و المعمودية كطقس يذكِّرنا كل حين بالجهاد الذي لابد أن نجاهده كل حين لنُولَد أولاً من الماء أي نتحرر أولاً من عبوديتنا حتى لا نخطئ بعد ، وهذا بعد أن يموت الذي كنا مُمسَكين فيه حتى نصطبغ بأول صورة وهي صورة الإنسان الأول يوم أن خُلِقَ عندما كان كامل النقاء . وباستمرار الجهاد للامتلاء من الله حتى نصطبغ بثاني صورة وهي صورة المسيح نفسه وهي صورة الله ومثاله ، واصطباغنا بصورة الله [أي اعتمادنا بصورته] يتم بموتنا بشِبه موته ، وهذا كان معنى الكتاب الذي قال  اعتمدنا لموته  (رو6: 3) أي اصطبغنا بصورته عندما متنا بشِبه موته ، فإننا صرنا صورته بموتنا معه أي أننا اعتمدنا [أي اصطبغنا بصورته] بموته أي بموتنا بشِبه موته وبموته كإنسان كامل كان هو الله المتجسد الذي وحده فتح لنا الباب الذي نقدر بدخولنا فيه أن نصير أعضاء فيه . فهو الباب الذي إن دخل أحد به يخلُص ويصير جزءاً فيه ، وهذا بموتنا بشِبه موته كإنسان كان يعلّمنا الطريق والمثال العملي ، وبموته كإله متجسد حتى تُرفَع خطايانا باتحادنا بجسده المائت . فهو قدّم لنا الهِبة المجانية التي لا تُوصَف وهو تجسده وحياته العملية لكي يعلّمنا وموته كإنسان ليفتح لنا باب النجاة حتى كل مَن مات بشِبه موته يتحد بجسده المائت وبهذا يوفي عدل الله .

خاتمة الخاتمة

فلا ننسى شيئاً هاماً : أن الله عندما حذَّر آدم وقال له "يوم أن تأكل من الشجرة موتاً تموت" كان يقصد انه يوم يطيع شهوة جسده ويعطيها ولو أقل شيء سيصير في الحال مستوطناً في الجسد الذي سيستعبده وسيتحكّم فيه تحكُّم وتسلُّط واستعباد الجسد لأي عضو وبهذا ستكون كل أعماله من سبي وسلطان الجسد و الذات أي كل أعماله ستكون ضد مشيئة الله أي خطية ، وأجرة الخطية موت . أي كان الرب يحذِّر آدم انه يوم أن يطيع جسده في أقل القليل سيكون في عبودية تجعل كل أعماله عقوبتها الموت في أي عمل . فلنحكم على أنفسنا بل لنقارن أنفسنا كَم نحن نطيع الجسد بالمقارنة بما فعله آدم ، ومن هنا نستطيع أن ندرك لماذا جاهد كل آباؤنا القديسين كل هذا الجهاد وكابدوا كل هذه الحياة الصعبة التي ما أكربها .. لأنهم أدركوا القضية بكمال الإدراك والوضوح لأن الله أنار بكل ضوءه على الحق وأبصروا الطريق عند الظهيرة لأنهم أرادوا بالحق أن يصيروا مع الله لهذا سألوا الرب قائلين : أخبرني يا مَن تحبه نفسي أين ترعى وأين تربض عند الظهيرة ؟!

ولا ننسى شيئاً هاماً جداً

أن الله عندما حذّر آدم وأوصاه أن لا يأكل من الشجرة وإلا سيموت موتاً ، وكانت وصية الله في شيء صغير جداً ، وأن آدم عندما لم يطيع الله طرده الله من الجنة .. إذن .. أَلم يوصينا الله نحن أيضاً وصايا كثيرة التي أولها "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ، ولا تهتموا قائلين ماذا نأكل" ؟!! فماذا نعتقد : هل يتغيّر الله في معاملاته للبشر أو في عدله ؟! فإن الله ليس عنده تغيير أو ظلّ دوران ، فهو هو أمس واليوم. فإن الله الذي أوصى آدم بوصية و عندما لم يطيعه طرده ، هكذا نحن إن لم نطيع الله سنُطرَد من فردوسه لا محال . فلنستيقظ ونضع كل وصايا الله أمامنا لنعرف هل نحن نطيع الله أَم لا ، وبهذا سنعرف هل نحن نعبده أًم لا .

وبهذا سنعرف : هل نحن سنُطرَد من الفردوس .. أَم لا ؟!

فإن الله عندما أخبرنا بقصة العذارى الجاهلات وأخبرنا أنه هناك خمس عذارى كُنَّ جاهلات كان يقصد أن هناك نفس بكل حواسها كانت بالفعل عذراء أي لم تكن مرتبطة بالعالم أي أن هذه النفس لم تكن بالفعل تشتهي أي شيء من العالم ولم تكن أي حاسة من حواسها في جوع وليس منجذبة إلى شيء أو مستوطنة فيه لأنه ليست عبدة لشيء . فإن الله عندما يقول أن هذه النفس عذراء فهو صادق كل الصدق ويقصد صدق المعنى بكل ما تعنيه الكلمة . لكن العجيب انه مع أن هذه النفس كانت بكل حواسها عذراء لكنها كانت  جاهلة  .

لأنها كانت تماماً مثل آدم يوم أن خُلِقَ عندما كان نقياً جداً وليس تحت أي عبودية ، لذلك لم تكن أي حاسة فيه في جوع أو منجذبة لأي شيء أو مُستَعبَدة لشيء ولا تسعى أن تشبع من أي شيء بل كل حاسة من حواس آدم كانت بالفعل عذراء . لكن كان آدم ليس عنده حكمة على الإطلاق فصار جاهلاً وأحمقً أيضاً لأنه أضاع خلاصاً هذا مقداره (عب2: 3) . فقد كان آدم في الحقيقة الخمس العذارى الجاهلات ، وكان الرب يحكي هنا قصة آدم يوم أن خلقه الله وقصة كل نفس مثله أي نفس لا تفعل الخطية لكنها لم تعيش الهدف الذي خلقها الله من أجله أي لم تعيش لله أي لم تسلك في الطريق الذي يصل بها لله . فقد كان آدم في الصفر يوم أن خُلِقَ ، وكان بالطبع قد أضاء الله بصيرته جداً على الهدف الذي خلقه من أجله ، لأنه لا يمكن لله كليَّ الحق [الذي كان يسعى بكل ما يملك وبكل ما عنده (عندما خلق آدم) أن يحقق آدم الهدف الذي خلقه من أجله وهو أن يصير عضواً فيه وهذا بأن يعلِّم آدم أن هذا الهدف يصير باتصاله بالله لكي يبدأ يمتلئ من روح الله ، فيبدأ يولَد أي يوجَد في الله] فكان لا يمكن لله أن يكون هذا هدفه وكل غايته ثم بعد ذلك لا فتح ذهنه على هذا الهدف ولا على الوسيلة والطريق الذي يستطيع به أن يصل لهذا الهدف ، وإلا لصار الله عدواً . لكن كون أن الله خلق آدم من العدم دون أن يطلب آدم ، فهذا هو البرهان القاطع وأكبر دليل على أن الله كان يشتاق بكل المقاييس أن يصير آدم بالفعل عضواً وجزءاً فيه . لكن ليس أن آدم صار أحمقً وجاهلاً بعدم اتصاله بالله فحسب ، بل إنه بدأ يتمادى في عبادة آلهة غير الله .

فقد كانت مصابيح العذارى الجاهلات  أولاً  بها زيت ، أي أن الله وهبها نعمته لكي تذوقه .. حتى عندما تتذوق نعمته التي أعطاها لها مجاناً تبدأ تسعى وتجاهد بنفسها حتى تحظى بما ذاقته وحتى لا تُحرَم من المتعة والحلاوة التي أذاقها الرب إياها كما فعل الله مع آدم انه أوجده وأعطاه هبة الوجود بعد أن كان عدم وجعله يشعر بشخصه وفتح ذهنه على الهدف من وجوده وهو أن يكون له  ويكون .فيه  ليصير عضواً في الرب ليتمتع كمال المتعة بالله . وهذا هو الزيت الذي كان في المصابيح في أول الأمر والذي كان يمكن أن ينير مصباحه ، لكنه كان زيتاً مؤقتاً أي نعمة مؤقتة لأنها ليست ناتجة عن جهاد هذه النفس . لكن هذه النفس بجهالتها لم تبالي ، وحتى لو لم تخطئ كما فعلت العذارى الجاهلات ، لكن ما الفائدة ؟! فإن العذارى الجاهلات في الحقيقة هن رمز لنفس أفضل بكثير جداً من آدم أيضاً ، وإن كانت هي رمز لآدم يوم أن خُلِقَ فقط ، لكن آدم بدأ يطيع آلهة أخرى وتمادى في عبوديته حتى استوطن بالكامل في الجسد وبدأ يخطئ بل صار الشرّ حاضرٌ عنده فصار في الموت كل حين ، فلم تصير كل حاسة عذراء بعد ، بل صارت كل حاسة في جوع كامل لأن آدم استوطن في الجسد بالكامل فصار واحداً في الجسد الذي بدوره كان في جوع كامل لأن الله خلقه كفجوة لانهاية لها في الاتساع ليمتلئ من الله الغير المحدود ، فعندما لم تمتلئ نفس آدم بالله صارت في فراغ كامل أدى لجوع كامل فبدأ آدم بكل حواسه يسعى لكي يشبع عن طريق طعام أو جسد آخر . فلم يَعُد آدم خمس عذارى لا حكيمات ولا حتى جاهلات ، فهو لم يَعُد نفس عذراء تماماً ، لأن كل حاسة بدأت ترتبط بأشياء كثيرة وليس بشيء واحد ، فصارت كل حاسة كالرجل الذي لا يستطيع أن يضبط نفسه مثل سليمان الذي كان حكيماً لكن بسبب جوعه صار أجهل الجُهَّال فصار في جوع كامل وبدأ يسعى كل يوم أن يُشبِع كل حواسه بكل ما تشتهيه عينيه وكل ما يشتهيه جسده الجائع ، فبدأ يتزوج كلما جاع حتى صار عدد زوجاته 1000 زوجة .

