رسالة من الله لمَن هم في صليب (تابع)

فأي إنسان مازال يعبد ذاته هو مُخَدَّر لا يدري أنه بذلك ليس في الله لأنه يعبد إله آخر ، لهذا قال الرب "مَن أراد أن يتبعني فلينكر ذاته أولاً ويحمل صليبه كل يوم". وبالطبع كان لابد أن ينضج هذا الإنسان روحياً أولاً حتى يقبل أن يتلقّى العلاج من الله أو أحياناً يصلب الله الإنسان كما صلب الله أيوب قبل أن يفهم ثم بعد ذلك يشرح له ، لكن لو كان أيوب أدرك وفهم وآمن ووثق بالرب لكان وفَّر على نفسه آلام الحزن التي اجتازاها.

فالإنسان إما يعبد ذاته أو يعبد الله ، فلو بقيت ذاته موجودة فإنه لا يقدر أن يعبد الله لأن ذاته كالحيوان الهائل أيضاً مثل الجسد الذي نحن مربوطون فيه ويجَرَّنا بوحشية شديدة ، لهذا بدأ الله الكامل في محبته والكامل في حكمته أن يخطط لكل إنسان في كل زمان ومكان خطة خلاص بارعة لكي يخلِّصه والعجيب أنه هذا يحدث دون أن يدري الإنسان نفسه وأنه في نفس الوقت يُخلِّص آخرين ويضع لكل الناس خطط خلاص وفي نفس الوقت يخطط خطة خلاص لكل إنسان في كيف يتعامل مع الإنسان ويخلصه ويخلص أيضاً الذين معه ومَن هُم حوله ، فهو قد خلَّص يونان وخلَّص مَن هُم في السفينة أيضاً ، وهذه أعظم معجزة يفعلها الرب لنا. لهذا قال الرب للذين كانوا يريدون أن يروا آية من المسيح: "جيل شرير يطلب آية ولا يُعطَى له آية إلا آية يونان النبي"(لو11) التي هي أكبر دليل على عمل الله مع الإنسان وهي أكبر معجزة بالحقيقة أنه يستخدم كل الأمور ويدبِّرها حسب مشيئته هو الضابط المسكونة.. ويخطط كل شيء حسب مشيئته هو فقط ، ولا يحدث أي شيء في هذا العالم – حتى سقوط شعرة من رأس أي إنسان – دون إذنه. فقد أرانا الله أعماله العجيبة والخطة الكاملة الحكمة التي رتبها لخلاص كل إنسان ، ففي قصة يونان النبي مكتوب "أرسل الله ريحاً شديدة إلى البحر فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر"(يون1). وهنا كان الرب يرينا ماذا يفعل في حياة الإنسان الذي بدأ  يحيد  عن الطريق الذي شاءت مشيئة الله أن يسير فيه الإنسان ، فعندما يجد الرب أحد أبنائه أنه يُجدِي معه خطة خلاص مُعيّنه كالعلاج للمريض يبدأ معه. فقد رأى الله أن يونان بدأ يَغفَل عن تنفيذ مشيئة الله ، ومكتوب أن يونان "قد نزل إلى جوف السفينة و اضطجع و نام نوما ثقيلا"(يو1: 5). فأراد الله أن يستخدم يونان ليُعرِّف أهل العالم بالله ، ويستخدم أهل العالم لكي يوقظوا يونان فأرسل الله ريحاً وجعل الله الذين في السفينة أن يستيقظوا ويدركوا أنه هناك إله ضابط المسكونة وهو الذي خلقها ، فشعر الملاحون بالله وأدركوا أنه هو الإله العظيم وآمنوا به مما أدى إلى أنهم وبّخوا يونان أيضاً ومكتوب أنه بدءوا يصرخون إلى الرب(يو1: 14) والله هو الذي جعلهم يطرحون يونان فهدأ البحر في الحال فخاف الرجال من الرب خوفاً عظيماً وآمنوا به بل وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذوراً .. فقصة الخلاص التي يعملها الله تكون كاملة جداً لجميع الأطراف الذين في نفس الحدث. فقد كان يمكن أن يكون الحوت في مكان