أسئلة سألني إياها الله لكي يجعلني أدرك أنني لم أكن أعرف الحق

سألني الرب : لماذا خلق الله الإنسان ..؟ ماذا كانت صورة آدم أولاً؟ وكيف تغيَّرت .. أي ما معنى انفتحت أعينهما؟ و لماذا سقط آدم؟! و لماذا طرده الله ؟! هل لأن آدم لم يطيع الله فسقط أي تغيَّرت صورته و طبيعته؟! إذن لماذا لم يطيع آدم الله .. كيف لم يبالي بموته [أي لم يخاف من موته] عندما حذّره الرب انه سيموت موتاً لو أكل من الثمرة ؟! فماذا بعد موت الإنسان ؟! أي ما هو الشيء الذي يهتم به الإنسان ويهمه أكثر من حياته و ماذا ينتظر آدم بعد موته ؟!

فهناك احتمالان لا ثالث لهما في عدم إطاعة آدم لله : إما أن آدم لم يصدق الله في أنه سيموت بالفعل ، أو أنه كان يعرف أن الله جادٌ في كلامه أي أدرك أنه سيموت وحدث شيء لعقله جعله كأنه فاقد الوعي في وقت أكله من الثمرة لأنه لا يمكن لإنسان أن يكون متأكد من موته عندما يعمل شيئاً ومع ذلك يفعل هذا الشيء بنفسه وهو بكامل وعيه ، لأنه لا يمكن لإنسان عاقل انه يريد أن يموت !!! فماذا ينتظر بعد موته؟! إذن كيف لإنسان يعرف أنه سيموت عندما يفعل شيئاً ما .. ومع ذلك يفعل هذا الشيء؟! فلو ظهر الله لإنسان يسير في طريق وأخبره انه في نهاية هذا الطريق بركان مهلك ومع ذلك أكمل هذا الإنسان سيره في هذا الطريق ..!! فما هو هذا  السِرّ  في عدم مبالاة هذا الإنسان وعدم خوفه؟! فالاحتمال الأول إن هذا الإنسان لم يصدق الله أو الاحتمال الثاني أن عقله قد سُبِيَ وكأنه لم يفهم الله أو كأن هناك قوة خفية تحرِّكه وتسبيه سبياً حتى لم يعُد لهذا الإنسان أي رأي أو مشيئة . فما هو السرّ في أن آدم بعد تحذير الله له بأنه سيموت لو أكل من الثمرة ، ومع ذلك يقول الكتاب أن حواء أكلت وأعطت رجلها فأكل معها أي بدون أن تتفوَّه حواء له بأي كلمة صار رهن إشارتها إلى هذا الحدّ ولم يبالي بموته ولم يخاف أيضاً . فكيف صار آدم لا رأي له ولا مشيئة بل ولا يشعر ولا يحسّ ولا يخاف حتى من موته ولا يعرف ماذا يفعل ؟!!!!!!

و ماذا كان يقصد الله في قوله "موتاً تموت" ؟! هل كان يقصد أن آدم سيموت فيما بعد ، أَمْ أن شيئاً مات فيه ؟! أي ماذا حدث لآدم من تغيير بعدما أكل الثمرة ؟! أي ما هو الطريق الذي كان سيصل بآدم للصورة التي خلقه الله ليصير فيها ؟! وهل كان يمكن لآدم الوصول للكمال بدون ناموس أو وصية أَمْ لأن الله لم يخبره عن الهدف الذي خلقه من أجله لم يعرف آدم أن يصل لله ؟! فهل الله مذنب إذن .. أي هو السبب في عدم وصول آدم إليه لأن الكتاب لم يذكر أن الله أخبره بالهدف أو طلب منه أي شيء غير وصية واحدة وهي عدم الأكل من الثمرة ؟! فهل في جوهر هذه الوصية خطوات الطريق لله ؟! أَمْ ما هدف هذه الوصية ؟! هل كان يقصد الله إنه يصير الإله المهيمن الذي يأمر حتى يخافه آدم أَمْ كان في الثمرة شيئاً كأن الله يخاف على آدم لو أكل منها أنه سيموت أي هل الثمرة كانت ثمرة عادية ؟! فهل مجرد عدم إطاعة آدم لله يتكلَّف الأمر كل ما حدث .. أي أن يصير آدم تحت ناموس وعبودية وتصير أيضاً كل البشرية في عبودية مريرة للجسد والذات ويحتاج الأمر جهاد مرير في طريق كرب وجهاد حتى الدم وربما بعد كل هذا الجهاد طوال عشرات السنوات لا يعود الإنسان لصورة آدم الأول ..!! ويتكلف الأمر أيضاً أن يتجسد الله ليموت ويُوفِي العدل الإلهي ؟! فهل مجرد عدم إطاعة إنسان لله يحدث كل هذا التغيير الذي حدث في آدم؟!! فما هو هذا التغيير الذي طرأ على آدم ؟! و لماذا حدث هذا التغيير وما هو هدف الله من تحذير آدم ؟! و لماذا لم يشرح الله لآدم كل هذه الأمور لو كان الله بالفعل يحب آدم ؟!!!! فهل من حكمة الله أن لا يتكلم بأي صورة ؟! وهل كان الله قد فتح ذهن آدم على كل هذه الأمور وعاقبة فعل آدم .

لأن هذا الأمر عجيب جداً : كيف بعد كل هذه الترتيبات التي أعدها الله للإنسان قبل أن يخلقه وبعد ذلك لا يسعى الله أن يجذب آدم إليه ولم يكلِّمه حتى عن الهدف الذي خلقه الله من أجله ولا عن الطريق للوصول لهذا الهدف ، ولكن فقط أوصاه وصية بسيطة جداً ولم يشرح له عواقبها ، وببساطة عندما لم يطيعه آدم تغيَّرت طبيعته تماماً ، وصار عبداً وفي عبودية مريرة جعلته لا يعرف ماذا يفعل ولا يفعل ما يريده (رو7) . وبعد ذلك طرده الله !!! ويتطلَّب الأمر الآن جهاد عشرات السنوات ليعود الإنسان لطبيعته الأولى كما فعل كل آباؤنا القديسون ..!! فهل لمجرد سهوة وعدم إطاعة يتكلَّف الأمر جهاد عشرات السنوات وربما بعد كل هذا الجهاد لمدة عشرات السنوات لا يعود الإنسان أيضاً إلى طبيعة آدم كما أخبرنا القديس بولس "أسعى .. لعلِّي أُدرِك" (في3: 12) ، والأهم من كل هذا يتكلَّف الأمر أيضاً تجسُّد الله وجهاده 33 عاماً في صوم وصلاة وكأنه إنسان يسعى لخلاصه وبعد ذلك يتألم ويموت .. . فلماذا لم يشرح الله لآدم كل هذه الأمور ويوضح له هذه العاقبة التي كان الله يعرف أن البشرية كلها كانت ستَقَع فيها لأن الله كان يعرف مُسبَقاً أن آدم سيرفض أن يعيش له وأنه سيصير في عبودية وسبي يجعله رهن إشارة امرأة ويجعله في حالة لا يخاف حتى من موته . فلماذا لم يخبر الله آدم بكل هذه الأمور؟! وكيف أن حكمة الله الكاملة وعدله ومحبته اللانهائية تجعله يُوصي آدم وصية و عندما لم يطيعها تتغير طبيعته هكذا ولكي يعود مرة أخرى يتطلب الأمر جهاد عشرات السنوات ؟!!

فالذي ينظر للأمر بسطحية يظن أن الله كان منتظراً أن يأكل آدم من الثمرة حتى يطرده ..!! وكأنها قصة ملك لا يمكن أن يكون مُحباً لهذا العبد بأي صورة فلم تظهر أي مشاعر محبة في القضية بل فقط أن هذا الملك أتى بعبد وطلب منه أن لا يأكل ثمرة معينة ، و عندما أكل هذا الإنسان منها انقلب الكون كله فصارت العاقبة شديدة جداً بل والأعجب من هذا كله أن الملك هو الذي دفع كل الثمن الباهظ هذا وهو الذي تحمَّل عقوبة هذا العبد بل وتحمَّل عاقبة العقوبة كلها وهو الذي وضع عليه العقاب بأكمله . إذن .. لماذا لم يخبر الله آدم منذ البداية طالما كان الله يرى كل هذا الخراب والشر الذي سيُصِيب كل البشرية وسيجعله هو نفسه يدفع الثمن ؟!

لماذا كان الرب صامتاً وكأنه لم يبالي بسقوط آدم ولم يبالي بعذاباته المُقبِلة أليس هذا الأمر به سرّ بل أسرار غامضة ..!! فهل هذه هي حكمة الله الكاملة أن لا يتكلم منذ البداية ولا يخبر آدم بأي شيء ؟! هل هذه هي  المحبة الكاملة  والعدل المُطلَق  والحكمة الكاملة  في انه أعطى لآدم مطلق الحرية الكاملة في السؤال والسعي والإرادة والرغبة في كل شيء ؟!! وهل هذا هو  العدل  أيضاً أن مجرد عدم إطاعة إنسان لله يجعل الكون كله ينقلب ويصير الله الإله تحت الزمن ؟!!! أليس كل هذه الأمور عجيبة وغامضة ..؟!!

فما هو هذا الخراب الذي حدث للإنسان بمجرد إطاعته لمشيئة ذاته وجسده ؟! فما هو هذا السر الغامض والمُتعَجَّب منه أن الله خلق مخلوقاً ليستوطن فيه ويصير كالعضو فيه ليحيا ويتحرَّك ويوجد به ليصير صورة له ومثاله ليضمن التمتع به للأبد فخلق طبيعته كالعضو الذي لا يقدر أن يحيا بمفرده ولا أن يتحرَّك أيضاً من ذاته بل  يحتاج  لكيان يستوطن فيه ؟! وكان لابد أن يعرف آدم أنه لمجرد إطاعته لأي كائن سواء الله أو ذات سيصير في الحال كالعضو في الجسد أي رهن إشارته . فلو بدأ يعيش لله سيكون بهذا أخذ أوامره من الله فسيكون الله بمثابة الرأس بالنسبة له فحينئذٍ سيصير كالعضو فيه . ولكن بمجرد أن آدم أطاع مشيئة ذاته بعدم إطاعته لمشيئة الله ورفضه أن يعيش لله أي رفض دخول الله لبيته لأن أصله من كيان الله ، فبمجرد إطاعته لجسده حصل له كل هذا الخراب الذي يحتاج لتصليحه عشرات السنوات من الجهاد وربما بعد جهاد مرير لا يعود أيضاً لطبيعة آدم يوم أن خُلِقَ !! فماذا كانت طبيعة هذا الخراب ؟! و لماذا قضى الله أن تكون طبيعة آدم هكذا بمجرد انه يطيع مشيئة ذاته يحدث خراب هذا مقداره ، الأمر الذي كان يحتاج لمعالجة هذا الخراب ولرجوعه لصورته الأولى جهاد كامل حتى الدم يستمر عشرات السنوات ويحتاج تجسُّد الإله الخالق وجهاده كإنسان 33 عاماً .

وكأن فُلكاً عظيماً جداً داخل طوفان وجاء إنسان بدون حكمة فتح فتحة بمسمار في أسفل ذلك الفُلك فاندفعت المياه بقوة دفع عظيمة خرَّبت كل شيء فاحتاج الأمر لجهاد ما أعظمه : أولاً لخروج الماء االمتسرِّب باستمرار [وهو الخطية الناتجة عن العبودية] ، وتصليح أصل الخراب وهو الفتحة التي انفتحت [وهي العبودية]!! وهذا ما أخبرنا به الرب انه "ما أضيق الباب الذي يبدأ الطريق الذي ما أكربه المؤدي إلى الحياة" لنعود ونحيا مرة أخرى ونحيا بعد الموت الذي حدث للإنسان . فلماذا جعل الله طبيعة الإنسان مثل الخشب الذي لمجرد شرارة صغيرة جداً تقترب منه تحرقه أي تُغيِّر من طبيعته تماماً  ويبدو انه يستحيل الرجوع  إلى طبيعته الأولى و إذا رغب إنسان الرجوع لطبيعة آدم يجاهد كل حياته بل إن الله أعطى لكل إنسان كل هذا العمر والسنين لهدف واحد وحيد وهو الجهاد للتحرر من العبودية وهي أصل المرض والخراب ليعود الإنسان لصورة آدم الأولى التي خلقها الله . أي أن الهدف الذي كان أمام آدم وهو في الجنة يختلف تماماً عن الهدف الذي من أجله وُلِدَ كل إنسان الآن ومن أجله وُجِدَ في هذه الحياة . فإن الهدف الذي كان على آدم أن يسعى إليه ويحقِّقه فيما هو في الجنة هو أن يُولَد من الروح أي من الله أي يبدأ يستوطن في الله ليحيا ويتحرَّك به ليصير عضواً فيه ليصير صورة له . أما الهدف الذي الآن أمام كل إنسان مولود في العبودية أي في الموت والخراب الذي حدث لطبيعة آدم  صار هدفان  : فالهدف الأول هو العودة لصورة آدم الأول أي التحرر من العبودية ومعالجة المرض والخراب الذي حدث له وهذا هو الولادة من الماء أي أن يعود الإنسان نقياً بلا خطية وهذا بموت أصل المرض وهو العبودية التي تجعل الإنسان يخطئ و الشر صار حاضراً عنده كل حين ، ثم بعد ذلك .. يسعى لتحقيق الهدف الثاني وهو الجهاد للوصول للكمال أي لصورة الله ومثاله وهي الصورة والهدف الذي خلق الله آدم لأجله ليكون عليها وهو الهدف الذي كان على آدم أن يسعى لتحقيقه فيما هو كان في الجنة وهو أن يُولَد من الله ليصير صورة له ليصير كاملاً كما أن الله أباه هو أيضاً كامل وهذا هي الولادة من الروح .

أليس كان من العدل إذن أن يخبر الله آدم مُسبَقاً بكل هذه الأمور ؟! و لماذا قَضَتْ حكمة الله وعدله أنه لمجرد عدم إطاعة آدم لله أن يحدث خراب مثل هذا مقداره لكل البشرية ؟! فما هو السر في ضخامة وعظمة هذا الخراب وهو العبودية المريرة .. وهي التي صرخ منها أعظم مبشِّر في التاريخ وقال "ويحي أنا الإنسان الشقيّ مَن ينقذني من جسد هذا الموت .. لأن الناموس روحي أما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية وإني أُسَرّ بناموس الله وكلما أريد أن أفعل الخير الذي أريده أجد أن الشر الذي أُبغِضه إياه أفعل وكلما أريد أن أفعل الحُسنَى أجد هناك ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني لناموس الشر الكائن في أعضائي" (رو7) .