لكن النفس التي يتكلّم عنها الرب استمرت في الصفر أي  كانت عذراء بالفعل  أي استمرت في مكانها ولم تُستَعبَد بعد لأي عبودية أي لم ترتبط أي حاسة من حواسها بأي شيء أي لم ترجع للوراء ولم تتقدم للأمام لتبدأ تُولَد من الروح ، بل ظلّت كفجوات فارغة ونقية أيضاً . ومع هذا أخبرنا الرب أنها نفس جاهلة كما لو ظل آدم ملايين من السنين في الجنة دون أن يكلّم الله حتى لو لم يطلب حواء أو لم يفعل أي شيء يُغضِب الله . لكن :

كون انه لم يعيش الهدف الذي خلقه الله من أجله فهذا في حدّ ذاته في الحقيقة خطية لأنه صار عبداً لمشيئته حتى لو لم يكن ظاهرياً ، لكن لأنه لم يطيع الله فهذا في حدّ ذاته إطاعة لذاته .

وأخبرنا الرب أن هذه النفس مثل النفس المولودة من الماء ، لكن أرانا الرب أن هذا ليس هو الهدف الذي خلقنا من أجله وهو أن لا نصير عبيداً و أن لا نكون مرتبطين بأي شيء ، فهذا ليس هو الهدف . لأن كون أن هذه النفس لم تمتلئ بالله أي لم تُولَد فيه أي توجَد فيه فهي بهذا لا تستحق أن تُوجَد معه هناك إلى الأبد لأنها وإن كانت لم تفعل أي خطية لكنها أيضاً لم تعبد الله لأنها لم تطيعه لأنها لم تعيش الهدف الذي خلقها الله من أجله وهو أن تُوجَد فيه ، إذن ما الفائدة من هذا أي من وجود إناء نقي لكنه فارغ كما كان آدم يوم أن خُلِقَ ومثل باقي الكائنات والحيوانات الأليفة التي لا تفعل الشر ؟! فهل الله خلق الإنسان حتى لا يفعل الشر ؟! كما يظن البعض ويقولون : طالما لا نفعل الحرام أي لا نفعل شر فبهذا سندخل الجنة !!!! إذن .. فأي بنيان نحن حقَّقناه ؟! فهذا ليس هو الهدف الذي خلقنا الله من أجله وهو أن لا نفعل الشر بل سنظلّ عبيد بَطَّالون ، لأنه طالما لم يعيش الإنسان الهدف الذي خلقه الله من اجله فهو لم يبدأ بعد في عبادته حتى لو لم يفعل أي شر أي لو ذهب إنسان للصحراء وعاش هكذا كالحيوانات الأليفة فهو لم يبدأ يعبد الله أيضاً . وهذا تماماً كما أخبرنا الله في كلمته المُحيِيَة : إن فعلتم كل ما أُمِرتُم به فقولوا  إننا عبيد بطالون  (لو17: 10) . وهذا كله لعلنا ندرك أن الهدف ليس أن نُولد من الماء ونصير بلا خطية ، فهذا كان حال العذارى الجاهلات اللواتي كُنَّ رمزاً لنفس لم تكن مرتبطة بأي شيء أي كانت نفس لا تخطئ ، ومع هذا لم يؤهلها هذا النقاء الذي كانت فيه لكي تُوجَد مع الرب ، لأنها لم تحقق الهدف الذي أوجدنا الله من أجله .

فكون أن أي إنسان لم يعيش الهدف الذي خلقه الله من أجله فهو لا يعبد الله لأنه لم يطيعه . فإن قضية الخطية سواء تُرفَع أَم لا فهذه أمور تابعة للمشكلة و العبودية التي وقعنا فيها وليس لها علاقة بالهدف الذي نحن بصدد تحقيقه ، مثل رفع الماء من القارب الذي انفتحت فيه ثغرات حتى يتمكن الابن أن يسِدّ الثغرات ، فهذا العمل خطوة في الطريق ولكن لا علاقة له بالهدف وهو الوصول للميناء ، بل هو خطوة أوَّلِية تساعد فقط الوسيلة وليست تساعد في الهدف حتى ، أي هي تساعد في تمكين الابن من سدّ الثغرات الذي هو الوسيلة الوحيدة لكي يقدر أن يسير في الماء حتى يصل للهدف . هكذا رفْع خطايانا ليس حتى وسيلة للوجود في الله ، بل هو خطوة مساعِدَة للوسيلة وهي أن نصير أنقياء ونعود لصورة آدم الأول ، وهذا ليس هدفاً على الإطلاق بل خطوة أوَّلِية ومرحلة أولى لابد من إتمامها فهي الوسيلة للوصول للهدف الحقيقي . ورفع الخطية خطوة لتحقيق هذه الوسيلة ، أي رفع الخطية وتنقية النفس هو خطوة حتى يعود الإنسان نقياً وحُراً ليس مُستَعبَد بعد حتى يستطيع أن يبدأ العمل الذي خلق الله الإنسان من أجله وهو أن يولَد من روح الله أي يبدأ يوجَد في الله ليبدأ يصير الله هو رأسه ومصدر حياته ليصير عضواً وجزءاً من الله وشريك في طبيعته الإلهية .

فأرانا الرب أن العذارى الجاهلات كُنَّ عذارى بالفعل ، والله لا ينطِق إلا بالحق المطلق . فإن الله عندما يقول كلمة فهي تعني معنى هذه الكلمة بكل المقاييس ، فكَوْن أن هذه النفوس كُنَّ عذارى معناه أنهن كُنَّ عذارى بالفعل أي إنسان بكل حواسه الخمسة غير مرتبطة بأي شيء من العالم . وكثيرون عاشوا وماتوا ولم تنفتح أعينهم على معنى هذا المثل ، فكل ما فهمه الكثيرون عن هذا المثل هو أهمية الاستعداد ، واعتقدوا أن الرب يحثَّهم على الاستعداد فقط ، ولم يتعمَّقوا في فهم كَمّ الرموز التي ذكرها الرب عن أن هؤلاء كُنَّ بالفعل عذارى ، ولكن كون أنهن لم يمتلئن من روح الله فلم تنفتح بصيرتهن لذلك ظللن عميان ، فلم يُدرِكن أن الزيت هو  جهاد النفس  وليس شيئاً مادياً يمكن شراؤه من باعة ، وبسبب عدم البصيرة أيضاً لعدم وجود الروح التي تفحص كل شيء توهّموا أنهن لهن الحق في أن يكونوا مع الرب طالما لم يخطئن ، لهذا عندما جاء وقتَهُنَّ قُلنَ للرب : افتح لنا . فعدم وجود روح الله في الإنسان يجعل الإنسان أعمى لا يدري ولا يفحص أي شيء . فليس أنهن صِرن غير مستحقات للوجود مع الله بل إنه لا ينفع أن يوجدن معه لأنهن لم يتدربن على أن يصير الله مصدر حياتهن . فلماذا يوجَدوا معه وهن لم يصِرنَ أجزاء منه ؟!! فالقضية ليست استحقاق أو عدم استحقاق ، ولكن الأمر متوقف على  الطبيعة  التي صار فيها الإنسان نتيجة اختياره ثم جهاده . فالذي وُجِدَ في الله لأنه وُلِدَ من الروح فسيكون من الأمر الطبيعي انه صار جزءاً من الله فلا يمكن إذن أن ينفصل عنه ، فالذي سيجلس مع الله إلى الأبد وفي حضرته هو الذي صار جزءاً منه . فسيكون من الأمر الطبيعي انه لا يمكن أن يُحرَم من الله لأنه صار بالفعل جزءاً منه ، فكيف سينفصل عن الله إلى الأبد ؟!!! فلا يمكن أن يُستَقطَع جزء من الإله أو ينفصل جزء أو عضو منه . فالقضية ليست أن الإنسان صار مستحقاً للوجود مع الله بل انه صار من الأمر الطبيعي أن يظل العضو في الكيان المستوطن فيه .