آخر غير المكان الذي أُلقي فيه يونان النبي لكن مكتوب " فأَعدَّ الله  حوتاً عظيماً ليبتلع يونان" ، وبقي يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام ليُظهِر لنا الرب أعماله العجيبة وهي أن يريد هذا الإنسان أن يعبر الطريق المؤدي إلى الحياة بمروره على الثلاث مراحل التي بها يخلُص الإنسان كما أرانا الرب بنفسه. ففي اليوم الأول يريد ثم يتوب في اليوم الثاني وينفصل عن العالم في اليوم الثالث بخروج بحر العالم كما حدث في ثالث يوم من أيام الخليقة وبهذا سيقوم مع المسيح كما قام الرب "فإن كنا متحدين معه بشِبه موته سنصير أيضاً في قيامته". و هكذا يسمح لنا الرب بضيق حتى يُخلِّصنا ويعبر بنا حتى نقوم معه بعد أن صُلِبَ الإنسان العتيق معه ليُبطَل جسد الخطية كي لا نعود نُستَعبد أيضاً منه. فإن الله من الآكل أخرج أُكلاً ومن الجافي يُخرِج حلاوة ، وأرانا الله أنه من فم الأسد الذي قتله شمشون خرج عسلاً برياً ،  و هكذا يستطيع الله من وحوش الأرض أن يجعلنا نأكل شهداً  فهذه هي أعظم آية أي أعظم عمل من أعمال الله على الإطلاق ، فهو يستخدم أشرار العالم لحسابه الخاص في خلاص أبنائه وكأن الله يعزف سيمفونية رائعة لأنه هو وحده بالحقيقة المتسلِّط فقط على كل مملكة الناس وكل جند السماء وسكان الأرض ولا يستطيع أحد أن يفعل أي شيء إلا بإذنه هو ويبقى أن يؤمن الإنسان ، فعندما آمن الثلاثة فتية إيمان حقيقي بالله نظروا لنبوخذ نصر أعظم ملك بشفقة لأنه أمامهم صار إنساناً مسكيناً لأنه  لا يعرف قدرة الله عندما هددهم بأن يُلقيهم في النيران ، فقالوا له: يا نبوخذ نصر لا يلزمنا أن نجيبك. أي لا نحتاج حتى أن نردّ على كلامك فسوف يُريك الله بنفسه وهو الإله الحقيقي الذي نعبده كَم هي قدرته. فقد استخدم الله نبوخذ نصر كالحوت حتى يتمجد الله في الثلاث فتية ليصيروا سبب خلاص لكثيرين ، فإن قوة النار التي هي أشد وطأة من الحوت أيضاً لم تلمس شعرة من رؤوس الفتية ولا حتى رائحة النار أتت على ثيابهم ، فهذه أروع آية في الحقيقة على الإطلاق لإظهار عمل الله ، أي كما إن الله استخدم الحوت لخلاص يونان ولخلاص كثيرون أيضاً هكذا نحن أيضاً بخطة خلاص رائعة يُظهِر فيها الله آياته الحقيقية وهي أكبر معجزة بالفعل نستطيع أن نراها في عمل الله وهو خلاص كل نفس. فإن يونان كان يريد أن يذهب إلى ترشيش ، فترشيش هي رمز للعالم فإن معناها هو سبب الفقر و أيضاً ثرثرة قاسية فهي رمز للعالم الذي يجعل كل نفس فقيرة وهو سبب كل جوع وهلاك كل نفس لأنه يسبي الإنسان بخمر سبيه ولكن الله المُحب الراعي والأب الذي هو مستيقظ لخلاص أبناؤه يسمح بأنه يستخدم الحوت الذي في أعماق البحر [وهو نفوس البشر التي كالحيتان مثل يهوذا] في تدبير خطة خلاص رائعة ومُذهلة أيضاً لإنقاذ أبنائه. وكلمة ترشيش تعني أيضاً "زبرجد" وهو من أكثر الأحجار الكريمة جاذبية بسبب جماله الأخّاذ بألوانه الجميلة وهو رمز للعالم الذي يبهر ويُسكِر الناس وشبهه الله بالمرأة ايزابل في سفر الرؤيا التي رآها يوحنا وهي تحمل كأس خمر تسقي به العالم كله.