فماذا كان يجب على آدم أن يفعله ليعيش حسب مشيئة الله أي لكي يصل للهدف الذي خلقه الله من أجله ؟! و ماذا علينا نحن الآن أن نعمله لنصل إلى هذا الهدف بعد أن صرنا عبيد ؟! أي ما الفرق بين جهاد آدم الذي كان يجب عليه أن يجاهده ليصل لله وبين الجهاد الذي يجب علينا نحن الآن أن نُتمِّمَه لنصل للهدف الذي خلقنا الله من أجله وهو أن نصير صورة له ونصير كاملين بعد أن صرنا عبيد وتغيَّر طبيعتنا تماماً عن طبيعة آدم التي خلقه الله فيها ؟! وهل هناك فرق بين جهاد الإنسان في العهد القديم وجهاد الإنسان في العهد الجديد ؟! فهل يوحنا المعمدان يهودي أَمْ مسيحي ..؟!!!!!! فإن كان يهودياً : هل تمَّمَ وصايا موسى النبي .. أي هل اختتن وكان يقدِّم ذبائح عن خطاياه ؟!! وإن كان مسيحي : هل مارس طقس المعمودية الذي كان ينادي به ؟! أَمْ أن الجهاد للوصول لله سواء في العهد القديم أو العهد الجديد هو جهاد واحد أي أن طريق العودة لله هو طريق واحد؟! فما هو الفرق بيننا وبين الذين في العهد القديم ؟! أي ما هو الجهاد الذي كان مطلوباً منهم والجهاد المطلوب منَّا نحن ؟! و لماذا قضى الله أن تكون هذه النفوس التي عاشت في العهد القديم أن تكون قبل تجسد الله ؟! فهل هذا عدلاً ؟! أَمْ أن الجهاد واحد لأن الطريق للوصول لله واحد ؟!! وإن كان الجهاد واحد .. إذن .. فلماذا تجسَّد الله وصُلِبَ ومات طالما هناك في العهد القديم مَن صار قديساً ووصل للكمال مثل ايليا وأخنوخ؟!!!!!! لأن أخنوخ لم يمارس أي طقس ولم ينفِّذ أي شريعة .. هكذا نوح الذي كان يكلِّمه الله وكان كاملاً .

لماذا رفض آدم أن يعيش الهدف الذي من أجله خلقه الله وهو أن يعيش لله من كل القلب ومن كل الفكر ومن كل النفس كما عاشه كل القديسون ؟! أي ما هو  العائق  الذي كان أمام آدم والذي عطَّله وشغله  ومنعه  من أن يسعى أن يعيش لله مع انه لم يكن تحت ناموس عبودية أو جوع جسد أو مقاومة ومحاربة ناموس آخر أي كان الأمر سهلاً جداً لآدم أن يصل للقداسة وللكمال أيضاً .. أكثر بكثير من حالتنا نحن الآن . ومع ذلك لم يجاهد آدم ولم يسعى حتى للوصول لله وللهدف الذي خلقه الله من أجله الذي أخبرنا الرب انه ما أضيق الباب وما أكرب الطريق المؤدي إلى الحياة .. فلماذا؟! وما هو السبب الذي جعل آدم يرفض الله ؟!

و إذا جاهد الإنسان الآن في الدخول من الباب الضيق والطريق الكرب الذي يعود به لله ويصل به بعد ذلك للكمال : فهل يحتاج أيضاً لموت الرب ؟! وما فائدته ؟ و ماذا حدث بموت الرب ؟! ففي العهد القديم لم يكن الرب قد جاء ومع هذا وصل قديسون لأعلى درجات القداسة مثل أخنوخ وايليا وبدون تناول جسد المسيح المسفوك ؟!! ... فكيف ..؟!!! وما فائدة موت الرب إذن ؟!!

ثم هل بأي طريقة موت الرب كان سيَتِمّ الفداء أي هل لو طلب الرب من أي إنسان أن يقتله بالسيف .. هل كان بهذا سيَتِمّ الفداء أيضاً ؟! وهل لو مات الرب عندما كان صبياً .. هل كان سيتِمّ الفداء ؟! أو عندما كان في سِنّ العشرين هل كان سيتم الفداء أيضاً ؟! أو لو مات في سن الثلاثين قبل بداية خدمته : هل كان سيتم الفداء ؟! فما هي شروط الفداء إذن من ناحية الرب التي بها يستطيع أن يتمم الفداء ؟! وما هي الشروط التي يجب أن يتممها أي إنسان أيضاً ويجعلها تتوفر لديه حتى  يستفيد  من موت الرب لتُرفَع عقوبته وخطاياه ؟! و أيضاً ما هي الشروط الواجبة علينا ليتحرر الإنسان من عبوديته تماماً ؟! و ماذا يعمل الإنسان ليصِل للقداسة وليمتلئ إلى كل ملء الله وليصل إلى قياس قامة ملء المسيح ليصل إلى إنسان كامل ويصير صورة لله ومثاله في كل صفاته .

وعندما مات الرب .. كيف رفع العقوبة الأبدية التي كانت واقعة على كل إنسان يخطئ بسبب عبوديته التي صار تحت سياقها ؟! أي هل هناك شروط محددة لرفع الرب لخطايا الإنسان ليعود نقياً وهل هي نفس الشروط التي بها يموت أصل المرض وهو العبودية ليتحرر الإنسان ويصير مثل آدم أي أن يُولَد من الماء ثم يُولَد من الروح أي يُولَد من الله ليصير صورة له ؟! وما الفرق بين الولادة من الماء و الولادة من الروح ؟! وكيف نجاهد لنُولَد منهما ؟! وما معنى قول الكتاب "هذا الذي أتي بماء ودم لا بالماء فقط بل بالماء و الدم" (1يو5: 6) ؟! أَم لا يوجد أي شروط للولادة من الله وللوصول إلى الكمال أي فقط بإيمان الإنسان بموت الرب عنه كما قال الكتاب "آمن فقط" ستُرفَع كل خطاياه ويتحرر أيضاً من العبودية ويموت أصل المرض الذي كان مُمسَكاً فيه فلا يعود يخطئ أيضاً فلا تصير عليه دينونة لأنه صار في المسيح أي صار عضواً في الله فصار كاملاً وصار صورة لله ومثاله لأن العضو يكون بنفس طبيعة الجسد المستوطن فيه .

فكيف يصير الإنسان عضواً في الله ويُولَد من الله حتى لا يخطئ ولا يستطيع أن يخطئ ويثبت زرعه فيه ؟! هل بإيمانه بموت الرب عنه فقط سيصير كاملاً ويصير صورة لله ؟ أَمْ بجهاد معين ؟! إذن .. ما هو هذا الجهاد الذي أخبرن الكتاب عنه إن لم تجاهدوا حتى الدم (عب12: 4) وتجاهدوا الجهاد القانوني (2تي2: 5)

ثم كيف تُرفع الخطية و العقوبة الأزلية ؟! هل بمجرد أيضاً الجهاد الكامل هذا وبدون ممارسة طقس المعمودية والتناول كما صار أخنوخ وايليا لأعلى درجات القداسة والآباء القديسين الذين كانوا في البراري يجاهدون ووصلوا للقداسة وللكمال بدون ممارسة طقس التناول ؟! أَمْ يكفي ممارسة طقس المعمودية فقط وبدون تناول ؟! أَمْ يكفي التناول مرة واحدة ؟! فهل العودة لصورة آدم النقية يحتاج لإيمان فقط كما قال الكتاب "آمن فقط فتخلُص" ؟! أَمْ يحتاج إلى جهاد وممارسة طقس المعمودية مرة واحدة ؟! أَمْ لابد من ممارسة طقس التناول مرة واجدة أيضاً ؟! أَمْ لابد أن يُمارَس باستمرار .

هل مطلوب من أي إنسان أن يموت ميتة معينة ليتم شرط رفع العقوبة أَمْ أن الآلام التي لاقاها الرب وإنكاره لذاته لأعلى درجة والميتة التي ماتها الرب كان مخصصة له وحده وليس مطلوب من الإنسان أن يموت بشِبه موت الرب هكذا ؟!! إذن .. ماذا معنى شرط الكتاب "إن كنا قد صرنا متحدين معه بشِبه موته سنصير أيضاً في قيامته وإن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه ، ومدفونين معه في المعمودية ، ومع المسيح صُلِبت فأحيا" ؟! فماذا كان يقصد الكتاب أن نتحد مع الرب وهذا بموتنا بشِبه موت الرب ؟! فهل يقصد انه لكي تُرفع خطايانا لابد أن نصير أموات مع الرب ليكون هذا بمثابة الموت الذي يوفي العدالة الإلهية ؟! أَمْ يكفي موت الرب وحده ؟! إذن ماذا يقصد الرب بأن نموت معه ونتحد معه بشِبه موته ؟! و لماذا يطالبنا الرب ؟! و أي ميتة تمم شروط القيامة والتحرر التي يطالبنا الرب بها ؟! أَمْ لا توجد صورة محددة لهذه الميتة ؟! أَمْ لم يطالبنا الرب بأي جهاد أو أي ميتة ؟! فهل الموت بشِبه موت الرب هو صلب الجسد فقط عن الأهواء و الشهوات كما فعل كل آباء البرية ؟! أَمْ ليس مطلوباً من كل إنسان أن يفعل ذلك ؟! إذن ما هو قصد الكتاب بأن نموت بشِبه موت الرب ونجاهد حتى الدم ونجاهد الجهاد القانوني ونُمات كل النهار ونقمع الجسد ونستعبده بل ونفني إنساننا الخارجي وندفن الجسد الحيواني ليقوم الجسم الروحاني ؟!

أَمْ أن الرب لكي يتمم الفداء كان لابد له من جهاد معين واحتمال إهانات بشكل معين يختلف عن الجهاد المطلوب منا نحن لتُرفَع خطايانا . وإن كان موت الرب بهذه الطريقة وهو الصلب هو الذي سيُتمِّم الفداء ويبقى شرط جهاد الإنسان ليستفيد من موت الرب .. إذن ما فائدة جلد الرب والاستهزاء به وكل هذا التعيير من اللطم والعُريّ ؟! فهل له علاقة بالفداء وهل هذه من الشروط المخصصة لآلام الرب ؟! إذن ما فائدة جهاد الرب 33 عاماً في الصوم والصلاة وأنه كان ينمو ويتقوّى بالروح وكأنه إنسان يسعى لخلاصه وأنه عاش مماتاً في الجسد ؟! فهل هذا الجهاد المميت كله له علاقة بالفداء أيضاً ..

أي : إن لم يجاهد الرب في النمو والتقوِّي بالروح كإنسان في الصوم الدائم والصلاة الدائمة .. هل كان سيتم الفداء أيضاً ؟! أي لو ظهر الرب فجأة كما ظهر مرات في العهد القديم وبدأ يعلِّم ثم بعد أسابيع قليلة ذهب للصلب .. هل سيتم الفداء ؟! أي ما فائدة جهاد الرب كإنسان 33 عاماً ؟! وما علاقة هذا الجهاد وما دخله في الفداء ؟! .. و إذا جاهد الإنسان كما جاهد كل القديسين في صلب الجسد إلى أعلى درجة كيف تُرفَع العقوبة ؟! هل بممارسة طقس التناول ؟! و ماذا يحدث عندما يتناول الإنسان ؟! وقبل ذلك ما فائدة المعمودية وما منفعتها ؟! و ماذا يحدث عندما يتم تعميد طفل ؟! و ماذا يحدث لو لم يمارس هذا  ؟! وهل الطقس لابد أن يكون بشكل معين كما يحدث في الكنيسة الأرثوذكسية ؟! ومَن لم يمارس هذا الشكل المحدد ماذا يحدث له ؟! وإن لم تكن ممارسة الطقس مرهونة بشكل محدَّد : فأين شروط المعمودية في الكتاب ؟! و لماذا اعتمد الرب من إنسان ليس له أي رتبة كهنوتية وبدون زيت الميرون ؟! أليس إن الرب هو المثال العملي لنا !! فلماذا لم يكتب لنا صراحةً في الإنجيل شكل الطقس أي العبادة حتى لا يصير هناك بلبلة وحتى نتأكَّد أيضاً من الطريق الذي يصل بنا لله ؟! وما الفائدة من نزول إنسان في الماء ؟! ألا يوجد روح الله في كل مكان ؟! فلِمَ لم يعتمد يوحنا المعمدان وكل الشهداء ؟! .. إذن ما هو العمل المطلوب .

فما فائدة سرّ المعمودية إذن في الأمر وما فائدة سرّ التناول وما هو عمله ؟!! فإنه بدون سرَّ المعمودية والتناول دخل كثيرون الملكوت وصاروا قديسين كما في العهد القديم أيضاً كما أنه قبل مجيء الرب وموته صار كثيرون قديسون ، وبالطبع لم يتناولوا ولم يعتمدوا !! فماذا يعمل سرّ المعمودية في الإنسان ؟! وما دخله في لجهاد الذي يصِل بالإنسان إلى الله ؟ أي هل الجهاد للعودة لله مرهون على ممارسة طقس كالمعمودية أو التناول أَم هو مرهون على موت الرب فقط بدون تناوله ، أَم هو مرهون على موت الرب وجهاد الإنسان بدون ممارسة الطقس أَم مرهون على الأمرين ؟!! وإن كان هكذا فهناك قديسون وسواح لم يتناولوا جسد الرب طوال فترة جهادهم ووصلوا للكمال ، وهناك منهم مَن تناول مرة واحدة . ولكن أَلم يقُلْ الرب "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" فكيف وصل قديسون كثيرون للكمال بدون ممارسة طقس التناول ... فإن أخنوخ ونوح لم يختتنوا أيضاً و هكذا في العهد الجديد يوحنا المعمدان لم يمارس طقس المعمودية والتناول والقديسة مارينا أيضاً وأغلب الشهداء . فما فائدة الطقس ؟!