 فلنستيقظ  على الحق ونرى كيف يصير الحق وكيف نكون في الحق . فإن المسيح أخبر هؤلاء العذارى أي هذه النفس أنها  لا تعرفه  عندما قال "إني لا أعرفكن" ( مت25: 12) وهذا لأن هذه النفس لم تتصل به في الفرصة التي أُعطِيَت لها لهذا كانت النتيجة أنها لم تتعرف على الله أي لم تعرفه . وقد أعطى الله هذه النفس فرص كثيرة : فإن أول فرصة لها انه أعطاها زيتاً مجاناً في بادئ الأمر ، وهو نعمته التي يهِبها لكل نفس حتى يجذبها مثل الخمر الذي سقتا ابنتا لوط إياه لكي ينجبا منه ، لكن هذه النفس لم تفهم أن الرب كان يريدها أن تجاهد حتى تمتلئ بروحه على الدوام . وثاني فرصة : أن الرب أوجد هذه النفس مع نفوس أخرى حكيمة وهي العذارى الحكيمات حتى تكون هناك قدوة مرئية لها مثل سير القديسين الذين نعرفهم ، لكنها لم تتمثل بهم . الفرصة الثالثة : أن الرب بدأ يوقِظها ويبكِّتها عندما قال الرب "ففي نصف الليل صار صراخ هوذا العريس مُقْبِل" (مت25: 6) ومع ذلك لم تسأل هذه النفس العذارى الحكيمات كيف تحصل على الزيت ، بل بكل جهل استمرت في جهلها وطلب من الحكيمات أن تعطيها من زيتهن ، وجهاد الإنسان لا يمكن أن يُعطى لإنسان آخر ، وبهذا أوضح لنا الرب كم أن عدم امتلاء هذه النفس الجاهلة بروح الله جعلها ليس لها دراية حتى بهذا الأمر كما يطلب إنسان من قديس أن يصلي من أجله ويتوهّم انه سيصير في سلام في الأبدية وسيحصل على ما يريده لأن هناك قديس طلب شفاعته وطلب صلاته وهو لا يدري أن الصلاة هي صلة بين النفس والله يكون نتيجتها امتلاء من روح الله وليست هي عمل أو مهمة يمكن أن يتممها لنا إنسان آخر .

فأرانا الرب كَم كانت هذه النفس حمقاء بالفعل ، بل و عندما قال الرب "أخيراً جاءت بقية العذارى" (مت25: 11) أي جاء وقت انتقالهن ، كانوا في وهم أيضاً أنهن من حقهن الدخول مع الرب لكونهن لم يفعلن الشرور ولم يرتبطوا بأي شيء من العالم مثل أهل العالم الذين في جوع كامل ومرتبطين بكل حاسة من حواسهم : بجسد أو بمال أو بطعام. ، وهذا لعدم امتلائهن من الروح التي وحدها تجعل الإنسان يفحص ويدرك الأمر . وإن لم يخطئ هؤلاء العذارى لعدم وجودهن تحت عبودية لأنهم لم يكنَّ مرتبطات بأي شيء و لَسْنَ في جوع لأي شيء ، ومع ذلك أرانا الرب أن هذا لا يكفي أي أن كون النفس غير مرتبطة تماماً بأي شيء من العالم و أن هذه النفس كالعذراء ، لكن ليس هذا كافياً للوجود مع الله لأن هذا لا يجعل الإنسان عضواً في الله ، لأن كون أن هناك إناء نقي جداً لكنه فارغ لا يمكن أن ندعوه ممتلئ لأنه فارغ ، فكون أنه نظيف لا يجعله ممتلئ بل كان مهيئاً للامتلاء ، لكن بسبب حماقة هذه النفس وعدم جهادها لم تمتلئ من روح الله مع أن هذا كان سهلاً جداً كما كان آدم يوم أن خُلِقَ قبل أن يُستَعبَد تحت نير أي عبودية كان سهلاً جداً أن يولَد من روح الله أي يمتلئ منه . لكن عدم سعي هذه النفس جعل الله يصفها بالحماقة والجهالة . أي أن وصول الإنسان لصورة آدم الأول [وهي صورة إنسان مولود من الماء أي ليس تحت أي عبودية أي لا يخطئ ونفسه كالعذراء أي أن كل حاسة فيه غير مرتبطة بأي شيء في العالم أي غير مستوطنة في الجسد أو في أي شيء وفي منتهى النقاء] فهذا لا يجعله يكون مع الله لأنه لم يوجَد فيه بل كان هذا مرحلة كان قد أتممها وكان عليه أن يُكمِل الطريق ويجاهد لكي يمتلئ من الله ، لكنهه لم يسعى أن يجاهد لأنه لم يسأل حتى كيف يأتي الزيت لأنه لم يريد .

أليس هذا هو ما أخبرنا به الرب أن هذه النفس التي كالعذارى الجاهلات هي نفس بطالة حتى لو لم تفعل أي شر لكنها كانت  مائتة  أيضاً لأنها لم تمتلئ بروح الله الذي هو أصل الحياة الوحيد والوجود الحقيقي ، لهذا فهي نفس لم تبدأ فيها حياة ولم يبدأ لها وجود حقيقي أو ولادة حقيقية طالما لم تُولَد من الله أي لم توجَد فيه بعد ، فهي إذن لم تتصل به لهذا فهي لم تعرفه ، وطالما لم توجَد فيها حياة فهي مائتة .

فلنستيقظ ونحكم على أنفسنا ونعرف أين نحن ونعرف أيضاً إذا جاء العريس اليوم أين سنكون . فهل تحررنا تماماً من العبودية التي نحن وُلِدنا بها ويكون الدليل أننا صرنا لا نخطئ بعد ، أَم نحن مازلنا نخطئ وهذا يؤكد أننا مازلنا مُستَعبَدين . إذن .. فلنستيقظ لأن كلمة الله هي السراج الذي لابد أن نرفعه ونضعه على المكيال لنرى الطريق حتى نسير فيه ونعرف كل سبله وطرقه ونعرفكل الوسائل والوسائط التي تُسرِع بالوصول لله حتى نتحرر أولاً ونُولَد من الماء

 لكن ليس لكي نظل العذارى الجاهلات  بل حتى نكمِل طريقنا لنُولَد منه حتى نُوجَد فيه . وبهذا سيكون من الأمر الطبيعي بعد أن صرنا أعضاء فيه أننا لا يمكن أن نُحرَم منه هناك إلى الأبد . فلنضع أمامنا كلام الله الذي هو المرآة حتى لا ننخدع ونُسبى للباطل وحتى نستيقظ لأن الرب أخبرنا:

كلمتي .. كنار يقول الرب .. وكمطرقة تحطّم الصخر  (أر23: 29) .

فلنستيقظ على  الهدف  الذي من أجله أعطانا هذا الوجود ، ونسأل أنفسنا : هل صرنا نعرف الله وهل صار الله أبونا بالحقيقة ؟! أي  هل صار شخص الله حقيقة في حياتنا  مثل أبونا الجسدي وكل أصدقائنا ؟! أي هل نشعر به ونشعر بوجوده كحقيقة بالفعل .

فيجب أن نعرف أن هذا لا يمكن أن يحدث طالما نحن مازلنا تحت عبودية الجسد ولم نبدأ بعد في الطريق لأننا سنكون مازلنا في عداوة لله ، لكن إذا بدأ الإنسان فقط في الطريق وفي التوقف عن طاعة الجسد سيبدأ روح الله يوجَد فينا ، فحينئذٍ في هذه الحالة فقط سنستطيع أن نشعر بوجود الله لأن الروح فقط هي التي تستطيع أن تفحص وتشعر بوجود شخص الله كما أخبر الرب السامرية بهذه الحقيقة عندما قال لها : الله روح والذين يريدون أن يسجدوا له ويعبدوه بالحق  فبالروح والحق  ينبغي لهم لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له (يو4: 23و24) . لأنه لا يقدر أحد أن يدرك روح الله إلا بروح الله نفسه كالجذر الذي بواسطة الماء خرج من البذرة عندما دُفِنَت فاستطاعت البذرة بهذا الجذر الذي أخرجه الماء أن تتصل بالماء لأنه خرج بواسطته .. هكذا بروح الله فقط نقدر أن نشعر بالله و أيضاً نقدر أن نعرفه ، ونبدأ حينئذٍ أن نمتلئ منه أي نُولَد ونُوجَد فيه ونصير أعضاؤه .. حتى عندما نذهب إليه لا يمكن أن ننفصل عنه إلى الأبد .

ولا ننسى دائماً أنه في السماء لا يوجَد سوى الله وحده ولا يوجد أي عمل يدوي أو عمل ذهني : فمَن لم يصير الله هو حياته كما فعل كل آباؤنا القديسون ومَن لم يتدرّب على حياة السماء التي هي وحدها الحياة الحقيقية التي خلقنا الله من أجلها وهي  أن نعيش لله وحده  فكيف يعتقد انه يمكن أن يصير مع الله هناك ؟!! هل نعتقد أننا الآن نعيش حسب العالم ثم عندما نذهب إلى الله ستبدأ تتغير طبيعة حياتنا ، أو أن الله سوف يدرِّبنا هناك على أن نعيش له هو وكيف يكون هو مصدر حياتنا وشبع عقلنا وشبع أرواحنا وشبع قلوبنا ؟!! فأين هذا مكتوب في الكتاب المقدس ؟!! فقد علّمنا الرب أن مشيئته هي أن نعيش كما في السماء من هنا على الأرض ، فلو لم نعيش من الآن كما في السماء فلا نقدر أن نكون معه هناك لأن حياة السماء وهي الحياة الحقيقة التي خلقنا الله من أجلها تبدأ من هنا ، وحياتنا على الأرض هي الفرصة المُعطاة لنا لكي يقرر كل إنسان أي كيان يريد أن يستوطن فيه حتى لو أراد أي إنسان أن يصير عضواً في الله عليه أن يُظهِر إرادته هذه بجهاده في الطريق الكرب الذي جاء الله بنفسه وعاشه ليعلّمنا إياه حتى يبدأ يمتلئ من الله و حينئذٍ يصير عضواً فيه ويصير الله هو حياته ويقول : لي الحياة هي المسيح . وبهذا عندما يذهب إليه ستكون نتيجة طبيعية انه لا ينفصل عن الله ولا يُحرَم منه لأنه صارت طبيعته تحيا من الله . لكن الذي لم يجاهد الجهاد القانوني والجهاد الكامل والجهاد حتى الدم ليوجَد في الله فهو لم يصير عضواً فيه بعد ولم يصير الله هو حياته ولم تصير طبيعته تحيا من الله ، لذلك لا يمكن أن يكون معه هناك في السماء لأنه لم يُضحِّي بأي شيء لذلك لن يصير أهلاً للوجود مع الله وليس له الفضل في الجلوس معه .