لهذا قال الكتاب "فلا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب ، بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا" فإن الصليب يكون مُوجِعاً للنفس كالخمر عندما يُوضَع على الجرح ، لأن الإنسان في أول الطريق إلى الحياة بنعمة الروح القدس يسمح الرب له بصليب كأيوب ، فهذا الصليب يجعله يتوقف عن عبادته لذاته كما فعل الرب مع أيوب ومع أي إنسان في أي مرض يسمح به فيكون مؤلماً جداً كالخمر على الجرح وهذا لأنه هناك شيئاً في الإنسان يموت وكان الإنسان يجد شبعه في هذا الشيء ، ومثل ضيق يسمح به الرب أيضاً لإنسان وليس ضيق جسدي ومرض بل ضيق نفسي فيسمح الرب أن يُقال عن إنسان كلام رديء فتسوء سمعته وبهذا يكون في آلام شديدة عند تعيير الناس له كالخمر الذي عندما ينسكب على الجرح يسبب آلام شديدة… فهذه الآلام تكون بسبب أن ذاته في هذا الوقت تموت أي يبدأ في جوع شديد بسبب أن الناس التي كانت تُغَذّي ذاته بدأت تهينه فهو يتألم آلام شديدة والسبب يكون في آلام جوع فجوة ذاته. أو مثلاً يتوفَّى أحد أبناء إنسان ما أو سمح الرب بأن تنتقل من هذا العالم أسرة إنسان بأكملها في وقت واحد في حادثة مثلاً ، فتكون هذه الصلبان مؤلمة جداً كالخمر على الجرح وكل هذا بسبب أن عاطفة هذا الإنسان التي كانت تتغذى بعاطفة أقرباؤه بالجسد وتجد شبع كبير جداً … فجأة صارت فجوة العاطفة هذه في جوع شديد وآلام جوعها تكون في أول الأمر لا تُحتَمل كالخمر على الجرح ، لكن الله المُحب يفعل هذا مع بعض الأفراد لأنه يريد أن يُخلِّصهم من عبوديتهم لذاتهم ولجسدهم فيعمل على تفريغ هذه الفجوة أولاً مثل إنسان أراد أن يبني برجاً فكان عليه أولاً لكي يضع أساساً للبناء فكان يجب عليه أن يُخرِج أولاً التربة التي في الأرض في المكان الذي يريد فيه بناء البرج حتى يهيأ الأرض لوضع الأساس فيها بعد تفريغها أولاً مما كانت فيه.  هكذا "الله المحبة" عندما يريد أن يسكن فينا لكي نتمتع به لكي يكون في السماء فرح وعُرس أيضاً. لهذا مكتوب في عُرس قانا الجليل أنه لما فرغت تماماً الخمر العتيق فقط في هذه الحالة  أمر الرب أن يُوضَع ماء  ليبدأ الرب أول مرحلة بعد أن هيأ هذه النفس لتكون له وكان الرب يريد أن تكون كل النفوس له ولكن لو وجد فائدة من أي إنسان لكان الله قد سمح له بصليب أو بكل الصلبان فالصليب هو كالخمر على الجرح الذي هو الشفاء المناسب الذي يوقف نزيفه. فإن الإنسان مازالت ذاته تشبع من العالم ودائماً يقوت هذا الإنسان ذاته بمديح الناس فهو بذلك ينزف أي يضعف كل يوم لأنه في الحقيقة في كل مرة يعطى ذاته هذا القوت هو يزداد عبودية ويضعف من الناحية الروحية كالذي يضع قطعة حديد في إنائه فتزداد قوة الجاذبية وطالما ازدادت عبوديته فهو بذلك يضعف من الناحية الروحية كالمجروح الذي ينزف سيكون كنازفة الدم. وأيضاً كالإنسان الذي يعطي جسده كل ما يشتهيه هو يزداد عبودية أكثر ومن الناحية الروحية هو يضعف كالمجروح الذي ينزف كما قال الرب "كل مَن يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً" أي تزداد عبوديته أيضاً أي يضعف من الناحية الروحية أيضاً ولكن بالصليب الذي يسمح به الرب سيتوقف هذا النزيف لأن