وإن قلنا أن الشهداء كانت ظروفهم أنهم آمنوا بالمسيح واستشهدوا في الحال فاعتبر الرب موتهم هذا هو معمودية دم .. إذن .. هم لم يتناولوا جسد الرب و أيضاً يوحنا المعمدان لن يكن عنده ظروف فلماذا لم يطلب من الرب أن يعمِّده : فهل الأمر غير مرهون على ممارسة طقس التناول أم أن الشهداء أيضاً أعطاهم الرب الحِلّ في عدم تناولهم الجسد ؟! وإن قلنا هذا .. فإن قديسون كثيرون ويوحنا المعمدان لم يمارسوا طقس التناول : فما هو طقس التناول و ماذا يعمل في الإنسان ؟! وبدون ممارسة الطقس ماذا سيحدث ؟!

أي ماذا يحتاج الإنسان بالتحديد ليعود لصورة آدم ثم لكي يصل لصورة الله ومثاله أي يصير كاملاً .

إذن .. أي إنسان مولود الآن تحت العبودية في الطبيعة المتحوِّلة الجسد أي التي تحيا بالجسد وليس بروح الله وتتحرك بذات الإنسان وبمشيئته : ما هو الجهاد المطلوب ليعود أولاً لصورة آدم النقية أي بلا خطية ومتحررة من أي عبودية ؟؟! وما هو الجهاد في المرحلة الثانية وهو الجهاد الذي كان على آدم أن يتممه ليصل للكمال .. أي الهدف الذي خلقه الله من أجله ؟! و ماذا يعمل سرّ المعمودية والتناول في الأمر ؟! وهل يحتاج المولود في عبودية إتمامه أَم لا أي ما هي الشروط والأعمال التي يحتاجها أي إنسان مولود في عبودية ليعبر المرحلة الأولى وهي الولادة من الماء ليعود لصورة آدم .. و ماذا يحتاج ليصل للكمال الذي هو صورة الله ومثاله أي يكون مشابهاً لصورة ابنه ومشابهاً لله كما أخبرنا الكتاب "كونوا متمثلين بالله" (أف5: 1)

هام جداً ..

فمَن وثق أن الله سيبدأ يغيِّرَه وسيُنقِّيه وآمن بالله وبتجسده وبموته عنه وأن الله سيرفع خطاياه إذا تاب توبة حقيقية وصلب جسده وأقمعه وأفنى إنسانه الخارجي ويبدأ الجهاد في الطريق الكرب ويسير مع الله مثل أخنوخ ويجاهد حتى الدم ويجاهد الجهاد الحسن والجهاد بشِبه موت الرب أي كما سلك الرب وينفِّذ وصايا الرب ويبيع كل ما له ويصلي بلا انقطاع بدون أن يمارس طقس المعمودية أو طقس التناول [كما فعل يوحنا المعمدان] : هل سيصل لصورة الله ومثاله بعد كل هذا أَمْ لا ...؟!!!!

وإن لم يتجسد الله هل كنا أيضاً سنصِل إلى هذه الصورة ؟! فماذا فعل جسد الرب المائت (الذي نأخذه في التناول)؟! فهل موت الرب كان هدفه رفع خطايانا أَمْ تحرُّرنا من العبودية ؟! وإن كان موت الرب يرفع خطايا الإنسان ويحرِّرَه : لماذا أغلب الناس مازالوا يخطئون ؟!! وإن قلنا أن رفع الخطية مشروط على ممارسة طقس المعمودية والتناول و الإيمان بالرب : فإن كثيرون آمنوا ومارسوا الطقوس ومنهم خدام أيضاً وكهنة ومع ذلك مازالوا يخطئون وهذا بسبب أن الجسد مازال حياً وهم عبيد له : إذن .. ماذا يفعل الإنسان حتى يصير كاملاً و عضواً في الرب حتى لا يخطئ ؟! أليس كافياً الإيمان بالرب وممارسة كل الطقوس !!!.

وإن تجسد الله وجاء لمدة أيام وصُلِبَ بدون أن يجاهد هو بنفسه .. هل كان ستتم شروط الفداء ؟! أي ما فائدة أن الرب يأتي بجسد غير ممتلئ بالروح وكأنه إنسان عادي بالفعل وأنه جاهد جهاد كامل ومكتوب عنه "كان ينمو ويتقوَّى بالروح" .. فما فائدة جهاد الرب كإنسان 33 عاماً ؟!! وإن لم يأتي هكذا وجاهد كل هذا الجهاد وفقط ظلّ لمدة أيام وعلّمنا الطريق للعودة لصورة آدم ألا يكفي هذا ؟!!!!

وهل موت الرب واتحاد الإنسان الخاطئ به بتنفيذ شروط الاتحاد ليصير جسداً واحداً مع الرب المائت بممارسة طقس التناول .. هل هذا يجعل الإنسان الخاطئ مائت مع الرب أيضاً وبهذا تُرفَع خطيته لأنه مات باتحاده بجسد الرب المائت و انه بهذا أوفى العدل الإلهي حقه ؟! أَم أن اتحاد الإنسان الخاطئ بالرب المائت يُبطِل العبودية ؟!! وإن كان هكذا .. فلماذا كل الذين آمنوا بالرب أو الذين تناولون مازالوا يخطئون ؟!! فهذا يعني أن العبودية مازالت موجودة !! إذن .. ما هو العمل الذي يجب أن يعمله ويتممه الإنسان ليعود لصورة آدم الأولى أي لا يعود يخطئ ولا يعرف الخطية وليس تحت أي سبي عبودية ؟! أَمْ أن هذا الأمر لن يحدث إطلاقاً ؟!!!!! ألم يَقُل الكتاب "المولود من الله لا يفعل خطية .. ولا يستطيع أن يخطئ" (1يو3: 9 ، 5: 18) ؟!!! ثانياً .. ألم يخبرنا الكتاب "مَن حفظ كل الناموس وعثُرَ في واحدة فقط فقد صار مجرماً في الكل" (يعقوب2: 10) أي هل لا يوجد عمل يجعل الإنسان حراً كما كان آدم وبلا خطية ولا يعرف الخطية !! أي هل المرض الذي أصاب آدم والخراب الذي صار فيه لا يُمكن إصلاحه ولا معالجته ولن يُرفَع أبداً ؟!! إذن .. ماذا فعل موت الرب وجسده المُقدَّم كل يوم لنا ؟!! وما فائدة جهاد الرب كإنسان 33 عاماً وكأنه يسعى لخلاصه ؟! هل فقط ليَقِلّ العقاب أو لكي يرفع خطايانا فقط .. لكننا لا يمكن أن نصير صورة لله ولا أن نصير كاملين ؟! أَمْ أن هذه الصورة كان آدم وحده هو الذي كان يستطيع تحقيقها ؟!! إذن .. لماذا يطالبنا الله في العهد الجديد أن نصير كاملين وأن نصل إلى قياس قامة ملء المسيح أي نصير مشابهين لصورة ابنه وهو وصورته عندما كان بالجسد ؟!! وإن كان الله قد أعطانا ووهبنا قدرته الإلهية التي تجعلنا نستطيع أن نجاهد لنصير شركاء في الطبيعة الإلهية (2بط1: 4) فلماذا لم يصل الكثيرون الآن لصورة الله ؟! و لماذا لا نجد الآن مَن ينادي بالجهاد القانوني الذي يستطيع وحده أن يعود بالإنسان لصورة آدم الأولى؟! ولا نجد أيضاً الآن بعد كل الذي فعله الرب الإله عندما تجسد وصار إنساناً ومات وبعد كل الجهاد المميت الذي جاهده الذي كُتِبَ عنه انه عاش مُمَاتاً في الجسد (1بط3: 18) وبعد ذلك صُلِبَ وتحمَّل آلام جسدية رهيبة وبعد كل هذه الطقوس لا نجد إنساناً قد عاد مثل آدم يوم أن خُلِقَ أي صار لا يخطئ ولا يعرف الخطية كما أخبرنا الكتاب "المولود من الله لا يخطئ ولا يستطيع أن يخطئ" (ايو3: 9 ، 5: 18) ؟! أَمْ أن الكتاب غير صادق؟!

فهل بالفعل لا يوجد طريق أي جهاد معين أي جهاد قانوني يخبرنا به الكتاب صراحة يعود بالإنسان لصورة آدم ويجعله بعد ذلك يصل للكمال أي لصورة الله أي يحقق الهدف الذي خلقنا الله من أجله ؟!! و أيضاً عندما أخبرنا الرب "ما أضيق الباب !! وما أكرب الطريق !! المؤدي للحياة وقليلون هم الذين يجدونه" (مت7: 14) هل يخبرنا الرب انه يوجد طريق ضيِّق بالفعل لكن يستحيل عبوره ؟! أَمْ عندما قال "أنا هو الطريق .. و كما صنعت أنا تصنعون انتم أيضاً فأنا أعطيتكم  مثالاً" (يو14: 6 ، 13: 5) فهل يقصد الرب بالفعل مَن يسلك كما سلك هو ومَن يموت بشِبه موت الرب بالفعل [أي مَن يجاهد كما جاهد الرب] انه سوف يعود إلى صورة آدم ثم سيصل للكمال لنصير صورة لله وصورة للمسيح أيضاً ؟!! أَمْ لا يمكن أن نصير صورة لله؟! إذن .. ما الفائدة من تجسد الله وموته وأنه بعد ذلك أوصانا أن نكون كاملين ونصير صورة له ؟!! فإن لم يكن قد أخبرنا الرب صراحة بالطريق للحياة وللكمال وإن لم يكن هناك طريق بالفعل يعود بالإنسان لصورة آدم سيكون الله عاجزاً إذن .. وغير كامل . وإن أمرنا الرب بالكمال ولم يعطينا ما يجعلنا أن نصل للكمال فسيكون الله أيضاً ظالماً و أيضاً يسعى لتعجيز الإنسان .

فما فائدة موت الرب ؟! هل فقط لرفع خطايانا وليس لكي يبطِل العبودية ؟! لكن رفع خطايا الإنسان يجعله نقياً جداً لأن دم المسيح يطهِّر من كل خطية وهذه هي الولادة من الماء إذن .. أليس كان من المفروض على الإنسان الذي رُفِعَت خطاياه وصار نقياً انه يعود لصورة آدم أي لا يعرف الخطية ؟!! أَمْ أن هناك سبب يجعل حتى الذين يعترفون ويتناولون وتُرفَع خطاياهم لا يقدروا أن يصيروا كاملين أو أن يعودوا لصورة آدم الأول وكأن هناك شيئاً مُمسَكين فيه (رو7: 6) وهو أصل المرض وهو الذي يجعل الإنسان بعد رفع خطاياه يعود يخطئ أيضاً بل ويجعله يفعل ما لا يريد والشر الذي يُبغِضه يفعله أيضاً (رو7: 15) وهذه هي الفتحة التي انفتحت في الفُلك التي بسببها اندفع الماء الذي خرَّب كل شيء وهذه هي العبودية التي تسبي الإنسان وتجعله يخطئ كل حين .

إذن .. هل موت الرب لن يبطِل هذه العبودية ؟! أَمْ هو فقط يرفع خطايانا أولاً بأول وعلى الإنسان أن يجاهد إذن كما علّمنا الرب بنفسه ليبطل جسد الخطية (رو6:6) هذا أي أن يتحرر من العبودية وهذا بأن يصلب جسده أي لا يعبده .

هام جداً .. فهل كان موت الرب إذن عمل ناقص لعودة الإنسان لصورة آدم؟ أَمْ هو عمل كامل ؟! وإن كان هو علاج كامل لماذا لم يعود الجميع لصورة آدم ؟!و لماذا لم يصير الجميع كاملين أو حتى الذين آمنوا به ومارسوا كل الطقوس وباستمرار ؟!! وإن كان موت الرب علاج كامل .. إذن .. لماذا يخبرنا الكتاب ويطالبنا بأن نجاهد حتى الدم ونموت بشِبه موت الرب ونصلب جسدنا ونُقمِعه ونستعبده ونتغرَّب عنه ؟! بل ويشترط : إن لم ندفن الجسد الحيواني لا يقوم جسم روحاني (1كو15: 44) . وأوصانا أن نفنيه أيضاً ونصلبه مع الأهواء و الشهوات ونُمات كل النهار ونُحسَب كمثل غنم للذبح ونتشبَّه بالذين كانوا تائهين في البراري والقفار وشقوق الأرض وكانوا معتازين مكروبين (عب11: 37) . و أخيراً لماذا عاش الرب سنوات في جهاد كامل في صوم وصلاة وبهذا الجهاد المميت ولم يكن له أين يسند رأسه ويقول الكتاب أنه "أعطانا مثالاً" ، وإن كان الكتاب قد أخبرنا انه يمكن أن يموت الذي نحن مُمسَكين فيه وهذا عندما نموت بشِبه موته ليُصلَب إنساننا العتيق وليبطل جسد الخطية حتى لا نعود نُستَعبَد أيضاً فنصير مشابهين لصورة ابنه .. إذن .. هل تجسُّد الله كان لهدفين وليس لهدف واحد فقط وهو الفداء ؟!

.. قصة الحياة ..

أخبرني الرب أنه خلق الإنسان  لهدف  واحد وحيد وهو أن يمتِّع الإنسان بمحبته تمتع كامل لكي يصير في فرح كامل ويظل بهذه المتعة وهذا الفرح إلى الأبد .

ولكي يتحقق هذا الهدف كان لابد أن يصير الإنسان  عضواً  في الله أي يكون بالفعل جزءاً من الله ، وهذا  أولاً  حتى يستطيع أن يبقى إلى الأبد ،  ثانياً  حتى يقدر أن يتمتع بالله بأكبر كَمّ ممكن من المتعة وهذا بأن يكون في الله أي  داخله  وليس خارجه وبهذا حتى يشعر بالله بأعلى ما يكون . وبهذا سيصير كل البشر أجزاء تُكوِّن في النهاية جسد الرب ، وإن صحَّ القول والتعبير ، يصير كل البشر جزء في كيان الله لأن الله غير محدود ولا نهاية له أي لا حدود لكيانه .

ولكي يصير أي كائن جزءاً من الله أي عضواً فيه كان لابد أن تكون طبيعته  أزلية  أي من طبيعة الله .

 أولاً  .. حتى يستطيع أن يحيا إلى الأبد .

 ثانياً  .. و أيضاً حتى يستطيع الإنسان بكيانه المحدود وهو مخلوق أن يحوي الله الذي لا يحدُّه كل الكون والإله الأزلي الأبدي ، وخصوصاً أن الله وضع كيان الإنسان في كيان ترابي من طبيعة ضعيفة جداً وتختلف عن طبيعة روح الله .