فلنستيقظ على الحق والحقيقة وهو  الهدف  الذي خلقنا الله وأوجدنا من أجله وأعطانا هذا الوجود لكي نسعى إليه وهو أن نعيش له هو فقط ويكون كل القلب وكل الفكر كلياً له أي أن يمتلئ كل القلب والفكر كله من الله لأنهما هياكله التي خلقها لتمتلئ منه حتى يصير الإنسان جزءاً منه . ولا يوجَد أي هدف آخر في هذه الفرصة المُقَدَّمة إلينا من الله وهي الحياة التي نحن فيها إلا لكي يقرر الإنسان ويختار هل يقبَل أن يكون لله ويعيش لله ويوجد فيه ويصير جزءاً منه أَم لا . فالذي قَبِلَ أن يستوطن في الله يُظهِر إرادته هذه بجهاده في التحرر من عبودية الجسد أي الكيان الذي وُلِدَ مستوطناً فيه وإلا سيظلّ يحيا ويتحرك بالجسد الذي سيكون إلهه وبهذا سيظلّ يخطئ وسيظلّ في الموت . وهذا معنى تحذير الرب "إن عِشتُم حسب الجسد فستموتون" (رو8: 13) ، لكن الذي أدرك الحق وهو الهدف الذي وُجِدَ من أجله وهو أن يوجَد في الله ليتمتع به إلى الأبد يبدأ يطلب من الله ليقوِّيه الرب ليتحرر أولاً من عبودية الجسد ليصطبغ بأول صورة وهي صورة الإنسان النقي أي صورة آدم الأول يوم أن خُلِقَ وهذه هي معمودية الماء ، ثم بعد أن يعود الإنسان لصورة آدم الأول يبدأ في الاصطباغ بالصبغة الثانية وهي صورة الله وهذه هي معمودية الروح أي يصطبغ بصورة المسيح ليصير قامة ملء المسيح .

وحياتنا على الأرض ما هي إلا الفترة أي الفرصة المُقدَّمة لكل إنسان حتى إذا أراد أن يعيش الهدف وهو أن يصير في الله ليتمتع به إلى الأبد يبدأ حينئذٍ في هذه الفرصة يجاهد في التحرر من عبوديته أي أن يسير في الطريق الكرب ليصير في الله ويصل للكمال . أي أن هذه الحياة هي فرصة للجهاد فقط للوصول إلى الهدف الذي خلقنا الله من أجله ولا يوجد أي هدف آخر لوجودنا في هذه الحياة إلا أن نختار ثم نجاهد ، لأن هذه الحياة باطلة وستمُرّ كالبخار كما أخبرنا الكتاب "إنما كخيال يتمَشّى الإنسان ، إنما نفخة كل إنسان قد جُعِلْ" (مز39: 6و5) فليس من الحكمة بأي صورة أن نسعى لإتمام أي عمل ونحن سوف نتركه لهذا أخبرنا الكتاب "ولا منفعة لكل عمر الإنسان ولكل عمل يعمله تحت الشمس لأن الكل باطل" (جا2: 11و22، 3: 9، 5: 15و16) لأنه مهما أتمّ الإنسان أي عمل فسوف يتركه فأي حكمة في الجهد الكامل في شيء سوف يتركه ؟! بل ولم يطالبنا الرب بهذا العمل لأن الرب أخبرنا وأوصانا "اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية" بل وأوصانا أيضاً "بِع كل ما لك وتعال اتبعني" وهذا ليؤكد لنا انه لا يوجد أي هدف من وجودنا في هذه الحياة إلا السعي الكامل للوصول إلى أن نصير أعضاء في الله لأنه لهذا خلقنا الله .

ومثل ملك أرسل عبده إلى مدينة ليختبره لمدة ساعات قليلة وأرسله إلى منزل : فماذا سيكون حكمنا لو بدأ هذا العبد يسعى بكل قوة لترتيب هذا المنزل واجتهد اجتهاد كامل في تعميره وتصليح الأرض التي حوله ؟! مع أن الملك أخبره انه سوف يترك هذه المدينة بعد ساعات وأنه لم يرسله لهذا العمل بل أخبره انه أرسله لكي يختبره هل يصلُح أن يكون ابنه ويستحق هذا الشرف .. أَم لا . فماذا نعتقد ماذا كان يجب أن يهتم به هذا العبد ويكون شغله الشاغل ؟! هل في إصلاح المنزل ؟! وبهذا يكون خالف الملك ، وقد أخبره الملك أنه إن لم يطيعه سوف يعاقبه وهذا حتى يحثَّه على أن يعمل العمل الذي أرسله من أجله من شدة محبة الملك لهذا العبد واشتياقه أن يكون ابنه . أَم يهتم هذا العبد بأن يعمل ما أوصاه به الملك حتى يصير ابنه للأبد ؟! فأي حكمة في اهتمام إنسان بشيء وهو يعلم جيداً انه سيترك هذا الشيء ؟! فأين هي عقولنا ؟! فإن أي إنسان [حتى أشرّ الأشرار] يعرف تماماً انه سيموت وسيترك هذا العالم و أي شيء يسعى إليه سيتركه .. إذن .. لماذا يستمر في الانشغال بهذا الشيء الذي يعلم تماماً انه سيتركه ؟! فما إجابة كل إنسان على هذا السؤال ؟! فالذي يكنز ويعرف انه سيترك هذا المال حتى لو تركه لأبنائه ، فأبناؤه أيضاً سيتركونه . والذي يبني وهو يعلم تماماً انه سيموت ويترك الذي بناه .. إذن .. لماذا كل هذا السعي والانشغال وخصوصاً أن الله لم يخلقنا لهذا ، و أيضاً أخبرنا انه يوجد عقاب لمَن لم يطيعه ، و الأهم من كل هذا أن هذا الإنسان سيخسر كل شيء لأنه سيخسر الأبدية . فما إجابة كل إنسان لم يهتم بالأبدية ويسعى بكل قوته سواء لاكتناز أو كسب شهرة وهو يعلم انه سيموت وسيخسر كل شيء ؟! فلا توجَد إجابة سوى أن العبودية التي صرنا فيها لانهاية لسبيها لأن الجوع الذي وُلِدنا فيه لانهاية له والوهم الذي تحت سياقه كل إنسان لا حدود له لأن الفجوات التي لعقلنا وقلبنا وجسدنا لانهاية لها لأنها لم تمتلئ بالله الذي خلقها هكذا لا نهاية لها حتى تمتلئ منه هو الغير محدود . لكن هذا السبي ليس عذراً أمام الله في اليوم الأخير .

فلنحكم على أنفسنا نحن الذين خلقنا الله وأخبرنا بالهدف الذي من أجله نحن في هذه الأيام بل هذه الساعات واللحظات التي ستَعبُر كالبخار و عندما تنتهي الفرصة سوف ينتهي كل شيء كالبخار ، فهل من الحكمة أن يعمل الإنسان لكسب مال أو لامتلاء أراضي أو سمعة أو شهرة وهو بعد لحظات سيترك كل هذا ويخسر التمتع اللانهائي بملك الملوك ؟!!!! فلنحكم على أنفسنا !!!! و إذا كان سبي العبودية ألغى عقولنا ، فلنطلب من الله الذي ترك بابه مفتوحاً وترك لنا أيضاً حرية الإرادة المطلقة [وإلا لما قال الرب "أنت بلا عذر"] لأننا مهما وصلت درجة عبوديتنا وسبينا يمكن لعقلنا أن يدرك أيضاً أننا في عبودية ، فيوجَد جزء من العقل تركه الله غير مُلغى أي غير مسبي وقد تركه الرب هكذا حراً ليكون هو الباب الذي عن طريقه يمكننا أن ندخل في أي وقت أي له الحرية في التضرُّع إلى الله ، وهذا من رحمة الله أن العبودية لم تلغي كل العقل وإلا لهلكنا وكان هلاكنا مريعاً و أيضاً صرنا مثل أي مجنون غير عاقل . لكن الله قد رتّب أن يبقى جزء من العقل يظلّ به الإنسان يدرك حاله ويقدر به أن يقرر : هل يريد أن يتحرر أَم لا ؟! حتى إذا أراد أن يعود لله ويعيش الحق أي الهدف الذي خلقه الله من أجله يصير له القدرة بالعقل الذي وهبه الله إياه حتى يبدأ يطلب من الله بواسطته .