الإنسان الذي – مثلاً – كان يشعر بكيانه وبذاته مثل أيوب فإنه بصليب قوي من الرب سيبدأ هذا الإنسان يتوقف عن شعوره بكيانه أي تتوقف ذاته في استمرارها في أن تقتات بالقوت الذي تعودت عليه وبهذا هو يضعف بل والأكثر انه كان لا يبالي أنه كان يزداد عبودية أي كالذي ينزف دون أن يدري. فيأتي الرب بصليب كالشفاء العاجل الذي هو كالخمر الذي  يوقف نزيف هذا الجرح لأنه بالفعل بدأ هذا الإنسان يتألم كما تألم أيوب لأنه سيشعر بجوع شديد ولكن كان هذا الإنسان لا يدري أنه كان يهلك ذاته لأنه كان يضعف كالذي كان ينزف. فسيكون الصليب حينئذٍ كالخمر الذي وُضِع على الجرح. لكن الله يفعل فقط هذا مع الذي يعرف أنه سيُجدِي معه ، كالطبيب الذي فحص كتيبة كان قد انتشر فيها مرض مهلك ، وكانت كل الكتيبة في الحرب ستهلك ولكن وجد أنه يُجدي مع بعض الأشخاص إجراء عملية جراحية وإن كانت صعبة جداً على هؤلاء الأفراد ولكن الفرح ملأهم وانسكب عليهم وصاروا في سرور لا يُنطَق به لأنهم عرفوا أنه ستكون لهم حياة… فإن آلام هذا الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستَعلَن فينا. فإنه في السماء سيصرخ كل الذين في الجحيم أو في الظلمة الخارجية أو الذين سيدخلون الملكوت [ولكن في أول درجاته أو في أي درجة حتى لو اقتربوا إلى الله بنسبة 99%] سيصرخ هؤلاء جميعاً للرب ويقولون: لماذا يارب لم تأتي لنا بصليب ولو كنت حتى قتلتنا و ذبحتنا حتى لا نأتي هنا ونكون إلى الأبد في هذا المستوى؟! فأين هي محبتك؟!!! لأنه عندما ينتقل الإنسان سيصير بالروح هناك أي في نضوج وفهم كامل للحق ، فسيجيبهم الله ويقول: إني لو أعرف أنه كان سيُجدي معكم أي صليب لكنت قد سمحت ، فأنا الذي أريدكم أن تخلُصُوا ، وكل إنسان في أي درجة كنت أريده أن يقترب مني حتى أكون أنا أيضاً في ارتياح ، فكيف تعتقدون أنه كان يُجدي معكم أي صليب وأنا لم أضعه عليكم؟! فهل أرى أن أبنائي يُجدي معهم عملية جراحية ثم أتركهم يهلكون؟! أو حتى أترك الذين دخلوا الملكوت ولم يقتربوا إليَّ إلى أقصى درجة وأجعلهم بالتالي لا يقتربون إليَّ؟!! فأنا الذي قد خططت أفضل الظروف لكل إنسان لكي تصل به هذه الظروف إلى أعلى ما يكون من الاقتراب إليَّ ، ولو كان هناك أي شيء سواء ألم أو صليب – ولو بأي نسبة – أو أي حدث كان يمكن أن يجعل الإنسان يقترب إليَّ أكثر بأي درجة ، فلم أكن لأبخل عليه إطلاقاً لأنكم أنتم أعضائي ، فالذي يريحكم يريحني لأن خلاصكم في الحقيقة هو خلاصي أنا لأنكم أعضائي فعندما أُخلـِّصكم سأكون بهذا أُخلّـِص نفسي أنا. فإن شعب بني إسرائيل لم يكن يريد أن يخرج ويتحرر من عبودية فرعون ، ومع ذلك رحمتي ومحبتي لهم لم تتركهم ، وظلّوا طوال 40 سنة يتذمَّرون عليَّ ويريدون أن يرجعوا وكأنهم أسياد يريدون أن يُذِّلونني لأنهم عرفوا أنني أرغب وأشتاق أن أحررهم ، لكني كنت كالأم التي تريد أن تُعطي ابنها الصغير [الذي لم يفهم لأنه لم ينضج بعد] العلاج رغم عدم فهمه ، وكان يريد أن يهرب من العلاج لكني ربطته وأمسكته بقوة لكي أُعطيه العلاج حتى أنقذه ولم أتركه وأعامله حسب مشيئته لأني أعرف أنه لا يفهم الآن فأنا أعطيته مطلق الحرية في أن يختار هذا من ناحيته هو ، ولكن من ناحيتي أنا أسعى بكل قوة بكامل محبتي وكامل أمانتي أيضاً في المحبة فأنا الأمين على خلاصكم لأنه هو في الحقيقة خلاصي ، فكيف تتوقف محبتي على غباوة وحماقة شعبي أو ابني؟! فأنا لا أُعامل أبنائي بحسب صِغَر عقلهم وعدم فهمهم ، فأنا أُخلِّصكم دون أن تَدروا وكنت حتى أُرَتِّب أفضل الظروف لكل إنسان دون أن يدري ، فإني أتيت بكل إنسان في أحسن زمن وفي أحسن وقت وأفضل بيئة وأفضل صفات شخصية أيضاً حتى يقترب مني بأكثر ما يكون ، فأنا أمين عليكم أكثر بما لا يُقارَن بأمانتكم على أنفسكم ، لأني أحبكم أفضل من أنفسكم … لكن أنا أعرف طاقة احتمال كل إنسان لهذا فأنا كامل الحكمة ولا أفعل شيء لا يُجدي أبداً ، لهذا مكتوب "الله أمين لا يَدَعَكُم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة المَنفَذ" ، لكن الذين سمحت لهم بالصليب فليفرحوا لأنه وُهِب لهم هذه النجاة بل  يحسبوه كل الفرح  أيضاً لو سمحت لهم بكل تجارب وأي صليب. فإن قصة شعب بني إسرائيل أكبر دليل على محاولاتي المريرة طوال سنين حياة الإنسان لكي يتحرر من عبوديته – حتى لو رفض هو – فأنا أسعى لتخليص أي  نفس بتهيئة أفضل وأحكم الظروف لأن تخليص أي نفس سيكون خلاصي أنا أيضاً لأنكم انتم أعضائي فخلاص كل نفس هو خلاصي أنا. ولكن الذي يجعلني أتوقف عن محاولاتي مع كل إنسان هو عندما تنتهي فترة وجوده على الأرض واستمراره هو رافضاً ، فموت بني إسرائيل في البرية هو الشيء الوحيد فقط الذي جعلني أتوقف عن القرع على باب كل قلب منهم

فإن كلمة يونان معناها "حمامة" وهو رمز للنفس التي جعلها الله وهي في أعماق ظلمة بحر العالم أن تصير كالنسور ، وفيما كان يونان وهو في بطن الحوت مُلتَف حول رأسه العشب [الذي هو اهتمام الجسد الذي كان مسيطر على كل عقله وكان يجعله مسبياً سبياً كاملاً](يو2: 5) أي كان بطبيعته الجسدية [لأن الكتاب المقدس يقول "كل جسد عُشب"(أش40: 6)] لكن عن طريق هذا الحوت أي عن طريق الصليب  الذي ابتلعه  كما ابتلعت الضيقات أيوب استطاع الله أن يجعله من الطيور أي أمات الله الإنسان العتيق فيه ، هكذا مكتوب "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليُبطَل جسد الخطية كي لا نعود عبيداً بعد" أي أننا بهذا سنتحرر فننطلق حتى ولو كنا في أعماق البحر سنكون كالطيور وكالحمام مثل يونان ، وكل هذا بسبب ما سمح به الرب لنا. و عندما قذف الحوت يونان واحتمل هذا الإنسان وحشية وحوش الأرض الذين سمح لهم الرب بأن يبتلعوا أبناءه ، ولكن كان هذا ضمن خطة خلاص كاملة لموت ذات أولاده ، ولكن عندما خرج يونان صارت له قوة الله التي بها نادى بكلام بسيط جداً أدّى إلى خلاص أشرّ مدن الأرض كلها ، مع أن المدينة كانت على مسيرة ثلاثة أيام لكنه سار مسيرة يوم واحد أي لم يدخل يونان حتى نينوى ولكنه سار خارجها ، فربما فقط سمع أحد سكان هذه البلدة فذهب للملك وأخبره بما قاله يونان ، وفي الحال اتضع الملك ونادى بما سمعه وتاب كل أهل المدينة بمناداة يونان. و عندما جاء المسيح جعل يونان مثلاً وقدوة في أعمال الله في خلاص الإنسان في خلاص يونان نفسه واستخدامه في خلاص الآخرين ، فإن كلمة نينوى معناها "ذرية باقية تسكن مستريحة".