ولكي يتحقق كل هذا .. وهو أن يكون الإنسان أزلي ويكون جزءاً من الله و عضواً فيه ويستطيع أن يحوي الله كله في بادئ الأمر وهو بطبيعته المحدودة هذه .. كان لابد أن يكون  أصل  وجود الإنسان من  روح الله  نفسه ، لهذا عندما خلق الله الإنسان نفخ من نسمة روحه فخرج جزء من روحه وهذا لأن الله أراد أن يصير هذا الجزء الذي خرج منه مخلوق له كيان كامل وفي نفس الوقت يكون جزءاً منه و عضواً فيه ليكون هكذا إلى الأبد . أي كأن الله قطَّع من جسمه ليخلق مخلوقات وكائنات لتكون أجزاء منه  وهذا حتى  يستطيع الإنسان أن يظل إلى الأبد ويصير أزلي ،  و أيضاً  عندما يصير عضواً في الله يستطيع أن يشعر بالله بأكبر كَمّ ممكن فيتمتع حينئذٍ بأكبر كَمّ ومتعة وفرح بالله .

لكن كان لا يمكن في بادئ الأمر أن يجعل الله الإنسان هكذا أي يكون جزءاً منه وفيه هكذا .. دون أن يسأله . أي كان لابد أن يعطيه حرية الاختيار حتى لا يجبره على هذا الأمر و أيضاً حتى يصير للإنسان فضل في اختياره لله . لهذا السبب وضع  هذا الجزء الذي خرج منه  في كيان ترابي جسدي ووضع في هذا الكيان عقل يستطيع الإنسان به أن يفعل ما يشاء . ووضع قلب أيضاً الذي به يستطيع أن يحقق الهدف الذي خلق الله الإنسان من أجله وهو أن  يشعر بمحبة الله  ويتمتع به . ولأن الإنسان أصل وجوده من الله الأزلي اللانهائي فهو يستطيع أن يعيش إلى الأبد .

و أيضاً صار عقل الإنسان وقلبه و جسده أيضاً مثل فجوات لانهاية لها في الاتساع حتى يستطيع الإنسان بكيانه المحدود هذا أن يحوي الله الغير محدود بعقله وقلبه ، لهذا كانت أول وصية من الله "تحب الرب إلهك  من كل قلبك  ومن  كل فكرك " . وبالطبع عندما يصير الإنسان عضواً في الله سيصير بنفس طبيعته أي بنفس صفات الله أي سيصير  صورة الله ومثاله  في كل الصفات .

ولكي يصير أي كيان  عضواً  في أي كائن .. أرانا الله في كل الطبيعة أن العضو لكي يصير عضواً ولكي نستطيع أن نقول أن هذا الجزء أو الكيان عضو في جسد مثلاً .. لابد أن يأخذ هذا الكيان  كل أوامره  من هذا الجسد ويكون الجسد هو  مصدر حياته الوحيد  أيضاً . فلا يمكن لأي عضو في أي جسد أن يتحرك بمشيئته هو لأنه ليس له  عقل  لهذا لا يقدر أن يكون له مشيئة خاصة به . فلم نسمع أيضاً عن عضو في جسد ما  أخذ أوامره  من جسد آخر ، أو كيان له  مصدر حياة آخر  غير الجسد الذي هو فيه . فلكي نستطيع أن نسمِّي أي كيان عضواً في جسد لابد أن يتحرك هذا العضو أي حركة بأوامر هذا الجسد الذي هو فيه بل ولا يقدر أن يعمل أي حركة من تلقاء نفسه لأن هذا الجسد توجد به الرأس التي فيها  العقل  ، وهذا العقل هو الذي  له السلطان وحده  أن يحرّك ويأمر هذا العضو وحسبما يأمره يتحرك العضو بناءً على أوامر هذا الرأس لأن العضو ليس له عقل . ويكون أيضاً الجسد الذي فيه هذا العضو هو مصدر حياته الوحيد . فلو تحققت هذه الشروط نستطيع فقط في هذه الحالة أن نسمِّي هذا الكيان عضواً في هذا الجسد . و هكذا خلق الله كل الكائنات الحية بهذه الطريقة حتى النباتات ، فأي غصن يحيا من الكرمة فقط ، ولا نستطيع أن نغذِّي أي غصن من الخارج بل إن الكرمة هي مصدر حياته الوحيد ، و هكذا أي عضو في أي جسد يحيا عن طريق هذا الجسد ويتحرّك أيضاً ..

وهذا الجسد يحيا عن طريق الهواء و الطعام أي جعله الله له مصدر حياة حتى يقتات به ، ثم بعد ذلك يغذِّي كل عضو من أعضاءه . إذن .. فأي عضو يحيا عن طريق الهواء و الطعام فهو يحتاج لهذا القوت : فالهواء [الذي يحتاج إليه كل لحظة وهو مصدر حياته الأولي وبه يحيا وبدونه سيموت] يأتي إليه عن طريق الجسد الذي هو فيه . و أيضاً الطعام هو الذي يقوت الجسد كله وهو الذي يقوت كل الأعضاء ، و أي عضو  يحيا عن طريق الطعام الذي يصل إليه أيضاً عن طريق الجسد الذي هو فيه . إذن .. فهو يتحرك أقل حركة ويأخذ كل أوامره عن طريق الرأس التي في الجسد الذي هو فيه ويحيا بالهواء و الطعام الذي يصل إليه عن طريق الجسد الذي هو فيه .  إذن  .. نستطيع أن نقول أن    هذا  الجسد  الذي هو فيه  ..  به .. يحيا ..ويتحرّك .. ويوجد .

فهذه هي صفات أي عضو في أي كائن خلقه الله سواء الحيوان أو الطيور أو الحشرات أو الأسماك . وقد جعل الله الطبيعة كلها هكذا لعل الإنسان يتعلّم  ويفهم هذه الحقيقة  لأن كل العالم سيزول لأن طبيعته ليست أزلية من الله ، ولكن كان غرض الله من خلق كل هذه الطبيعة فقط هو هدف واحد وحيد وهو أن يخدم الغرض والهدف الذي يسعى إليه الله وهو تحقيق هدفه وهو أن يصير الإنسان عضواً فيه لكي يتمتع بحبه إلى الأبد .. أي حتى يفهم الإنسان هذه الحقيقة عن طريق باقي المخلوقات أي يفهم انه خُلِقَ لكي يصير عضواً في الله حتى يحيا به هو فقط ويأخذ أوامره منه هو فقط أيضاً .

فإذا أراد آدم أن يطيع الله وينفِّذ أوامره ويعيش الغرض الذي خلقه من أجله فلا توجد وسيلة أخرى إلا لو صار عضواً في الله أي لو أراد آدم أن يصير  عضواً  في الله حتى يستطيع أن يحقق  الهدف  الذي خلقه الله من أجله كان يجب أن يعرف أنه لكي يقدر أن يصير عضواً في الله ..  إذن  .. كان لابد أن يكون الله فقط هو  عقله  أي لا يعمل أي حركة إلا بمشيئة الله فقط لأن العضو ليس له أن يختار أو يشاء أي شيء بل هو فقط يتحرّك بناءً على أوامر الله فقط أي أن يحيا حسب مشيئة الله فقط ، أي كان لابد أن ينكر ذاته تماماً ، وهذا معناه أن لا يكون له أي مشيئة خاصة به وتكون مشيئته بكامل إرادته أن يطيع الله ويعيش الغرض الذي خلقه الله من أجله .

و أيضاً .. لكي يستطيع آدم أن يكون عضواً في الله كان لابد أن يكون الله  مصدر حياته  بل ومصدر حياته  الوحيد  . وهذا يكون عندما يبدأ يتصل بالله شيئاً فشيئاً ، حينئذٍ سيبدأ يمتلئ بالله فسيبدأ بالتالي أن يشبع منه شيئاً فشيئاً ، فسيبدأ يكون الله مصدر حياته ولن يصير "الجسد الذي أوجده الله فيه" هو مصدر حياته . لهذا سيبدأ لا يعتمد آدم على هذا  الجسد  الذي وضعه الله فيه وهو المكان الذي وضع الله فيه جزءاً من روحه وهي  نفس  الإنسان فيه ليصير له مصدر حياة مؤقت ليكون أمامه الاختيار .. والمفاضلة . فلو أطاع الله ونفَّذ مشيئته  أي قَبِلَ  أن يصير الله هو  عقله  و  إلهه  وبدأ يتصل بالله ، أي بدأ يمتلئ منه فبدأ يشبع منه أي بدأ يصير الله مصدر حياته .. سيبدأ إذن آدم أن  يصير   عضواً في الله .

و هكذا عاش كل آباؤنا القديسون .. و هكذا أرانا الرب بنفسه عندما كان بالجسد أي عندما جعل من نفسه إنساناً ليرينا الطريق بنفسه عندما جعل من نفسه إنساناً له نفس طبيعة جسدنا أي جعل من نفسه هيكلاً لحمياً بشرياً له فجوات ، فإذا امتلأت هذه الفجوات من الروح ستشبع ، فلن يحتاج الجسد أن يشبع ويصير هو مصدر حياة نفس الإنسان لأنه صار عضواً في الله فصار الله هو الرأس لأنه صار الإله عندما أرانا الرب بنفسه انه عندما يطيع الإنسان الله وينفِّذ مشيئته أي يعيش  الهدف  الذي خلقه الله من أجله . فعندما بدأ يطيع الله ويتصل به سيبدأ الله يصير هو  عقله  ، ولأنه أطاعه صار هو  إلهه  لأنه عَبَدَه ، فبدأ يمتلئ ويشبع منه هو ، فصار الله  مصدر حياته  لهذا يصير الإنسان  عضوا  في الله . و هكذا صار كل القديسين لهذا لم يحتاجوا أن يشبعوا من العالم أو من إنسان ليشبِعوا عقلهم أو قلبهم أو حتى جسدهم لأن الله صار هو مصدر حياتهم الوحيد لأنهم عاشوا الهدف الذي خلقهم الله من أجله وبهذا هم أطاعوا الله وعبدوه فصار الله عقلهم ورأسهم وإلههم و أيضاً امتلئوا منه فشبعوا ، فصار الله مصدر حياتهم لهذا صاروا  أعضاء  فيه فلم يحتاجوا أي شيء من هذا العالم ولم يعوزهم أي شيء وعاشوا كما في السماء لهذا استحقوا أن يجلسوا ويبقوا مع الله عندما ذهبوا إليه .

ولكن لم يكن ممكناً لله أن يجعل الإنسان يوم أن خلقه هكذا في الحال جزءاً منه و عضواً فيه لأن من منطلق حكمته انه كان يجب أن يضع الإنسان في بادئ الأمر في كيان يمكنه بواسطته أن يحيا به ليكون مصدر حياة مؤقت له في هذه الفترة التي فيها يختار ويقرر هل يقبَل أن يكون الله هو  الكيان الذي سيصير عضواً فيه  ليصير الله هو مصدر حياته الوحيد والرأس التي يأخذ أوامره منها أي الرأس التي تحرِّكه .. أي هل يقبَل أن يكون الله هو  حياته  ومصدر كينونته الذي به يحيا ويتحرّك ويوجد به أَم لا . لهذا كان لابد أن يعطي الله لآدم حرية الاختيار هذه .

وفي هذه الفترة التي سيختاره كان يجب أن تكون نفس آدم [وهي هذا الجزء الذي خرج من الله] في كيان يحيا به آدم ويستطيع بواسطته أن يقتات به ، ولهذا وضع الله آدم في بادئ الأمر في هيكل جسدي ووضع فيه عقل أيضاً به يستطيع أن يقرر ويختار ويشاء. وبهذا .. صارت نفس آدم في جسد يمكنه أن يحيا به وعن طريقه ويوجد في هذا الجسد عقل به يستطيع أن يفعل كامل إرادته . وهذا كله حتى إذا اختار أن  يكون في الله  ليصير الله عقله ومصدر حياته سيكون بذلك له الفضل في ذلك لأنه ضحَّى بشيء غالي كان أمامه وهو حرية الإرادة ، وبهذا يستحق أن يصير ابن لله ، وهذا كان كل ما يطلبه الله من آدم ، وهذا كله كان من منطلق حكمة الله : لماذا ؟!!

 أولاً  .. حتى يكون آدم  في هذه الفترة  بالفعل يحيا .. أي كان لابد أن يكون له مصدر حياة يقتات به و أيضاً تكون له حرية اختيار كاملة لهذا جعل له عقل أي خلقه الله له شيء يمكن بواسطته أن يفكِّر به حتى يكون له مطلق الحرية أن يفعل ما يشاء .

 ثانيا  .. يكون هذا الجسد هو الوسيلة التي يمتحن بها الله آدم لأنه يمكنه أن يفعل ما يشاء ولا يحكمه أحد ولا يتسلّط عليه أحد . ولكن كان يجب أن يعرف آدم انه خُلِقَ لأجل غرض واحد وحيد فقط وهو أن يتمتع بالله ..  والوسيلة  الوحيدة لتحقيق هذا الغرض هي أن يصير  عضواً  في الله ، ولكي يصير عضواً هناك  شروط  لتحقيق هذا وهي أن ينفِّذ مشيئة الله ويكون الله مصدر حياته . أي يصير الله هو  رأسه  التي لا يتحرّك إلا بإذن منها ولا يصير له  مصدر حياة آخر  ولو بأي نسبة إلا الله وحده لأن الإنسان لا يحتاج الإنسان معه شيئاً ولا يُعوِزه شيئاً ولا ينقصه شيئاً أبداً .

ولكن آدم وجد نفسه يوم أن خُلِقَ انه في جسد يمكنه أن يحيا به وله عقله يمكنه أن يفعل به ما يريد .  إذن  لكي يصير عضواً في الله  إذا أراد  كان يجب أن يعرف آدم انه يجب أن يطيع الله فقط في انه يجب أن يعيش حسب مشيئة الله ، ومشيئة الله هي : أن يعيش آدم الهدف الذي خلقه الله من أجله.. أي أن يحيا لله فقط  ويكون الله هو حياته ويصير هو مصدر حياته.