فإن الله ترك باب رحمته مفتوحاً دائماً وهي كنوزه التي لا يستطيع أحد أن يقدِّرها وهي الغنى من روحه ، كيف نترك غِنَى وخلاصاً هذا مقداره ؟!!!!! فإننا في أي لحظة نقف فيها للصلاة أي للاتصال بالله نمتلئ من روحه التي هي الكنز الذي لا يُقدَّر بأي قيمة الذي وهبنا الله إياه وهو روحه أي نفسه التي يقدِّمها الله لنا بكل الفرح بل يسعى أن يعطينا نفسه مجاناً ويحثَّنا بكل قوة لكي نغتني به بل نصير أجزاء فيه . فكيف نظلّ عميان حمقى ونحن يُقَدَّم لنا غِنَى مثل هذا سنظل به في فرح دائم إلى الأبد ، ونحن نرفضه ؟! .. !!!!!!!! فلنحكم على أنفسنا وهو نفس الحكم الذي سنحكم به على إنسان يعيش في مدينة عشرات السنوات وكان في هذه المدينة كنزٌ موجود في مغارة معروف مكانها وقد أخبره إنسان أن بهذه المغارة كنوز لا تُقدَّر بثمن و أن باب المغارة مفتوح دائماً وبمجرد إدخال الإنسان يده في المغارة حتى وهو خارجها ودون أن يتعمَّق للداخل سوف يستطيع أن يقتني ويحصل على كنوز لا تُقدَّر بأي ثمن سواء من ذهب أو أغلى أنواع الحجارة الكريمة التي تبهر الأعين . فما حكمنا على هذا الإنسان الذي عاش عشرات السنوات في هذه المدينة وبجوار هذه المغارة وهو يعبر عليها كل يوم ولم يفكِّر حتى أن ينظر إليها مجرد النظر ، لأنه لو نظر مجرد نظرة داخل المغارة لا يمكنه أن يعبرها دون أن يقتني أي شيء من هذه الكنوز ؟!! فما حكمنا على هذا الإنسان الذي رفض الالتفات حتى للمغارة كل هذه السنوات ؟! فإن الحكم على هذا الإنسان لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما ، وهما :

إما هذا الإنسان أعمى ، أو مجنون . فلو كان عاقلاً لكنه أعمى فإنه لا يستطيع أن ينظر إلى هذه الكنوز ، ولو كان مبصراً لكنه مجنونٌ لما استطاع أيضاً أن يدرك غِنى ما ينتظره .

هكذا نحن قد أخبرنا الرب أن كل إنسان مولود بالجسد هو مجنون أعمى ، لأن الرب واقف ينتظرنا بل ليس هذا فقط بل يقرع على بابنا كل يوم وكل ساعة يريد أن يقدم لنا كنوز لا تساويها الأرض كلها لأنه كنوز ستضمن لنا  الغِنى  إلى أبد الآبدين ، والأهم من كل هذا أنها تضمن لنا  الفرح  الدائم الذي لا نهاية له . ولكننا نرفض أن ننظر حتى لله مجرد نظرة وهو الذي وعدنا "التفتوا إليَّ فتخلُصُوا يا جميع سكان الأرض" ، وقد وعدنا أيضاً "مَن يُقبِل إليَّ لا يجوع .. ومَن يؤمن بي لا يعطش إلى الأبد ، فأنا هو خبز الحياة مَن يأكلني يحيا بي إلى الأبد" . وهذا لأن غباوتنا وحماقتنا وصلت للنهاية ونحن منشغلون انشغالاً كاملاً بأمور وأشياء نحن في يقين كامل أننا سنتركها . فكيف وصل الحال بالإنسان الذي خلقه الله ليكون صورة له شخصياً أن يصل إلى هذه الحماقة ويصل إلى هذه الدرجة التي تجعله يخسر غنى ومتعة لانهاية لها ويسعى بكل إرادته وكل فكره وكل قدرته وكل قلبه أن يهتم بأشياء سوف يتركها و أيضاً أدرك انه سيُعَاقَب عنها إلى الأبد ؟!

فالذي يكنز لنفسه فليسأل نفسه إليَّ أين سيصل ؟! وما نهاية غناه الذي حتى لو مَلَكَ الأرض كلها ، فما نهاية هذا الانشغال والاهتمام .. وهو يدرك انه سيموت وسيترك كل شيء ؟! أَ لم يسمع كلام الله "ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" ؟! والذي يبني يسأل نفسه : ما نهاية اهتمامه ببنائه أو أي عمل يتقنه أو أي دراسات ومشروعات وهو سوف يتركها ؟!! والذي يهتم بأن يكون مشهوراً في هذا العالم فليسأل نفسه : ما نهاية هذه الرغبات ؟! فيخبرنا الكتاب انه : باطل الأباطيل والكل باطل .. أي مثل إنسان يسعى بكل قوَّته أن يقتني ريح أو يقبض عليها (جا1: 2و14) . فلنحكم على هذا الإنسان الذي يفعل هذا لأنه ما المنفعة لكل عمل الإنسان طوال عمره وكل عمل يعمله تحت الشمس لأن النهاية انه سيترك كل شيء غير أن الرب حذّرنا أن مَن لن يطيعه فسوف يتعذّب عذاب أبدي ، وهذا من خوف الرب علينا حتى مَن لم يأتي للرب بالحب يأتي بالخوف ولو في أول الأمر ، وهذا حتى يحِدّ الله الإنسان عن الاستمرار في غباوته لئلا يهلك .

فإن أي إنسان منشغل بأمور هذا العالم الذي سيزول هو مثل إنسان كان يشاهد تمثيلية أو قصة في جهاز التلفزيون وترك كل مشاغله وطعامه ومنزله وعمله واندمج اندماج كامل في قصة أمامه يمثِّلها بعض أشخاص . و عندما يأتي موقف مُحزِن فهو يبكي ويتأثر مع الموقف ، و عندما يأتي موقف مُفرِح يبدأ في الفرح ، و عندما يأتي موقف مخيف يبدأ يتأثر ويخاف مع إدراكه الكامل أن هذه الأمور ليست حقيقية بل أن أشخاص يمثّلون هذه المواقف لكي يأخذوا أجراً على هذا التمثيل . وظلّ هذا الإنسان أياماً وشهوراً بل وسنوات على هذا الحال وهو يشاهد جهاز يعرض أموراً ليست حقيقية وترك كل عمله وشغله واهتماماته ، وحتى الاهتمام بغذائه ، فماذا يكون حكمنا على هذا الإنسان ؟! هكذا نحن في العالم أخبرنا الرب انه  باطل  أي ليس حقيقة وكل الأمور التي فيه سوف تنتهي كما أخبرنا الكتاب و لهذا فهي أمور كالحُلْمْ ستعبر وكالبخار لأنها ليست حقيقية لأن الله هو الشيء الوحيد الحقيقي في هذه الدنيا ، وإنه في ساعة واحدة ستأتي الدينونة ، وفي ساعة واحدة سيخرُب غِنى مثل هذا وسيصرخ كل الجالسين على وجه الأرض في هذه الساعة وسيقولون : ويلٌ .. ويلٌ لنا المدينة العظيمة بابل المدينة القوية التي فيها استغنى جميع الذين لهم سفن في البحر من نفائسها لأنها في ساعة واحدة خربت وجاءت دينونتها ، ورفع ملاك واحد قوي حجراً كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلاً هكذا بدَفعٍ ستُرمَى بابل المدينة العظيمة ولن تُوجَد في ما بعد ، وصوت الضاربين بالقيثارة والمغنين والمزمرين والنافخين بالبوق لن يُسمَع فيك في ما بعد وكل صانع صناعة لن يوجد فيك في ما بعد وصوت رحى لن يُسمَع فيك في ما بعد ، ونور سراج لن يضيء فيك في ما بعد وصوت عريس وعروس لن يُسمَع فيك في ما بعد لأن تجارك كانوا عظماء الأرض إذ بسحرك ضلت جميع الأمم ، وفيها وُجِدَ دم أنبياء و قديسين و جميع من قتل على الأرض (رؤ18).

لكن الأهم من كل هذا أن الله لم يخلقنا لهذا ولم يعطينا هذا الوجود لكي نسعى لأي شيء إلا أن نجاهد أن نصير أعضاء في الله لنصير صورة لله ومثاله كما سار أخنوخ مع الله ووصل لكمال الامتلاء منه فصار كاملاً هو ايليا النبي و يوحنا المعمدان والسيدة العذراء وكل الآباء السواح الذين صاروا صورة لله وقامة ملء المسيح . فلنحكم على هؤلاء ونقارنهم بكل إنسان الآن في العالم وينشغل بالعالم لمدة لحظات : أين سيكون هذا إلى الأبد ؟! وأين سيكون يوحنا المعمدان والسيدة العذراء ؟!

ولا ننسى شيئاً هاماً جداً ويجب أن يضعه كل إنسان نُصبَ عينيه أن نوح وهو رمز للنفس التي استوطنت في الله وصار عضواً فيه لم تدخل الفلك إلا بعد جهاد كامل حتى الدم وجهاد قانوني أي حسب الخطوات التي وصفها له الرب تماماً وحسب وصف الفلك . فهو بدأ يجاهد ليبني هذا الهيكل الذي أدرك انه عند إتمامه بجهاد كامل وبأمانة كاملة وبكل قلبه ستتم له الخلاص بدخوله فيه ، وجاهد مائة عام حتى ينتهي بناء الفلك . فالفلك هو المسيح الذي هو نفسه روح الله الذي بجهادنا يولَد فينا وبجهادنا يكتمل نموُّه فينا وهذا الجهاد هو شِبه موت الرب نفسه أي الخطوات التي عاشها الرب أي حياته التي كانت المثال النموذجي للجهاد الذي بواسطته نتحرر ثم نصير صورة لله بطبيعتنا الجسدية هذه ، وجاء الله الخالق بنفسه وجعل من نفسه إنساناً ليرينا بنفسه كيف يكون هذا الجهاد . ونوح كان يرمز للنفس التي نظرت للرب بدقة والتفتت إليه لتسير وتسلك كما سلك .