ولكي يتم هذا .. كان لابد على آدم أن ينكر ذاته تماماً أيضاً يرفض أن تكون له مشيئة خاصة به أي يصير نكرة وكأنه تخلَّى عن العطية التي أعطاها الله له وهي العقل في سبيل أن يكون الله هو عقله وكأنه ألقى وترك وضحَّى بشيء كان الرب يريد أن يمتحنه به ، وكان هذا من منطلق حكمة الله الكاملة أن يمتحن الإنسان ليرى مَن هو الذي يستحق أن يصير عضواً فيه وهذا بأن الله يعطي الإنسان شيئاً غالياً ويطالبه به بعد ذلك ليرى هل هذا الإنسان سيُقدِّر قيمة الله أَمْ لا . فكان لابد أن يجعل في يده شيئاً حتى يفاضل الإنسان به الله ، لهذا أعطى الله آدم عقل ومشيئة وحرية إرادة وأعطاه جسد يستطيع أن ينفِّذ مشيئة ذاته ليس لكي يعيش حسب الجسد وحسب مشيئة ذاته . فكان على آدم أن يفهم هذه القضية ونحن أيضاً نفهم لماذا وضع الله الإنسان نفس الإنسان في جسد ترابي له عقل وذات وبعد ذلك يطالبنا أن ننكر هذه الذات أي أن يصير الإنسان نكرة وكأننا لا عقل لنا ، ويقول كل إنسان "أنا بليد ولا أعرف ، صرت كبهيم عندك" (مز73: 22) وهذا حتى يصير للإنسان حرية الاختيار في انه فضَّل الله عن مشيئة ذاته فيصير له الفضل في ذلك . وبالتالي طالبنا الله أن نصلب الجسد ونفنيه ونُمِيتُه ولا نطيعه لأن كل هذا الجسد يتحرك بناءً على مشيئة ذات الإنسان .

فكان على آدم لو أراد أن يعيش الهدف الذي خلقه الله من أجله كان لابد له .. إذن .. أن يتصل آدم بالله ليمتلئ منه فيبدأ يشبع به ، وبهذا سيبدأ يحيا بالروح لأنه بدأ يمتلئ من روح الله.

لكن لو بدأ آدم يطيع ذاته أي مشيئته ورفض أن ينفِّذ مشيئة الله ، سيصير إذن هو كالعضو في ذاته وفي جسده فستكون ذاته هي التي تأمره وتحرِّكه كما تشاء أي ستكون هي إلهه الذي أطاعه وسيكون جسده هو مصدر حياته وإلهه أيضاً وسيكون إذن خاضعاً خضوعاً تاماً لذاته وجسده فصار تحت ناموسهما وسلطانهما وحكمهما وسبيهما إلى الأبد ، وبهذا لن يصير الله إلهه لأن القاعدة الإلهية تقول "لا يقدر أحد أن يعبد سيدين في وقت واحد" كما انه لا يمكن لعضو أن يأخذ أوامره من جسد آخر أو أن يصير أي جسد آخر مصدر حياته.

إذن ..  فالجسد  هو مكان مؤقت قد وضع الله فيه آدم حتى يستطيع بواسطته أن يقرر ويختار ، ويكون له مصدر حياة مؤقت في هذا الوقت . ووضع في الجسد عقب يستطيع أيضاً به أن يقرر .. حتى يصير أمامه حرية الاختيار المطلقة أي تكون لديه  القدرة  أن يختار ويفعل ما يشاء وهذا يكون عن طريق هذا العقل . لهذا فإن الله جعل آدم في جسد يحيا بالهواء و الطعام حتى يستطيع أيضاً أن يقتات في هذه الفترة ، وجعل في الجسد عقل حتى يستطيع أن يكون لآدم القدرة على الاختيار وأن يفعل ما يشاء .

و أيضاً حتى يكون الجسد هو  الوسيلة  التي عن طريقها يمتحن آدم ليحقق أيضاً عدله وحكمته الكاملة .

فلو سأل آدم الله وهو في جسده هذا الذي وجد نفسه فيه : ماذا تريد يارب مني أن أفعل ؟! أي لو أراد آدم أن يحقق الغرض الذي خلقه الله من أجله وهذا بأن يعيش الهدف الذي خلقه الله وسأل الرب : ماذا أفعل يارب ؟! كان الرب سيقول له :

+ مَن أراد أن يتبعني  فلينكر ذاته  .

+ تحبني من  كل قلبك  ومن  كل فكرك  ومن  كل نفسك .

+ تصلي كل حين وتصلي بلا انقطاع وتصلي ولا تملّ .

+ فأنا هو خبز الحياة مَن يُقبِل إليَّ  لا يجوع  ومَن يؤمن بي  لا يعطش  إلى الأبد .

+  فلا تهتم بشيء  بل في كل شيء بالصلاة ، ولا تهتم قائلاً ماذا تأكل أو ماذا تشرب ، بل اطلب ملكوت الله على قلبك .

+  إن عشت حسب الجسد ستموت   لأن الجسد لا يفيد شيئاً لكن الروح هو الذي يحيي .. فالمولود من الجسد  جسد هو  والمولود من الروح  هو روح . فإن لم تُولَد من الروح لا تقدر أن تظلّ في ملكوتي لأنك أنت الآن نقي لا تحتاج أن تولَد من الماء لكنك لابد أن تولَد من الروح أي  أولَد وأوجد أنا فيك .

+ التفت إليَّ فتخلُص . فسوف أعلّمك وأرشدك الطريق الحقيقي والهدف الذي خلقتك من أجله . سأنصحك .. وعيني ستكون عليك .

+ فيجب أن  تحيا .. وتتحرك .. وتوجد بي أنا فقط .

لا يكون لك إلهاً غيري لأني أنا هو الأول والآخِر ولا إله غيري لأني أنا الرب إلهك إله غيور .

فأنا هو  الطريق .. والحق .. والحياة .

فقد أخبرني الرب أنه خلق الإنسان ليجود عليه بكل أحشاء و رأفة محبته ، وحتى يمتعه بحبه بأقصى ما يمكن من التمتع به وبأقصى ما يكون من الفرح الدائم به ، و أيضاً حتى يشارك الله هذا المخلوق وهو الإنسان في طبيعته التي هي المحبة والجود .. وبهذا تكمل أيضاً فرحة الله وسعادته لأن طبيعة الله لا يجد السعادة بمفرده أي أن الله تكمل سعادته وشبعه وفرحه الكامل عندما يجود على كائن آخر بمحبته لأن طبيعته الجود والعطاء. وبهذا نستطيع أن ندرك معنى الآية "الله محبة" (1يو4: 8) . مثل أب لأسرة فقيرة جداً سافر لبلد بعيدة وصار غنياً جداً وكان أمامه أن يتمتع بكل هذا الثراء وبجمال الطبيعة لكنه لم يجد السعادة الحقيقية بمفرده ، فأرسل لأبنائه ولكل أسرته لكي يأتوا إليه وبهذا كملت سعادته ووجد الفرح الحقيقي عندما أعطى كل ما صار له لكل أبنائه . كما هو مكتوب "مبارك الرب إلهنا الذي اختارنا فيه قبل تأسيس العالم إذ سبق فعيننا للتبني لنفسه  حسب مسرة مشيئته" (أف1: 3-5).

ولكي يتحقق هذا الهدف كان لابد أن يجعل الله الإنسان جزء منه حتى يشعر الإنسان بالله بأقصى درجة ويشعر بكل أحاسيس الله وبطبيعته وحتى يشبع الإنسان بالله بأعلى ما يكون وبأقصى درجة شبع ، فوجد الله أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الغرض ليس فقط أن يهب الله الإنسان من روحه ويملئه منه كما فعل مع الملائكة ، لكنه جعل الإنسان جزء منه  أي جعله كائناً ويسكن بداخله لأن الملاك كيان ممتلئ من روح الله ولكنه ليس عضواً فيه وليس داخله بل خارجه .. أي إن الملاك هو روح قد خلقه الله مثل جمرة نار وُجِدت هكذا في وقت من الأوقات مثل الكواكب والشموس النارية ، وهذه الروح بها عقل فقط . ولكن طبيعة الإنسان تختلف تماماً .. فالإنسان هو روح لكن ليست روح مخلوقة  بل هي جزء حقيقي من كيان الله نفسه  وضعها الله داخل كيان ترابي وهو الجسد ، وهذه الروح هي من نفس طبيعة الله أخرجها الله من أحشائه عندما نفخ من نفخته ، وهذه النفخة وضعها الله في الكيان الترابي هذا .. وكان كل هدف الله من كل هذا أن يجعل الإنسان جزءاً منه وهذا كله لكي تكمل فرحة الله وسعادته ، لأن  طبيعة الله  انه  يجد شبعه وسعادته عندما يجود ويعطي  و أيضاً يجد فرحته وسعادته عندما يجد المخلوق الذي جاد عليه انه في فرح وهذا أيضاً لأن هذا المخلوق جزءاً منه أيضاً فعندما يشبع هذا المخلوق ويصير في فرح يصير الله حينئذٍ في فرح أيضاً لأن هذا المخلوق شيئاً واحداً فيه فيزداد حينئذٍ فرحة وسعادة الله .

فهو أولاً .. صار في فرح لأنه أعطى وجاد على مخلوق .

.. ثانياً .. كملت فرحة الله عندما جاد وأعطى مخلوقاً هو جزءاً منه .. فعندما يجود الله على مخلوق فإنه بالفعل يجد بفرح غامر . وهذه الفرحة يجدها الله مع الملائكة عندما يعطيهم من فرحه ، ولكن شاء الله وأراد أن يجد راحة أكثر وفرح كامل ومن أجل هذا الهدف فكّر في أن يخلق مخلوقات تكون جزءاً منه هو  وكأنه سوف يقطّع من نفسه ويجعل كل جزء كيان كامل  ، وأراد أن يجعل هذا الكيان ويُصيِّره  صورة له  أيضاً .. إذن فكان كل هدف الله أن يعطي وليس أن يأخذ لأنه إله كامل وفرحه الحقيقي عندما يجود وأيضاً عندما يخلق مخلوقات تكون جزءاً منه فعندما يجود عليها فهو يجد فرح غامر وفرح كامل لا يُعبَّر عنه لأن هذا المخلوق وفيما يجود عليه الرب فإن الرب بذلك يشبع هو نفسه لأن هذا المخلوق هو جزء من نفسه ومن كيانه وبهذا يصير الله في  فرح كامل  وهذا ما أخبرنا به الرب عندما قال  لذاتي مع بني البشر  وهذا كله يصير لو صار الإنسان جزءاً من الله وهذا يصير لو امتلأ الإنسان من الله وهذا باتصاله بالله ، و لهذا الغرض جعل نفس الإنسان بعقله وقلبه مثل فجوات لانهاية لها في الاتساع حتى عندما يبدأ في الاتصال بالله يبدأ يمتلئ من الله .. أي أراد الله أن يسكن في الإنسان ليملئه ليحقق بذلك كل هدفه ، لهذا فإن  نفخة الرب  هذه التي خرجت من روحه أراد الله أن تكون بمثابة  الهيكل  الذي سيسكن فيه وبهذا صار الإنسان بيتاً و هيكلاً لله ، ولكن هيكل الله هذا الذي هو النفخة التي خرجت من الله [ووضعها في هذا الجسد] كانت مثل هيكل فارغ ويحتاج أن يمتلئ من روح الله ، ولكن كان هذا الهيكل  من نفس طبيعة الله  التي هي روح ، و طبيعة روح الله أزلية و طبيعته ليس لها حدود حتى يستطيع الإنسان المحدود جداً أن يَسَع الله الروح الغير المحدود والذي لا يحدُّه الكون كله لهذا جعل الله هيكل الإنسان [من عقله وقلبه] مثل فجوات لانهاية لها في الاتساع حتى يستطيع بالفعل أن يسع الله الغير محدود أي أن يمتلئ من روح الله كل الامتلاء كما أخبرنا الكتاب ، ويقصد الرب بأن نمتلئ منه كل الملء أي أن نمتلئ بالفعل من روح الله الغير المحدود فهذه الكلمة تعني كل ما تحويه من معاني وهي كلمة الامتلاء من الله كل الملء .

وجعل الله الأمر هكذا حتى عندما يجاهد الإنسان ويتصل بالله فيمتلئ هيكل روحه من روح الله ويبدأ يوجَد ويولَد فيه روح الله .. وبهذه الحكمة البالغة يستحق حينئذٍ يستحق أن يُدعَى الإنسان ابناً لله لأنه ولِدَ من الله بجهاده الذي صار بكامل إرادته وهذا عندما يبدأ في الاتصال الدائم بالله وهذه هي الصلاة . وبهذا فالملاك لا يشعر بالله مثل القديسين الذين امتلئوا من الله وصاروا أعضاء فيه وجزء منه لأنهم صاروا داخل الله فصاروا يشعرون بالله بأعلى درجة ممكنة من الإحساس به .. فهم صاروا جزءاً من الله نفسه .. .. وبهذا يكون الله قد أظهر عظيم محبته وهي أنه جاد وأعطى بسخاء بأقصى ما يمكن وبأكبر كَم من الجود والعطاء حتى أنه  أعطى نفسه  أي أعطى من كيانه لكيان آخر وهذا الكيان الآخر كان عدم وكان غير موجوداً في وقت من الأوقات وأراد الله العجيب في محبته أن يجعل من العدم جزءاً منه وشريك له في طبيعته الإلهية وكأنه  إله آخر  وهذا الإله المُصَغَّر صورة شبيهة له وطبق الأصل من الإله الأعظم ، وكأن إنسان قطَّع من لحمه أجزاء صغيرة ليجعلها ويصيِّرها أبناء له ، فليس أنه أتى بخادم أو عبد وأعطاه حتى كل ما له .. ولكن .. كأنه قطَّع أجزاء من لحمه وجعل كل جزء له ذات وعقل حتى يصير هذا الجزء  كيان كامل  ليكون هذا الكائن من طبيعته وجزء من كيانه .

ومن حكمة الله المطلقة كان لا يمكن لله أن يجعل الإنسان في أول الأمر عضواً فيه في الحال أي أن يجد الإنسان نفسه هكذا جزءاً من الله ، بل كان لابد لله الكامل الحكمة أن يجعل الإنسان يختار بكامل حريته ويكون هذا أيضاً بجهاد كامل حتى يصير الإنسان له فضل في انه صار جزءاً وشريكاً في الله وحتى يكون مستحقاً لهذا الشرف الذي لا يُعَبَّر عنه لهذا كان لابد أن يضعه الله في هيكل مؤقت ليكون بمثابة مصدر حياة له وهذا هو الجسد الترابي الذي به يقدر في بادئ الأمر أن يحدد هل يَقبَل أن يستوطن في الله ويصير الله مصدر حياته أَم أن يظلّ مستوطناً في هذا الجسد يحيا بهذا الجسد الترابي . ولكن كان يجب على آدم أن يعرف أن هذا الجسد سيزول فهو كيان مؤقت لفترة وجوده في الجسد التي كانت بمثابة اختبار وهكذا فعل الله عندما نفخ في التراب فخرج جزء منه أي جزء من روحه .. ووُجِد هذا الروح في التراب وعمل فيه ، وهذا كله حتى يستطيع الإنسان إذا اختار أن يكون في الله وأن يستوطن فيه كالعضو في الجسد  حينئذٍ يبدأ يقلل من الاعتماد على الجسد كقوت ومصدر حياة ويبدأ يتصل بالله ليبدأ يمتلئ ويشبع من الله فيبدأ يصير الله  مصدر حياته  ، و أيضاً عندما يتمم مشيئة الله سيصير الله حينئذٍ العقل  والرأس  بالنسبة له وبهذا يستطيع أن يصير عضواً في الله وهيكل ليسكن الله فيه ، وهذا سيكون بالطبع لو جاهد الإنسان للوصول إلى هذا الغرض .. أي أن الوصول لهذا الغرض مشروط على جهاد الإنسان ، وهذا مشروط بالتالي ومرهون على  إرادة  الإنسان في أن يمتلئ من الله ليستوطن فيه ويصير عضواً فيه وإما أن يظلّ يحيا ويتحرّك بالجسد فيستوطن في الجسد .

ويتم الامتلاء عن طريق  هيكل روح الله  الذي في الإنسان فإن هذا الهيكل عندما خلق الله آدم كان كإناء مازال فارغاً لكنه كان نظيفاً جداً ومهيئاً للامتلاء من روح الله لأن هذا الهيكل من طبيعة الله . وبهذه الخطة يستطيع الإنسان عندما يتصل بالله .. يكون نتيجة هذا الاتصال أن يمتلئ بروح الله مثل إناء بجوار نبع ماء جعلناه متصلاً بهذا النبع فكانت النتيجة أنه امتلأ الإناء من ماء النبع ، و هكذا آدم أيضاً إذا بدأ أن يتصل بالله فكانت نتيجة الاتصال انه كان سيمتلئ من الله وسيبدأ يشبع من الله .. ولأنه اتصل بالله وتمم مشيئة الله ورفض أن يتمم مشيئة ذاته الشخصية فإنه بهذا يكون قد أطاع الله أي أنه قَبِلَ أن يكون الله هو عقله ورفض أن تصير ذاته هي عقله ، وبهذا سيصير الإنسان عضواً في الله لأن الله صار عقله لأنه أطاع الله ونفَّذ مشيئة الله وأخذ أوامره من الله وليس من ذاته .. ولأنه بدأ يشبع من الله فبدأ يقلل الشبع من هيكل جسده أي بدأ يُقلِّل من الاعتماد على جسده كمصدر حياة فبدأ يصير الله مصدر حياته وكانت طبيعته ستصير مثل طبيعة الله تماماً ، لأنه كان سيمتلئ من روح الله وسيصير بهذا جزءاً من الله لأنه صار جزء من روحه ، وكأن الله قطع من نفسه جزء وجعل الله في هذا الجزء [وهو النفخة التي خرجت منه وهى نفس الإنسان] عقل وقلب حتى يستطيع أن يشعر بالله . وبهذا يتحقق الهدف وهو أن يشعر الإنسان بالله بأقصى درجة ممكنة فيستطيع أن يتمتع بمحبة الله بأعلى ما يكون ويفرح ويشبع كل الشبع من الله بأقصى ما يمكن من الشبع ، ونتيجة هذا الامتلاء أيضاً سيصير الإنسان صورة لله ومثاله في كل طباعه عندما يمتلئ من روح الله نفسه كل الملء أي سيصير الإنسان صورة مصغرة من الله الإله .. ..  لهذا قال الرب .. .. .. .. : "أنا جعلتكم آلهة"(مز82: 6) و"ستكونون شركاء الطبيعة الإلهية" (2بط1: 4) ونكون حينئذٍ بنفس قامة ملء المسيح (أف4: 13) الذي هو الله نفسه والإله المتجسد عندما جاء ليرينا صورة الإنسان المثالي الكامل المكتمل والممتلئ كل الملء من الله وهي الصورة التي كان يشتاق الله أن يكون عليها كل إنسان .

وطالما سيصبح الإنسان جزءاً من الله ، سيصير إذن الله مصدر حياته مثل أي عضو في جسم الإنسان لا يقدر أن يعيش بمفرده بل إن الجسم هو مصدر حياته الوحيد ومصدر شبعه كالغصن الثابت أيضاً في الكرمة لا يحتاج إلى أي شيء خارج الكرمة ، و أيضاً هذا الجسم سيكون فيه العقل الذي يسوق هذا العضو ، هكذا فإن جسم الإنسان يمد أي عضو بكل ما يحتاجه من غذاء ، والعقل هو الذي يعطي أوامره لهذا العضو حتى يتحرك حسبما يريد .. هكذا صار كل القديسين الذي عادوا أعضاء في الله .. فالقديسة أناسيمون قال الرب عنها أنها لم تسمح لعقلها قط أن ينفصل عن الله لحظة واحدة ، مثل أي إنسان لا يقدر أن يتوقف عن التنفس وإلا مات. والقديسة مريم المصرية عندما كانت تحكي قصتها للقديس زوسيما كانت تتوقف عن الكلام وترتفع عن الأرض وترفع رأسها وتصلي ساعات طويلة لأنها صارت عضواً في الله فلم تستطيع أن تبعد عنه بضعة دقائق لئلا تنفصل عنه فتموت لأنها صارت عضواً فيه وصار الله مصدر حياتها كالهواء بالنسبة للإنسان .. لهذا قالت للقديس زوسيما : سامحني يا أبي فأنا لا أستطيع أن أكِلّ [= أتوقَّف] من الكلام مع الله . فصار الله لهؤلاء الرأس التي تسوقهم ومصدر الحياة الوحيد كالهواء والطعام لأنهم صاروا أعضاء فيه أي بدءوا أن يسلكوا بالروح و هكذا خلق الله الإنسان ليصير عضواً وجزءاً فيه لكي يحقق الهدف الذي هو تمتع الإنسان به بأعلى درجة من التمتع ، فكما أن الجسد مصدر حياته الهواء والطعام لأي إنسان يعيش بالجسد هكذا كل مَن بدأ يسلك بالروح أي صار عضواً في الله .. صار الله هو رأسه والقوت الأساسي الوحيد له لأنه لم يعتمد على الجسد بعد كمصدر حياة فامتلأ قلبه وعقله بالله كما صار هذا لكل القديسين .. فامتلئ قلب وعقل هؤلاء القديسين بالله فصاروا في شبع كامل أي بعد أن اتصلوا بالله فامتلأ العقل والقلب من الله فصاروا في شبع كامل كالعضو في أي جسد لا يحتاج خارج هذا الجسد أي شيء .. فهو  به يحيا ويتحرك ويوجد  .. حتى الجسد أيضاً لن يحتاج لمصدر غذاء أو قوت لأنه شبع بالرب وعاش هؤلاء كما في السماء يعيشون. فلن يحتاج القلب لإنسان آخر ولن يحتاج العقل أن ينشغل بأي شيء آخر ، وبالتالي الجسد لن يجوع .

وهذه هي الحياة التي خلق الله الإنسان لكي يحياها وهي الحياة التي ستكون في السماء طوال الأبدية . وكان لا يوجد أي هدف آخر لوجود الإنسان في هذه الحياة إلا التمتع بالله .. هكذا كانت أول وصية "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك" (تث6: 5) أي أن الله خلق الإنسان ليتمتع به كل التمتع .

ولكي يتحقق هذا الهدف كان لا توجد وسيلة إلا أن يصير الإنسان عضواً في الله وهذا يكون بجهاد الإنسان في الاتصال بالله لكي يبدأ يُولَد من روح الله ، وهذا ما كان على آدم أن يبدأ أن يفعله لأنه قبل أن يوجد ويُولَد روح الله فيه وقبل أن يسكن فيه فإن آدم لم يكن له وجود حقيقي .

أي أن أصل وبداية ولادة الإنسان [آدم] الحقيقية ووجوده أيضاً هو عندما يبدأ أن يمتلئ من روح الله ، وغير ذلك أي إن لم يمتلئ من روح الله  فهو سيظل إذاً لم يُولَد بعد . أي لم يُوجَد بعد  بل وسيظل عدم لا قيمة له  وسيظل ميتاً. لأن  أصل الوجود هو الله  . وهو الشيء الحقيقي وحده فقط . وهو أيضاً  أصل الحياة  . لأن هذا الهيكل الذي فيه آدم والذي أعطاه الله إياه هو تراب ، وسيعود للتراب لو لم يتصل آدم بالله كما هو مكتوب "لنا هذا الكنز في أواني خزفية". فما فائدة الإناء الخزف الذي سلَّمه الله لآدم إن لم يُوضَع فيه الكنز.

وهذا ما جعل الله يردد كلمة "الحق" عندما يتكلم عن ذاته فيقول . "أنا هو الطريق و الحق و الحياة" . و "أنا هو القيامة و الحياة" لينبهنا أنه هو أصل الوجود وأصل الحياة وأنه لا بداية إذاً لحياة الإنسان إن لم يمتلئ منه أي يُوجَد منه.

هكذا خلق الله آدم لغرض واحد وحيد فقط وهو أن يكون هيكل لروحه أي لكي يمتلئ من روحه ، .  فروح الله هو أصل الوجود الحيّ الحقيقي لآدم، فبالطبع آدم إن لم يبدأ يتصل بالله أي يصلي له ، سيكون آدم كالإناء الذي لم يبدأ أن يُوجَد فيه الله مصدر الوجود بعد ، فسيظل إذاً لا وجود له. بل ولم يُولَد بعد ، وأيضاً لأنه لم يتصل بمصدر الحياة لذلك . لم تبدأ الحياة  فيه أيضاً بعد ، فسيظل إذاً ميتاً بل لا وجود له . .

إذن فبداية وجود آدم الحقيقية ....  هي بداية وجود الله فيه

فهي إذاً                               بداية الحياة الحقيقية فيه

أي أن  بداية  ميلاد آدم  الحقيقية  تبدأ عندما يبدأ فقط يوجد الله الروح فيه بصلاته لله فحينئذٍ يبدأ يمتلئ بروح الله فنستطيع فقط حينئذٍ في هذا الوقت أن نقول أن آدم قد وُلدَ الآن أي أنه قد بدأ أن يكون لآدم وُجود حقيقي وحياة حقيقية وقبل ذلك أي إن لم يتصل آدم بالله سيظل آدم لم يُولَد بعد . لأنه سيظل ميتاً . بل ولا حياة له . ولا وجود له.

فقد أخبرني الرب أنه قد خلق آدم إناء وهيكل ترابي ليوضع فيه  هو بذاته ، فإن لم يمتلئ آدم بالله بالصلاة الدائمة .  أولاً سيكون لا وجود له أي لم يبدأ أن يولد بالحقيقة. ثانياً سيكون لا قيمة له. ثالثاً سيكون  ميتاً لا حياة له لأنه سيظل إناء فارغاً ، وبالطبع سيكون ليس له أي قيمة أو أي فائدة. لأن ما فائدة كمية تراب خلقها الله كإناء خزفي ليسكن فيه هو ، واستمرت هكذا كمية تراب؟!  فالصلاة  هي إذاً  الطريق الوحيد للحياة الأبدية  لأن بها سنمتلئ من الله فستبدأ الحياة الحقيقية فينا كاتصال البذرة بمصدر حياتها وهو الماء. فبالامتلاء بالله نكون فقط في صورة الله وتكون طبيعتنا من طبيعة الله كالإناء عندما يمتلئ من شئ ستكون حينئذٍ قيمته من قيمة الشيء ، كالإناء الممتلئ بالماء .. فكل مَن يعطش سيجد عنده الماء الحيّ أيضاً لأن صارت طبيعته تروي أي عطشان ، كالله أيضاً الذي يروي مَن يأتي إليه ، كما قال الرب "كل مَن يشرب من الماء الذي أنا أعطيه يصير فيه ينبوع ينبع إلى حياة أبدية" وأيضاً مكتوب "سنكون مشابهين لصورة ابنه" أي قياس قامة ملء المسيح عندما كان المسيح على الأرض ، وهذا بالامتلاء الدائم من الله بالصلاة الدائمة لكي نمتلئ إلى كل ملء الله وهذا إذا كان هدفنا الله ونظرنا إليه وإلى ماذا فعل عندما كان على الأرض بالجسد ، وكيف سلك ، فسنعرف نحن أيضاً كيف نصل إليه. فهو الطريق الذي جاء بنفسه ليرينا الطريق إلى الحياة والطريق إلى الكمال وكيف يكون.

فالله أيضاً هو فقط الحق والحقيقة ، وآدم طبيعته من باطل لأنه سيزول فإن لم يمتلئ آدم من الله  سيظل كالوهم أو كالسراب فسينتهي سريعاً لأنه لم يمتلئ من الله الذي هو الشيء الوحيد الحقيقي في هذا الوجود. فإن لم يمتلئ آدم بالله سيكون كإنسان عنده قدر ماء ولكن بغباوة عقل رفض أن يملأه بالماء ، وفضَّل أن يكون القدر فارغاً فما فائدته إذاً ؟! فقد خلق الله آدم له أي ليمتلئ منه لهذا مكتوب "امتلئوا بالروح" "وروح الله يجب أن يسكن فيكم" ولم يخلق الله هيكل آدم الترابي إلا لهذا الغرض فقط والذي يؤكد هذا أن هذه الحياة التي نحن فيها مؤقتة وستزول وحياة اختيار واختبار والحياة الحقيقية التي لا نهاية لها هي الأبدية ، وهذا ما يؤكد أننا لهذا خُلِقنا. فإن لم يمتلئ آدم بالله سيظل لا قيمة له كالإناء الفارغ من الماء. أي أن آدم لو لم يمتلئ من الله وتمم مشيئة نفسه ، حينئذٍ سيملأ هذا الهيكل الترابي إذاً من التراب.

والله هو فقط الحياة في هذا الوجود بل ومصدر الحياة الوحيد وسيظل آدم لا حياة له لأنه لم يتصل بمصدر الحياة فسيموت إذاً.