فكانت مواصفات بناء الفلك هي الخطوات العملية التي عاشها الرب أي هي بنفس الجهاد الذي جاهده الرب أي الطريقة التي تحررنا من عبوديتنا ، فسلك نوح كما سلك الرب تماماً لهذا كما كان يُبنَى الفلك ويعلو كل يوم ويكتمل بناؤه ، فهذا كان رمزاً لنفس كانت تجاهد بشِبه موت الرب وتسلك كما سلك في التغصُّب في الصوم والصلاة ، ففي اليوم الذي بدأت النفس تصلب فيه جسدها بدأ يولَد روح الله فيها كالبذرة يوم أن دُفِنَت وبدأ يعمل الماء فيها فبدأ يخرج الجذر فيها ، الذي به بدأت الصلة الحقيقية بين البذرة ومصدر حياتها وهو الماء هذا يوم أن بدأ الإنسان في الطريق الحقيقي وهو الطريق القانوني أي أن يجاهد كما جاهد الرب ويسلك مثله تماماً أي بدأ يتوقف عن طاعة وعبادة جسده بصلبه عن أي شيء يهواه بدأ روح الله يوجَد فيه الذي بواسطته  بدأت أول صلة حقيقية بينه وبين الله  . فروح الله الذي بدأ يولَد ويوجد كالجذر الذي بدأ يوجَد في البذرة يوماً بعد يوم بالجهاد في الطريق ينمو روح الله فينا شيئاً فشيئاً كما كان يُبنى الفلك . وفيما الإنسان صالباً لجسده عندما يتناول جسد الرب المائت سيتحد به ويصيرا جسداً واحداً فستنتقل كل خطاياه إلى الرب لأن الرب سيموت عنها لأنه باتحاده بجسد الرب سيكون كأنه هو الذي ميت وسيكون هذا بمثابة استيفاء للعدل الإلهي ، حتى يوماً بعد يوم :  أولاً  .. يتحرر الإنسان من عبوديته لتوقفه عن طاعة جسده وذاته ،  ثانياً  .. سيتنقّى تماماً من خطاياه أي سيُولَد من الماء وسيعود كما كان آدم يوم أن خُلِقَ ،  ثالثاً  سيكون روح الله قد اكتمل نموُّه بجهاده بشِبه موت الرب وبهذا سيبدأ يتغرَّب تماماً عن الجسد الذي كان مستوطناً فيه الذي كان يحيا ويتحرّك به وسيستطيع أن يستوطن في الله أي يبدأ الله يصير هو الرأس له ومصدر الحياة الوحيد كما بعد أن جاهد نوح مئة عام وبنى الفلك استطاع أن يدخل فيه بجهاده الكامل حتى الدم الذي كان من كل قدرته أي جاهد هو بنفس جهاد الرب أي الجهاد القانوني أي مات بشِبه موت الرب لهذا استطاع أن يدخل الفلك فخلُص .

فلولا جهاد نوح مئة عام : هل نعتقد انه كان يمكن أن يدخل الفلك ؟! فلو لم يجاهد نوح الجهاد الكامل مئة عام في بناء الفلك أي إن لم يُبنى الفلك فكيف كان سيدخله ؟! فإن لم يجاهد نوح في بناء الفلك كان لن يكون هناك فلك حتى يدخله فكان سيهلك ؟! هكذا أيضاً لو استمر الإنسان مستوطناُ في الجسد ويحيا حسب الجسد لن يستطيع أن يدخل في الله ويستوطن فيه ويصير عضواً فيه فلن يستفيد من الحياة والفرصة التي أُعطيِت له لأنه لم يحقق الهدف الذي خلقه الله من أجله لهذا مكتوب "إن عِشتُم حسب الجسد ستموتون" . هكذا إن لم نجاهد نحن حتى الدم أي نسلك كما سلك الرب أي نموت بشِبه موت الرب أي نتتبع خطواته لنتحرر من العبودية فلن نستطيع أن نستوطن في الله لنصير أعضاء فيه لأننا لم يبدأ أن يُولَد روح الله فينا لأننا لم نبدأ نصلب جسدنا وسنكون كالبذرة التي لم تُدفَن .. فسنظل عبيد لجسدنا وذاتنا طالما لم نقاومهما طالما استمررنا في طاعتهما ، فلن يبطل جسد الخطية بعد أي لن يموت سلطان واستعباد الجسد علينا فلن تموت العبودية فلن نتحرر بعد . ولن نُولَد بعد من الماء إذن . فلنستيقظ على الحق الذي هو : طالما نحن نطيع جسدنا في أقل شيء ومازلنا نطيع ذاتنا ولم ننكرها بعد فإننا لسنا بعد في المسيح . فلنمتحن أنفسنا بأننا ننظر لوصايا الله كل يوم التي هي المرآة التي توقِظ كل مَن ينظر إليها ويرى هل صار صورة المسيح . فلم يكن الله يحتاج أي جهاد أو أن يعيش مماتاً في الجسد ولا كان يحتاج أن ينمو في الروح ويتقوَّى لأنه هو الإله الخالق ، لكنه أعطانا المثال وهو كالفلك إذا لم يجاهد الإنسان في بنائه [أي في نمو روح الله فيه] لن يستطيع أن يتحرر لهذا لن يستطيع أن يستوطن في الله ويخلُص .

فلنستيقظ دائماً على الهدف الذي خلقنا الله من أجله وهو أن نصير صورة له ومثاله وننظر للمرآة كل يوم وهي صورة الله حتى نعرف هل بالفعل صرنا عبيد لله وأطعناه وحققنا الهدف الذي خلقنا الله من أجله أَم لا . لأن الذي لم يصير عضواً في الله لن يجلس معه إلى الأبد فسيخسر بذلك كل شيء لأنه لا فائدة لهذه الحياة وهذا الوجود في أي شيء إلا إذا جاهدنا لنصير أعضاء في الله فنصير صورة له  وأي عمل إن لم يكن لحساب الأبدية فهو باطل . فلنستيقظ قبل فوات الأوان . والذي يريد .. فليطلب من الله بالحق فسيفتح حينئذٍ الله بصيرته ويعطيه القدرة لأن القضية قضيته لأن دخول الرب هيكله هذا راحة له قبل كل شيء فهو المستفيد الأول من خلاصنا لأننا أَعَدنا له عضواً من أعضائه ، فهو الذي يسعى بكل قوة لخلاصنا ، لأن في الحقيقة خلاصنا هو خلاصه هو نفسه .

فليستيقظ كل مَن يعتقد انه صار ابناً لله أي عضواً في الله أي صار نفس صورة المسيح الذي هو صورة الابن المثالي لله ويسأل نفسه "هل هو لا يخطئ ؟!" لأن المولود من الله لا يخطئ . غير انه طالما الإنسان مازال يصنع مشيئة ذاته في أقل شيء أي لا يصلي كل حين وبلا انقطاع إذن هو مازال عبداً لذاته .. إذن .. مازالت ذاته هي الرأس التي تحرِّكه . فكيف وفيما هو ما يزال يتحرك حسب ذاته وذاته هي الرأس بالنسبة له كيف يعتقد أن الله صار هو رأسه لأن الذي وُلِدَ من الله أي صار عضواً فيه صار الله هو الرأس التي تحرِّكه ومصدر الحياة الذي يحيا به أي يحيا ويتحرَّك ويوجَد بالله .

فليمتحن كل إنسان نفسه : هل هو يحيا ويتحرّك ويوجَد بالله ؟! فالذي صار الله إلهه يطيعه في كل الوصايا : فهل يقدر أن يبيع كل ما له ويصلي بلا انقطاع ؟! والذي صار ابناً لله صار صورة لله أي صورة للمسيح ، فليمتحن الإنسان نفسه : هل هو يشبه المسيح أي هل صار في شبع كامل بالله كما أرانا المسيح وهو بالجسد أنه استطاع بهذا الجسد الترابي المشابه لنا تماماً في كل شيء أن يصوم 40 يوماً بل ويصوم كل أيام حياته ؟! فالذي اعتقد انه ابناً لله فلينظر إلى المرآة ليرى هل هو صار صورة لله لأن الابن يشبه أباه أي : هل صار صورة للمسيح أي نفس قامة ملء المسيح ؟! أَم أننا في خداع ووهم حتى تنتهي حياتنا ونعتقد كالعذارى الجاهلات أننا نستحق أن نظل معه ونقول له هناك "افتح لنا" !!!! فإن العذارى الجاهلات هم نفوس كل حواسهم الخمسة لم تكن مرتبطة أي نفس لم تكن مرتبطة بأي شيء في العالم ومع ذلك طالما هم لم يولَدوا من الله ويصيروا أعضاء فيه ، وإن لم يذهبوا إلى الجحيم إلا أنهم لن يجلسوا معه .  وإن كان هذا الأمر يرفضه الكثيرون ويعتقدوا أن هؤلاء العذارى فقط لم يكونوا مستعدين ، فلنتركهم وننظر لوصايا الله وصورته التي هي المسيح وهو بالجسد الذي هو المرآة التي بها نستيقظ على الحق قبل فوات الأوان .