والله هو فقط أصل الوجود وإن لم يتصل به آدم سيظل لم يوجَد بعد ولم يولَد بعد لأن آدم لم يولَد من الروح لأن الله هو الروح التي هي أساس الوجود وهو الشيء الوحيد الحقيقي الذي سيدوم ولن يزول أبداً ، وأي شيء آخر باطل أي ليس حقيقياً أي كالسراب . وقد جعل الله آدم من التراب حتى يتأكد أن هذا ليس هو الوجود الذي كان يريده الله أن يكون فيه ، فما فائدة كمية تراب كالخزف غير ممتلئة من الشيء الحقيقي ومن الشيء الحيّ؟! فبعد فترة ستزول أي إن لم يمتلئ بالله وهو الوجود الحقيقي سيظل هيكل ترابي لا قيمة له بل ولا وجود له فسيكون آدم حينئذٍ  كأنه شيء غير موجود  لأن الله فقط هو أصل الوجود. ولكن عندما يبدأ آدم بكامل إرادته أن يتصل بالله فحينئذٍ يبدأ روح الله يوجد فيه . وحينئذٍ في هذه اللحظة فقط .

  يبدأ أن يكون لآدم وجود حقيقي . وحياة حقيقية . ويصير في الحق  ويبدأ أن يكون له قيمة حقيقية كالإناء  الخزف الذي وُجِدَ ليمتلئ بالكنز ، فإن لم يبدأ أن يُوضَع فيه الكنز فهو سيكون لا قيمة له ولا فائدة. لأن قيمة الإناء الحقيقية والخزف فقط من الكنز الحقيقي الذي وُضِعَ فيه. و هكذا

 فإن وجود آدم الحقيقي فقط يبدأ عندما يبدأ يمتلئ من الله الذي هو الحياة ، الذي هو الحقيقة ، الذي هو أصل الوجود.

فلو اتصل آدم بالله كان سيحيا بالله وكان سيحيا إلى الأبد. أي أن آدم كان مثل إناء فارغ وهو إناء الروح الذي أعطاه الله إياه وكان يجب أن يعرف آدم:

 

أن  الله هو مصدر الحياة الحقيقية  بل وهو  الحياة الوحيدة الحقيقية

 

عندما قال"أنا هو القيامة والحياة" إذاً   إن لم يتصل به آدم في بادئ الأمر سيموت  لأنه لم يتصل بمصدر الحياة.

غير أنه أيضاً  إن لم يمتلئ منه سيكون ليس له وجود.  فإذا اتصل به سيكون نتيجة اتصاله أن يمتلئ منه. و عندما يصير الإنسان عضواً في الله سيصير الله مصدر الحياة الوحيد له ، وهذه هي الصورة التي كان يريدها الله أن تكون في آدم وتكون في كل إنسان وهي أن يكون في شبع كامل من الله أي شبع من ناحية القلب ومن ناحية العقل ومن ناحية الجسد . وهذا هو الهدف الذي خلق الله الإنسان من أجله وهو أن  يكون له بالكلّية  كما اكتشف القديس بولس هذا الهدف فقال "خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية  لأربح المسيح   وأُوجَد فيه  (في3: 8) . فإن قلب الإنسان وعقله هما في الحقيقة هيكل لله وكان الله يشتاق أن يسكن فيهما ويملئهما ملء كامل ، ولكن الله قطّع جزءاً منه وأوكل كل نفس على هذا الجزء الذي هو جزءاً منه وأعطى كل إنسان مطلق الحرية إما أن يُدخِل الله هيكله أي يعيد لله هذا الجزء لكي يملئه ، أو أن يحيا مستقلاً عن الله أي يحيا بالجسد الذي أوجد الله نفسه فيه ليكون بمثابة كيان ومصدر حياة مؤقت يحيا به في بادئ الأمر حتى يصير أمامه الأمران . لهذا كانت أول وصية أن نحبه من كل القلب ومن كل الفكر أي أن لا نملأ القلب بأي إنسان أو بأي شيء آخر بل جعل الله هذا القلب في كل إنسان لكي يحقق به الغرض الذي من أجله خلق الإنسان وهو أن يتمتع به ويحبه المحبة الكاملة .

ولكن كان لا يمكن لله كلِّي الحكمة أن يُرغِم ويجبِر آدم أن يحبه وأن يتمتع بحبه ، بل كان يجب أن يعطيه مطلق الحرية : إما أن يقبل أن يحبه ، أم لا. لذلك أعطاه أن يختار أي إله يريد أن يعبده ، وهذا يكون بإطاعة آدم للشيء أو الكائن الذي يرغب فيه. فإذا أطاع نفسه أو جسده سيكون الإنسان في الحال عبداً لهم وعضواً فيهم لأنه أخذ أوامره منهم كالعضو الذي يأخذ أوامره من الرأس لأن القاعدة الإلهية تقول : "أنتم عبيد للذي تطيعونه" (رو6: 16) . أمّا إذا قَبِل آدم أن يطيع الله أي يعيش الغرض الذي خلقه الله لأجله سيبدأ ينفذ مشيئته أي أن يتصل بالله بالصلاة الدائمة لكي يحقق الهدف الذي خلقه الله من أجله .. وبهذا سيصير الله [في ذلك الوقت بالتحديد] إلهه لأنه أطاعه و أيضاً سيصير الله بمثابة العقل والرأس له لأنه نفَّذ مشيئته وهو أنه بدأ يعيش الغرض الذي خلقه الله من أجله و أيضاً سيبدأ يصير الله مصدر حياة آدم لأنه بدأ يشبع من الله ويصير له قوته لأن آدم بدأ يتصل بالله فبدأ يمتلئ منه فبدأ يشبع به ، فسيكون آدم حينئذٍ وفي ذلك الوقت بالتحديد عندما بدأ يتصل به عضواً في الله لأن الله صار هو الرأس بالنسبة له عندما نفَّذ مشيئته وأخذ أوامره منه ، وبهذا سيكون الله هو العقل الذي سيسوقه. ثانياً .. باتصاله بالله يوماً بعد يوم سيمتلئ من الله وسيشبع من الله وسيكون آدم حينئذٍ كالعضو في الجسم  لأنه توافرت شروط العضوية في الشيء : التي هي أن يكون هذا الشيء هو مصدر الحياة الوحيد والرأس التي تحرِّكه مثل أي عضو في جسم الإنسان .

هام جداً .. ولكن في أول الأمر .. أي في أول يوم .. وعندما يبدأ آدم في الاتصال بالله لن يصير الله هكذا في الحال مصدر حياته الوحيد ، لكن  بدأ  يمتلئ هيكل الله الذي أوكل عليه آدم أي بدأ يصير الله شبع له عندما بدأ يمتلئ آدم من الله .. آدم .. يُولَد من الله أي يُولَد من الروح لأن هيكله بدأ يُوجَد فيه روح الله ، وفي نفس الوقت بدأ آدم  يُوجَد في الله  أي يصير له وجود في كينونة الله . لكن يوماً بعد يوم عندما يجاهد آدم في الصلاة سيبدأ يمتلئ من الله أكثر فأكثر فسيبدأ يشبع شيئاً فشيئاً ويبدأ يقلل من الاعتماد على الجسد كمصدر حياة شيئاً فشيئاً ، حتى بعد فترة جهاد طويلة يصير الله مصدر حياته الوحيد ولا يصير للجسد أي فائدة وبهذا سيكون الإنسان سلك بالروح تماماً أي سيكون صورة لله الروح وهو بهذا الجسد الترابي وسيكون قد نجح في الاختبار باختياره أن يستوطن في الله ورفضه أن يحيا بالجسد الترابي أي بهذا الكيان الزائل الذي كان كل فائدته أن يمتحن الله الإنسان به وهو كيان مؤقت وبعد فترة الاختبار سيعود للتراب و للأرض التي أُخِذَ منها .. وهذا ما أدركه القديسون لهذا رفضوا أن يحيوا بالجسد تماماً وأدركوا أن نصيحة الرب "إن عِشتُم حسب الجسد ستموتون" لأن الجسد ليس مصدر حياة حقيقي طالما هو مصدر مؤقت زائل وهو كان كل هدفه أن يمتحن الله الإنسان به حتى مَن رفض أن يحيا بالجسد أي يحيا حسب الجسد وجاهد ليصير الله مصدر حياته ويستوطن في الله ليصير عضواً فيه ويصير له الفضل في ذلك .. و هكذا سلك كل القديسون ولهذا لم يحتاجوا إلى أي شيء من هذا العالم ولم يُعوِزَهم شيء وعاشوا كما في السماء .

كما في السماء يعيشون كذلك من هنا على الأرض لأن الله صار هو كل شيء عنده ومصدر الحياة الوحيد وهذا ما سيكون في السماء ، وبهذا سيكون وفيما هو بهذا الجسد لا يحيا بالجسد بعد بل يسلك بالروح أي بالله الروح ، و هكذا سلك كل آباؤنا القديسون والسواح وبهذا يستحق الإنسان أن يصير عضواً في الله وشريكاً في طبيعته الإلهية لأنه استحق هذا بجهاده وصار له الفضل في هذا الشرف العظيم وهذا صار بكامل إرادته عندما أثبت صدق إرادته بجهاده الكامل في أن يصير عضواً في الله .

فحينئذٍ سيصير الله مصدر حياته الوحيد ومصدر شبعه أي مصدر شبع عقله وقلبه وجسده فلن يحتاج إذن الاعتماد على جسده كمصدر حياة وشبع له ولن يحتاج إلى أي إنسان ليصير شبع قلبه لأنه بدأ يستوطن في الله .

فإن الله عندما خلق آدم جعل طبيعته كالعضو يحتاج إلى كيان يستوطن فيه ليحيا ويتحرك ويوجد به . وبهذا يستطيع أن يتمتع بالله ويشعر به بأقصى ما يمكن من الفرح ، ويشعر بالله بأقصى ما يكون لأنه صار عضواً أي جزءً من الله وجزء فيه مثل أي عضو في أي جسد يحيا ويتحرك ويوجد بالجسد الذي هو مستوطن فيه ، أي سيكون شريكاً في الله ومعه في كل أحاسيسه ، وسيشترك مع الله في طبيعته لأنه صار  واحداً مع الله  كما أخبرنا الله عندما كان بالجسد وكان مثل أي إنسان ليرينا الصورة التي كان يشتاق أن نكون فيها وقال كإنسان يشتاق أن يصير الجميع مثله أي صورة لله ، قال "أيها الآب أريدهم أن  يكونوا واحداً  كما نحن  واحد " أي سيصير شريكاً في طهارة وقداسة الله لأنه صار واحداً فيه وشريك في مشاعر الحب والإحساس بالفرح الغامر مثل أي عضو في أي جسد يكون بنفس طبيعة الجسد تماماً .. و هكذا فإن نتيجة كل هذا ستصبح طبيعة الإنسان مشابهة لله تماماً في المحبة الكاملة وفي كل صفات الله لأنه صار جزءاً من الله ، فحينئذٍ سيكون من الطبيعي أن يصير الإنسان صورة لله بل سيكون بنفس طباع الله كلها ، أي سيكون مثاله في كل شيء و كما أخبرنا الكتاب  لنكون مشابهين صورة ابنه  ليكون هو بكراً بين اخوة كثيرين (رو8: 29). ويقصد الكتاب هنا أن نكون مشابهين للمسيح الذي  هو الله نفسه عندما جاء ليرينا صورة الابن المثالي ، وبهذا نستطيع أن ندرك حقيقة الصورة التي أخبرنا بها الرب عن الذين صاروا شركاء فيه عندما قال "أنا قلت أنكم آلهة" (مز82: 6) ، لأنه من الطبيعي طالما صار الإنسان  واحداً مع الله  لأنه صار جزءاً و عضواً في الله فبذلك صار صورة لله ومثاله في كل صفاته.. إذن فمن الطبيعي : سيكون الإنسان صورة من الله الإله .. إذن سيكون مثل إله .. كالقمر الذي يأخذ ضوئه من الشمس والذي ينظر للقمر يراه منيراً جداً مع أنه أرض مظلمة ، كالأرض التي قَبِلَت زراعة كل بذور الزارع فيها فستصير جنة رائعة مع أن طبيعة الأرض تراب .. لكن ستظل طبيعة الأرض التي صارت جنة كما هي أي ستظل تراب.

هكذا أوضح الرب هذه الحقيقة في اليوم الرابع من أيام الخليقة وهي حال الإنسان الذي قام في نهاية اليوم الثالث أي تحرر من عبودية الجسد والذات وولد من الماء فبدأ في اليوم الرابع يساق من الروح فصار صورة لله وصار قدوة للعالم كله ، فمكتوب "لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار و الليل و تكون لآيات signs أي رمز ودليل  أي قدوة  .. لتنير على الأرض ولتفصل بين النهار والليل"(تك1: 14و18). أي صار هذا الإنسان  مثال  عملي حيّ فصار لهذا الإنسان القدرة على أن يوبِّخ العالم كله ويُظهِر له الظلام الذي فيه ويُعلِّم الطريق ويرشد أي يحكم كإله مثلما فعل يوحنا المعمدان ويكمل الرب كلامه ويقول "النور الأكبر لحكم النهار و النور الأصغر لحكم الليل" (تك1: 16) وجعلها الله لتحكم على النهار والليل وتفصل بين النور والظلمة. كل هذا للنفس التي عبرت الثلاثة أيام مع المسيح فقامت من بين الأموات وعادت لصورة آدم الأول أي وُلِدت من الماء وعادت نقية كالثلج ثم بدأت تُولَد من الروح أي تعيش الغرض الذي خلق الله الإنسان من أجله ، فبدأت تظهر صورة و طبيعة الله فيها ، فصار الإنسان مثل الإله أبوه .. والذي صار واحداً فيه وشريك في طبيعته الإلهية كما وعد الرب تلاميذه "ستدينون أسباط إسرائيل"(مت19: 28).

ولكن كان لا يمكن لله كُليّ الحكمة المطلقة وبعدله الكامل عندما خلق آدم أن يجعله في الحال هكذا أي أن يخلقه عضواً فيه وجزءاً منه أي يجعله ممتلئاً منه في نفس اللحظة التي خلقه فيها ، بل كان يجب أن يعطيه الحرية الكاملة ويعطيه أن يختار .. : .. هل يقبل أن يتمتع به كل التمتع ويصير بذلك شريك معه في طبيعته الإلهية وجزء منه كالعضو الذي مصدر حياته الوحيد هو الله ، .. أَم يرفض كل هذا ؟ وهذا حسب طبيعة الله التي هي كمال العدل .