فالذي يعتقد انه صار ابناً لله ، فالابن يشبه أباه وهذا لو صار عضواً فيه ، والذي صار عضواً في الله لن يُعوِزَه أي شيء من هذا العالم . فهل نحن بالحق صرنا لا يُعوِزنا أي شيء من هذا العالم ؟! أي هل نقدر أن نترك أبانا وأمنا وأولادنا وزوجتنا كما أوصانا الله لأن الله فيه كل شيء ؟!! كما أرانا الله عندما كان بالجسد وهذا حسب وصيته التي قالها "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا تهتموا حتى قائلين ماذا نأكل" ، فهل نحن نطيع الله فقط في هذه الوصية ولنا الإيمان الذي وعد أن الذي يقوت الطيور سوف يقوتنا ولم نسعى حتى أو نهتم بجسدنا ؟!! فلنستيقظ ونكون أمناء مع أنفسنا قبل فوات الأوان . فهل نحن مَن يلطمنا ويضربنا نظلّ نحبه ونُحسِن إليه ونصلي لأجله ؟! لأن الذي سيغضب بأي صورة فإن ذاته لن تكون قد ماتت بعد ، فهو إذن مازال تحت عبودية ذاته أي ذاته هي الرأس التي تحرِّكه : فكيف إذن صار الله هو رأسه التي تحرِّكه ؟! إذن .. ليس هو عضواً في الله ، وطالما مازال يحيا بالجسد والجسد مازال مصدر حياته .. إذن .. فهذا أيضاً أكبر دليل على انه لم يصير ابناً لله لأنه لم يصير عضواً في الله بعد وإلا لكان الله مصدر حياته فكان لا يحتاج لطعام كما أرانا الله وهو بالجسد الذي كان بنفس طبيعتنا الضعيفة ، لكنه أرانا كيف عندما يشبع هذا الجسد بروح الله ويصير عضواً في الله كيف لا يحتاج إلى أي طعام وهذا بإيمان كامل أن الله الذي خلق النبات قادر أن يُحيِي أكثر بما لا يُقَارَن بالنبات الذي خلقه .

فلنستيقظ على  الهدف  أي على الصورة التي خلقنا الله لنكون فيها وعلى  الطريق  الذي يؤدي إلى هذه الصورة وعلى طبيعة كل مَن صار ابناً لله وصورة له حتى لا ننخدع أننا صرنا أبناء لله أي صرنا أعضاء فيه وصورة له ومثاله .  فالمسيح هو ابن الله  أي هو الصورة التي كان يجب أن يكون فيها كل مسيحي لأن كلمة مسيحي تعني مسيح آخر أي إنسان يشبه المسيح الذي هو صورة الله ، فابن الله هو صورة له ومثاله لأن الابن يشبه أباه  والمسيح هو المثال النموذجي لصورة الابن  . فلننظر إلى المسيح أي للمرآة وندقق فيها ونسأل أنفسنا :

هل صرنا صورة للمسيح ؟! أي هل صرنا بنفس طباع المسيح وبنفس قامته الروحية ؟! وبهذا نعرف إن كنا قد صرنا أبناء الله أَم لا .

فالذي يريد أن يصير ابناً لله أي يصير عضواً في الله ليحيا ويتحرّك به أي الذي يريد أن يعيش الهدف الذي خلقه الله من أجله ليضمن أن يتمتع بالله إلى الأبد يبدأ يسير في الطريق الذي يصل به لله . والمسيح هو الطريق أي حياة الله عندما كان بالجسد أي المثال الذي أرانا إياه في جهاده عندما كان مماتاً في الجسد 33 عاماً هو الطريق للوصول للصورة التي خلقنا الله من أجلها وهي الطريقة الوحيدة التي تحررنا : أولاً .. من عبوديتنا ، ثم .. تنقلنا من الموت إلى الحياة . فلا ننسى .. أن الله أوصانا بل وأمرنا أن نكون كاملين وقال  كونوا كاملين  كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل . فهذا الكمال هو كمال الامتلاء من الله كما أوصانا الرب "لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله لتصلوا إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح" .

فلننظر للأمر والقضية بنظرة شاملة بل وعميقة ومن أعلى ارتفاع سنجد أن الله خلقنا لكي يجعلنا في راحة وفرح ومتعة إلى الأبد ، ولكن كان الأمر يحتاج أن يعطينا الحرية في هذا الأمر ، وبحكمة الله الكاملة جعل هذه النعمة والهِبَة لمَن يستحقها وكان لابد أن يبرهن الإنسان على استحقاقه لهذه العطية بجهاد كامل ليستحق العطية الكاملة الغِنَى والكاملة القيمة هذه وهي أن نصير أجزاء بالفعل في الإله خالق الطبيعة وأن نتمتع به تمتع كامل إلى المنتهى ، وحياتنا هذه هي الفرصة المُعطاة لنا لكي يقرر كل إنسان ويحدد مصيره الأبدي اللانهائي .

فلننظر ونحكم في هذا الأمر ، فإن الفرصة المُعطاة لنا ما هي إلا لحظات كالبخار الطائر والحياة الأبدية حياة لا تنتهي . فلنحكم في الأمر بالحق ونرى كمْ يكون قيمة التمتع بالله إلى الأبد في نظرنا بالنسبة إلى اللحظات التي نحن نحياها في هذه الحياة ، وحتى لو كان الجهاد الذي حسب حكمة الله الكاملة جهاداً كاملاً لكنه في لحظات وثواني . ألا يستحق هذا الجهاد من أجل الحصول على المتعة الكاملة والفرح الكامل وحياة لا تنتهي إلى الأبد ؟! فلنحكم على أنفسنا إن لم نُقَدِّر هذا الأمر أي

إن لم نُقَدِّر المصير الأبدي اللانهائي  ولم نهتم به .....: فما هو حكمنا على أنفسنا

 

إن رفضنا الجهاد لمدة لحظات من أجل الحصول على حياة فرح كامل لحياة لا تنتهي ؟!

فإن يوسف الرامي يرمز للنفس التي أرادت أن تصير عضواً في الله لهذا أدركت أنها لابد أولاً أن تتحرر من عبوديتها وهذا بالتوقف عن طاعة وعبودية جسدها وهذا بأن تسير الطريق الكرب أي أن تموت بشِبه موت الرب ، وفيما هي صالبة جسدها يمكنها أن تتحد بشِبه موته أي أن  تُدخِل جسد المسيح المائت في جسدها المائت لتصير معه وفيه جسداً واحداً .

لهذا فإن  القبر  كان يرمز لجسد هذه النفس الذي كان مائتاً ، وكان  القبر  منحوتاً في الصخر (مر15: 46) وهو يرمز لجسد إنسان صُلِبَ وجاهد جهاد حتى الدم ، وجهاده كان كالنحت في الصخر ليتشكَّل بصورة جديدة حتى يصير فيه تجويف أي مكان كالقبر يمكن أن يسكن فيه الرب حتى  يقوم فيه وبه . فالجهاد الذي بشِبه موت الرب شبَّهه الرب بالعمل الذي عمله يوسف الرامي وهو النحت في الصخر ليصير فيه مكان ليصير كالقبر  مكاناً مهيئاً  لسُكنَى الله فيه هكذا عندما يجاهد الإنسان في قمع الجسد وصلبه وإفنائه يبطل جسد الخطية و العبودية ، فعندما يتناول جسد الرب

سيصير هيكل جسده مهيأ لسكنى الله الذي هو الرب المائت فيه لأنه صار  كالقبر  ، وباستمرار جهاده الثلاثة أيام وهي الإرادة والجهاد والانفصال التام عن العالم .. فبعدها سيقوم الرب فينا .

وإن جاء العالم كله وملوكه ووضعوا حجراً على قبرنا أي حاولوا منع هذه النفس أن تعبر هذه المرحلة ، فأرانا الرب انه قام والحجر مازال موضوعاً فهو لم يرفعه مع انه كليّ القدرة ، بل لأنه هو الإله العظيم والعجيب في أعماله قام والحجر مازال على فم القبر حتى يؤكد لنا انه سيقوم فينا على الرغم من كل محاولات العالم لعرقلة مسيرتنا ، فإن مقاومة العالم ليست شيئاً .

 فالقبر  .. هو إنسان مازال بالجسد بدأ يصلبه فتناول من جسد الرب المصلوب وأدخله جسده [أي قبره] ليقوم مع الرب ويقيمه معه .

 يوسف الرامي  .. هو النفس التي أرادت أن يقوم المسيح فيها ولم تبالي بأي شيء مهما قاومها العالم كله وحاول منعها من أن يقوم الرب فيها ، وسمح الرب بهذا حتى يؤكد لها انه يستطيع كل شيء ولو قاومها ملوك العالم كله سيقوم أيضاً فيها ،. فبعد الصليب [أي صلب الإنسان لجسده باستمرار يوماً بعد يوم] واتحاد النفس بالرب "أنا هو القيامة والحياة مَن آمن بي ولو مات فسيحيا" . فلقب هذه النفس هو يوسف الرامي أي  المرتفع  ، فهي نفس قد ارتفعت بالفعل فوق الأمور الأرضية ، ويوسف تعني الله يزيد . فإن كنا متحدين مع الرب بشِبه موته سنصير أيضاً في قيامته ، وباستمرار المسيح في القبر أي في جسد هذه النفس أي عبورها الثلاثة أيام وهي الإرادة والتوبة [الجهاد] والانفصال عن العالم ، بعد ذلك يقوم الرب بعد موت الجسد تماماً وصلبه ومكتوب أن يوسف وضع الرب في  قبره الجديد  لم يُوضَع فيه أحد (لو23: 53) ، كالجحش المربوط عند باب المدينة لم يجلس عليه (مر11: 2) فهي نفس رفضت أن يسكن جسدها أي إنسان وانتظرت حتى يدخلها المسيح ليقيمها معه ، وهذا القبر كان قريباً من مكان الصلب وقد نحته في الصخر (مت27: 60) وهذا رمز لجهاد الإنسان بأقصى ما يمكنه وقاوم جسده حتى الدم وكأنه نحت في الصخر .