لأن  الله أراد مخلوقاً يختاره بكامل حريته  ليكون ابناً له أي يُولَد منه حتى بعد ذلك يكون فيه شيئاً واحداً وهذا يكون إذا أدرك الإنسان إدراكاً كاملاً قيمة الله وقيمة حبه ، وكَم كانت عطيته هذه عظيمة جداً ولا تُقدَّر ، وأن يحبه هذا المخلوق من كل القلب.. .. أو أن يكون أمامه أيضاً اختيار أن يُسيِّر نفسه أي يسوق نفسه.

أي إذا أراد الإنسان [آدم] أن يعيش الهدف الذي خلقه الله لأجله يبدأ يتصل به ويكون نتيجة الاتصال يبدأ الله يوجَد فيه وبهذا يكون قد وُلِد من الله. وباستمرار الاتصال سيمتلئ من الله كل الملء فستكون طبيعته من طبيعة الله فيصير حينئذٍ شيئاً واحداً. إذاً البداية تكون أن يولد الإنسان من الله باتصاله الدائم بالله وهذا لا يكون إلا بالإيمان لتحقيق الغرض و الهدف الحقيقي من خلق الله للإنسان وهو أن يصير الإنسان في الله شيئاً واحداً. كما هو مكتوب "ليحلّ المسيح بالإيمان في قلوبكم . لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله لتصلوا إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح".

وهذا كله يصير بجهاد أيضاً ، وهذا كله قد جعله الله حتى يصير الإنسان مستحقاً لهذا الشرف العظيم الذي لا يُعبَّر عنه .. لهذا جعل طبيعة الإنسان من التراب وهي مادة لا تقدر أن تشعر بالله الروح ، ولكن كانت الوسيلة الوحيدة لبداية الامتلاء من الله لكي يبدأ الإنسان يشعر بالله بأن يجاهد في الصلاة حتى يبدأ روح الله يملئه ، وبروح الله يستطيع فقط أن يبدأ في الشعور بالله والإحساس به فالله روح والذين يريدون أن يسجدوا له ويشعروا به  فبالروح فقط  يستطيعون هذا كما أن البذرة لا تقدر أن تتصل بالماء إلا عن طريق الجذر . وهذا كله جعله الله أي انه خلق الإنسان من تراب لا يقدر أن يشعر بالله الروح لأن التراب مادة ملموسة أي مادة مختلفة تماماً عن طبيعة الله الروح وهذا حتى يجاهد الإنسان في إتمام الهدف ، هذا لكي يصير مستحقاً بالفعل أن يصير ابناً لله وجزءاً منه ، وهذا من منطلق حكمة الله الكاملة التي هي من منطلق عدله أيضاً . فالعدل والحكمة يقولان ويقتضيان أن لا يُعطى إنسان عطية ثمينة إلا لو استحقها وجاهد لكي يصل إليها ، وهذا لو قدَّر الإنسان قيمة هذا الشيء . و أيضاً كان لابد أن يجعل أمام الإنسان المفاضلة أي يجعله في كيان مستوطناً فيه ليكون مصدر حياة مؤقت حتى إذا أراد آدم [الإنسان] أن يعيش الغرض الذي خلقه الله لأجله .. يبدأ  يقاوم  طبيعته التي خُلِقَ فيها وهي الاستمرار في أن يُقتاد عن طريق الجسد الذي أوجد الله نفسه فيه .. أي يبدأ أن يصوم ويصلي حتى يبدأ أن يمتلئ بروح الله وبهذا يصير مستحقاً أن يبدأ يوجد روح الله فيه . وهنا سيكون آدم [الإنسان] قد بدأ يولَد من الروح ، وهذه هي المرحلة الثانية التي سيبدأ أي مولود بالجسد يستطيع أن يتممها بعد أن يعود لصورة آدم الأولى أي يعود للصفر أولاً . أي أن آدم كان أمامه طريقاً سهلاً جداً للوصول إلى الله لأنه لم يكن قد صار تحت ناموس جسد أو عبودية بعد ..

لهذا كان يجب أن يخلق الله الإنسان ويجعله في هيكل جسدي له مصدر حياة آخر غير الله في أول الأمر أي يستوطن الإنسان في جسد ويكون لهذا الجسد  مصدر حياة مؤقت  وهو الهواء والطعام حتى يكون أمامه الاختيار: .. ..

إما أن يستمر على هذه الطبيعة أي أن يستوطن في هذا الكيان وهو الجسد أي يحيا ويتحرك بالجسد .. ، أَم أن يبدأ أن يتصل بالله ويكون لله وفي الله حتى يبدأ الله يصير له الرأس التي تسوقه ومصدر حياته ومصدر قُوته الوحيد.. [ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا أوصى الرب آدم في أول الأمر : "من جميع شجر الجنة تأكل" (تك2: 16) وهذا كمرحلة مؤقتة وخصوصاً عندما لم يبدأ آدم أن يتصل بالله ولم يبدأ يسعى أن يعرف الله و أن يتصل به ليمتلئ منه .. فإنه كان يحيا بالجسد الترابي أي الهيكل الترابي الذي وضعه الله فيه والذي كان يجب أن يعرف آدم [وكل إنسان أيضاً] أن الله لم يضع نفس الإنسان في هذا الجسد ليحيا به ، بل كان كل هدف الله أن يكون هذا الجسد بمثابة المكان المؤقت الذي كان الله بمنطلق حكمته أراد أن يجعل الإنسان يختار بواسطة هذا الجسد أي كيان يستوطن فيه .

فلو رغب أن يعيش حسب مشيئة الله أي يستوطن في الله ويصير عضواً في الله فإنه بمجرد أن يبدأ يتصل بالله فإنه :

أولاً     : .. تمم مشيئة الله أي أطاع الله لهذا بدأ يصير الله هو العقل الذي أخذ أوامره منه أي صار الله هو إلهه .

ثانياً     : .. سيبدأ يمتلئ من الله فسيبدأ يصير الله مصدر الحياة له . وبهذا تمت شروط عضويته في الله.

لكن عندما رأى الله أن آدم رفض حتى بداية التعرُّف عليه ولم يبدأ يتصل به لمجرد حتى أن يشكره على هبة الوجود العظيمة التي وهبها له الله ، فأراد الله أن يلفت نظره إلى انه هو الإله الذي كان يجب على الأقل أن يبدأ يطيعه . ولأن آدم كان مازال يحيا بالجسد أي كان الجسد مازال مصدر حياته ولكن لم تكن بدأت ذاته أن تصير هي الرأس بالنسبة له أي الإله الذي يأخذ أوامره منه لهذا فلم يكن مستوطناً في الجسد بعد لهذا كان مصدر حياته قوت الأرض ورفض أن يصير الله مصدر حياته .. فمِن منطلق حكمة الله أراد أن لا يتمادى آدم في الابتعاد عنه ، فأراد أن يضمن عدم رجوعه للوراء بأنه ألا يبدأ آدم يطيع مشيئة نفسه لئلا يصير جسده هو مصدر

حياته وتصير ذاته وعقله هو الإله فيستوطن بالكامل في الجسد .

فإنه كون أن آدم رفض الاتصال بالله واستمر يحيا بالجسد فهو لم يصير عبداً بعد لجسده لأنه لم يستوطن استيطان كامل في الجسد أي لم يصير كالعضو فيه لهذا بدأ الله يلفت نظره إليه بوصيته التي أمره فيها وحذّره أن لا يأكل من شجرة معينة ، وليس لأن هدف الله أن لا يأكل بالفعل من الشجرة بل كان هدفه أن يبدأ يستيقظ آدم على انه يجب أن يطيع الله ولا يطيع مشيئة ذاته أي يلفت نظره انه هو الإله الذي كان يجب أن يُطاع هو وحده . وأخبره الرب انه يوم أن يأكل منها موتاً يموت ، وهذا معناه انه يوم أن يطيع آدم ذاته ومشيئته وجسده فإنه بذلك سيصير عبداً لذاته ولجسده فسيكون تحت ورهن إشارة جسده وذاته فستكون كل أعماله حينئذٍ تخضع خضوعاً وطوعاً كاملاً لجسد جائع جوع كامل ، فحينئذٍ ستكون كل أعماله خطية لأنها أعمال ضد مشيئة الله ، فستكون أعماله إذن تستحق الموت بل والعذاب الدائم . و لهذا نجد انه عندما جاء الله على الأرض متجسداً قال "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون .. فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس و لا تقلقوا .. اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية " (مت6: 25و31 ، يو6: 27) . فهذه الوصايا كانت هي الصورة التي كان الله يريدها أن تكون في الإنسان الذي خلقه ، لكن كان لابد أن يجعل للإنسان حرية الاختيار فوضع أمامه الأمران وهذا لأنه إذا قَبِل آدم أن يكون لله أي يعيش الغرض الذي خلقه الله لأجله كان عليه أن يبدأ يتصل بالله وحينئذٍ سيكون في هذه الحالة بدأ يطيع الله وسيبدأ يمتلئ منه وسيبدأ يمتلئ منه وسيبدأ يشبع به وبالتالي سيشبع عقله وقلبه ، ففي الحال سيبدأ يستوطن في الله فسيبدأ يصير عضواً فيه وبالطبع سيشبع جسده لأنه بعقله وقلبه وجسده كيان واحد لا يتجزأ إذن كان نتيجة طبيعية لامتلائه من الله انه كان سيشبع من الله لهذا كان سيبدأ يُقلّل الاعتماد على الجسد  كقوت ومصدر شبع أساسي  أي يبدأ يقمع جسده شيئاً فشيئاً ويحرمه ويوقفه عن القوت الذي كان معتاد عليه ليصير له مصدر شبع آخر وهو الله ، وهذا يكون بالصوم والصلاة الدائمة أي بالاتصال الدائم بالله . ولأنه بدأ يتذوَّق جمال الله ومتعته وشبعه حينئذٍ سيجد أن شبع الجسد ليس له أي قيمة أو مقارنه بالشبع من الله الذي هو  خبز الحياة الحقيقي  ، فيوماً بعد يوم عندما يمتلئ من الله كل الملء أي يصل لكمال الامتلاء من الله سيصير الله مصدر شبعه الوحيد ، وبهذا سيصير صورة من الله وعضو فيه أي سيصير لا يحتاج لأي مصدر شبع آخر : سواء أي شبع لقلبه أو لعقله أو لجسده ، أي لن يحتاج فيما بعد لأي إنسان يشبع قلبه أو أي عمل يشبع عقله أو أي طعام يشبع جسده أي لن يحتاج  لأي مصدر حياة آخر  فلن يحتاج حتى للهواء لأن الله صار له كل شيء وسيقول "لي الحياة هي المسيح" (في1: 21) ، وسيقول "الرب يرعاني فلا يُعوِزني أي شيء" (مز23: 1) . ومن هنا نفهم لماذا حذَّرنا الرب "إن عشتم حسب الجسد ستموتون ، واهتمام الجسد موت وعداوة لله"(رو8: 13و 6و 7) لأنه لو استمر الإنسان مصدر حياته الجسد فهو بذلك رفض أن يكون عضواً في الله ورفض أن يكون الله مصدر حياته ، أي رفض أن يعيش الغرض الذي خلقه الله لأجله لهذا لا يستحق إذن الوجود الذي وهبه الله إياه الذي أعطاه للإنسان لكي يعيش له هو فقط ، وطالما لم يعيش الإنسان لله إذن فالعدل يقول أن يرجع للعدم مرة أخرى ، لهذا قال الرب "إن عِشتُم حسب الجسد ستموتون" (رو8: 13) أي إذا استمر الإنسان يحيا بالجسد الذي جعله الله فيه ليختبره به ، فهو إذن رفض أن يحيا الغرض الذي خلقه الله من أجله .. إذن .. فالعدل يقول لابد أن يموت لو انه عاش واستمر يحيا حسب الجسد لأن الله لم يجعله في هذا الجسد ليعيش حسب الجسد (رو8: 12) . غير انه لو كان مازال للإنسان مصدر حياة آخر وهو الجسد .. فإنه طالما مازال يحيا بالجسد فلن يستطيع إذن ولا يقدر ولا ينفع أن يكون عضواً في الله لأنه لا يمكن أن يكون لإنسان أكثر من مصدر حياة في وقت واحد ، فالبذرة إما أن يكون مصدر حياتها الماء وهذا لو دُفنت وماتت حتى تقدر أن تتصل بمصدر حياتها وإما أن تبقى وحدها و هكذا الإنسان إما أن يصلب جسده حتى يستطيع أن يتصل بالله فيصير الله مصدر حياته وإما أن يستمر مستوطناً في الجسد فيكون الجسد هو مصدر حياته ، ولكنه سيكون غريباً عن الله كما اخبرنا الكتاب "ونحن مستوطنون في الجسد غرباء عن الله" (2كو5: 6) بل وسيصير عدواً لله أيضاً لأنه رفض أن يطيعه لأنه رفض أن ينفذ مشيئته التي هي أن يعيش لله ويتصل به فيكون الله مصدر حياته فيصير حينئذٍ عضواً فيه . لهذا إذا انتهت فرصة حياته على الأرض لن يستطيع إذن ولا يقدر ولا ينفع أن يجلس مع الرب هناك إلى الأبد ، لأنه في الأبدية  لا يوجد سوى الله فقط   فمَن لم يتدرب على أن تكون طبيعته هي. أن الله هو مصدر حياته فلا يمكن أن يوجَد معه هناك لأنه في الأبدية لا يوجَد أي عمل يدوي أو ذهني أو هواء أو طعام بل سيكون الله وحده فقط وهو مصدر الحياة الوحيد ، وكل مَن صار عضواً في الله سيُعطِيه الرب أجساد نورانية وهي نفس طبيعة الجسد الذي كان عليه آدم يوم أن خُلِقَ حيث كان لا يعرف الشر ولا يفهمه وكان يمكن أن يصل للكمال به على الأرض وكان يستطيع أن يعتمد على الله ولا يحتاج لطعام ولا لشراب أو لهواء أي كان سيعيش آدم مثل كل القديسين الذين جاهدوا وانتصروا وصاروا الآن في السماء ، فكان سيعيش في جنة عدن كما في السماء كذلك من هنا على الأرض . أما الذين لم يصيروا أعضاء في الله : فكيف يعتقدون أنهم يستطيعون أن يتواجدوا معه ؟!! فلا ينفع ولا يمكن أن يكون هذا لأن الله ليس هو مصدر حياتهم .الذهاب لأعلى الصفحة

 لكن ماذا حدث بالنسبة لآدم ..؟!

 

التحكم في الصوت

أكمل الموضع أكمل قصة المعجزة

 

الصفحة الرئيسـية المعـجـزة
قصة الحــياة