وأما الحجر الكبير الذي على باب القبر فهو مقاومة رئيس العالم و العالم معه لمنع قيام هذا الإنسان ، أما هذه النفس فقد دحرجت الحجر حتى لا يقدر أحد أن يخرِج الرب الذي أدخلته في نفسها بموتها عن العالم وهروبها منه ، وبكل قوة قاومت العالم لأنها اقتنت اللؤلؤة الكثيرة الثمن التي اكتشفتها في بحر العالم المظلم .

فصار يوسف الرامي  مثالاً  للنفس القدوة التي قَبِلَت أن تُصلَب مع الرب وأن يسكن في جسدها المصلوب وعرفت أنها لابد أن تكون كالقبر لهذا مكتوب :

 وتبعته  نساء كن قد أتين معه من الجليل  ونظرن القبر وكيف وُضِعَ جسده (لو23: 55)

أي صار قدوة كما قال الكتاب "انظروا إلى نهاية سيرتهم وتمثَّلوا بإيمانهم" ، فصار يوسف وأعماله قدوة تنظر إليها النفوس التي تطلب الرب لتعرف كيف تذهب للرب بدفن وصلب نفسها وكيف تدفن الرب في جسدها .

وكان القبر في بستان (يو19: 41) ، أي أن كل نفس كانت بالجسد ميتة جعل لها الرب أن تكون جنة مغلقة يسكنها الرب ولكن فقط إن صُلِبَت معه وماتت معه .

وكان مع يوسف الرامي  نيقوديموس  ويعني  المنتصر على الناس  وهو الذي لم يبالي بالكهنة ولم يهتم . فكان نيقوديموس رمز للراعي والمعلّم الذي كان ملازماً يوسف الرامي وهو هذه النفس لأن هذا الراعي قد تعلّم من الله عندما جاء إليه ليلاً (يو3: 2) أي اتصل بالله في الخفاء ولم يهمه الكهنة لكنه كان يريد أن يعرف الرب بالحق لذلك صمم أن يقابل الرب ، و هكذا ذكره الكتاب انه هو "الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً" (يو19: 39) . وعندما تعلّم صار نموذجاً للراعي الصالح الذي علَّم أيضاً يوسف الرامي . فنيقوديموس معناه المنتصر على الشعب لأنه بالفعل مع انه كان وسط شيوخ اليهود لكنه تعلّم بالحق من الرب ولم يبالي برؤساء الكهنة بل جاء بمئة منا كما هو مكتوب "و هو حامل مزيج مرّ وعود نحو مئة منا" (يو19: 39) أي بجهاد كامل حتى صار رائحة المسيح نفسه ، فالمرّ هو أحد هدايا المجوس وهي التقدمة التي يريد الرب من كل نفس تقديمها له فأخذا جسد يسوع ولفَّاه .

أخبرني الرب أن .. ..  الطريق إلى الكمال  

وهو الخطوات التي يسيرها أي إنسان مولود تحت ناموس جسده وأراد أن يعود في الله ، وهو الطريق للامتلاء كل الملء من الله لنصير في النهاية صورة لله ومثاله كما أرانا هو بنفسه عندما كان في الجسد وكان في صورة إنسان :

(1) أن الله خلق الإنسان ليمتِّعه كمال المتعة و إلى الأبد ، فكان كل هدفه أن يصير الإنسان عضواً فيه ليتحقق هذا الغرض .

(2) كان لابد لله كليّ الحكمة أن يعطي الإنسان مطلق الحرية في أن يختار أي كيان يستوطن فيه ، فوضعه في البدء في هيكل جسدي ترابي ليكون مكان مؤقت له .

(3) ولكي يصير الإنسان عضواً في الله خلقه الله بطبيعة كالعضو أي يحتاج إلى كيان ليستوطن فيه ليحيا ويتحرّك به .

(4) اختار الإنسان الأول أن يستوطن في الجسد لأنه أطاع ذاته وجسده ولم يطيع الله ، ففي الحال استوطن في جسده .

(5) فصار الإنسان يحيا ويتحرّك ويوجد بالجسد ، فصار مُستَعبَد بالكامل له فصار لا يقدر أن يطيع الله ، فصارت كل أعماله خطية .

(6) كانت عدالة الله تقتضي أن يموت الإنسان ، لأن عقوبة كل خطية هي الموت لأنه في كل مرة يخطئ لا يستحق الوجود لأنه لا يحيا لله.

(7) وجد الله أن هناك نفوس تريد أن توجَد وتستوطن فيه ، فلكي يستوفي عدله الإلهي .. كان كل إنسان يحتاج إلى أمرين : أولهما .. أن يموت إنسان عنه في كل خطية ، ثانياً .. يحتاج إلى إنسان يعلّمه كيف يتحرر من عبوديته .

(8) فتجسد الله حتى يعلّمنا بنفسه أن التوقف عن طاعة الجسد في أي شيء يهواه هو الذي يبطل سلطان عبودية الجسد علينا ثم مات على الصليب حتى كل مَن بدأ يصلب جسده يتحد به ويصيرا جسداً واحداً فيكون الرب حينئذٍ مائتاً عنه .

(9) وباستمرار الإنسان الذي يريد العودة في الله متوقفاً عن طاعة جسده سيبطل جسد الخطية وسيتحرر من عبوديته ، و يوماً بعد يوم ستنتقل كل خطاياه لله وسيعود إلى صورة آدم أي سيصير نقياً وبهذا يكون قد  وُلِدَ من الماء .

(10) وباستمرار اتصال الإنسان بالله سيبدأ يصير عضواً فيه أي سيبدأ  يولَد من الروح  وسيبدأ الله يسوقه لأنه صار هو عقله ومصدر حياته .

(11) و يوماً بعد يوم باستمرار الصلاة والاتصال بالله سيمتلئ الإنسان كل الملء من الله حتى يصل إلى قياس قامة ملء المسيح .

أنا هو الطريق .. والحق .. والحياة

فالتفتوا إليَّ .. فتخلُصُوا .. يا جميع أقاصي المسكونة

فتعلّموا مني .. لأني أعطيتكم مثالاً .. فكما صنعت أنا .. و كما سلكتُ أنا .. تصنعون انتم أيضاً

فكونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل

فمَن يريد فيأتِ ليأخذ ماء حياة مجاناً

ومَن له أذنان للسمع فليسمع

فنحن نحتاج أن نستيقظ على حالنا لأن الحقيقة ونحتاج أن نعرف الصورة التي يطلب الله أن نكون فيها وهي الهدف الذي خلقنا الله من أجله ونحتاج أن نعرف الطريق الذي يصل بنا إلى هذه الصورة .

 

فلنستيقظ ماذا بعد هذه الحياة .. فلا يوجد هناك سوى الله !! فهل صار الله لنا الحياة حتى نعتقد أننا نقدر أن نظل معه .. أم لا ؟! فقد جاء الله بنفسه ليعلّمنا كيف نجاهد لنصل إلى الصورة التي أرادنا أن نكون فيها ، وأرانا هذه الصورة التي هي صورة الله في إنسان . ولكل إنسان أن يختار ماذا يريد ، لكن عليه أن يدرك الهدف الذي من أجله هو الآن في هذه الحياة وإلا سيخسر كل شيء . فليسأل الله قبل أن يذهب إليه ويسأله أن يفتح ذهنه على الحق وعلى المكتوب الذي هو أيضاً الحق . وليتنا نتذكَّر نصيحة الرب وتحذيره لنا ونضعه أمامنا دائماً الذي أوصانا فيه وقال :

احترزوا لأنفسكم .. لئلا تثقل قلوبكم في خمر .. وسكر .. وهموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتةً ، لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض ، فاسهروا إذاً وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا أهلا للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون .. وتقفوا قدام ابن الإنسان (لو21: 34و35) .

 
.. فمَن يريد فليقل تعال ومَن يعطش فليأتِ ومَن يريد فليأخذ ماء حياة مجاناً ..

ومَن له أذنان للسمع فليسمع .

 

إن كنا قد متنا معه .. فسنحيا أيضاً معه

إن كنا قد صرنا متحدين معه بشِبه موته سنصير أيضاً في قيامته

إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه لكي يُبطَل جسد الخطية كي لا نعود نُستَعبَد أيضاً منه .الذهاب لأعلى الصفحة

 


 

إذا أردت مراسلة أسرة الموقع للحصول على مواضيع أو رسائل أخرى أرسلها الرب إلى هذا الإنسان يمكنك المراسلة على العنوان التالي

way2truelife@gmail.com

 

 

التحكم في الصوت

 

الصفحة الرئيسـية المعـجـزة
خاتمة الطريق