وبالتالي حتى حروب الشياطين التي يسمح بها الرب أيضاً فإنه يسمح بها حسب خطة مضبوطة كاملة الضبط قد وضعها الله بكامل حكمته المطلقة لأنه مكتوب "الله أمين لا يدعكم تُجَرَّبون فوق ما تحتملون بل سيجعل مع التجربة المنفذ". لهذا فمن فرط أمانة الله لا يمكن أن يسمح حتى بشعرة واحدة تسقط من رأس أبناؤه إلا بإذن منه ، أي أن أقل يحدث في هذا الوجود هو بسماح من الله وللبنيان أيضاً أي لخلاصنا ، فكيف يسمح بأي شيء آخر يحدث لنا إلا لو كان فقط ضمن خطة كاملة مضبوطة قد أعدها الله لخلاص كل نفس قبل أن يخلق الإنسان. فلو آمنا بهذا سنظل في سلام دائم وتسليم كامل لكل مشيئة من الله وبثقة كاملة بالخبر وبالبشارة التي تركها لنا وهو كلامه الذي وعدنا به عندما قال "كل الأشياء تعمل معاً للخير" فكلمة "تعمل معاً" تعني أن كل ما يحدث لنا في حياتنا العملية سواء ظروفنا الاجتماعية والزمن الذي وُلد فيه كل إنسان والأسرة التي وُلِدَ ومهارات كل إنسان من درجة ذكاء أو قدرات أو شكله الجسدي وطوله وعرضه وصحته و.. كل هذه الأشياء تعمل معاً حسب خطة قد خططها الله لتصل بالإنسان لأعلى درجة امتلاء من الله ، فلو رأى الله أن إنساناً لو وُلِدَ أيام الفراعنة وكان هذا سيجعله في مكان أفضل في السماء إلى الأبد لكان جعله أيام الفراعنة ، ولو رأى أن إنساناً لو وُلد أيام المسيح عندما كان على الأرض بالجسد كان هذا سيجعله يقترب إلى الله ويمتلئ منه أكثر فبالطبع بكامل حكمة الله كان سيخلقه أيام وجوده على الأرض و هكذا .. ، لأن حياتنا هذه كالبخار وهي حياة باطلة مؤقتة وستزول في أيام بل ساعات بل إنها مثل نفخة بالنسبة للأبدية ، فلا يهمنا ماذا يحدث ، فعلى الإنسان أن يركِّز في الحقيقة والحق ولا يلتفت لهذه الحياة لأنها باطلة وزائلة وأي صليب يَمُرّ به أو أي ضيق يسمح به الرب له فإنه يثق ثقة كاملة أن الله هو الذي سمح بها طالما لم يكن للإنسان دخل بها كالمريض أو ظروفه الاجتماعية أو طبيعته التي وُلِدَ بها لهذا يجب على الإنسان أن يُسلِّم تسليم كامل لله ، وليس معنى هذا أن الإنسان يخطئ ويعتقد أن هذا سماح من الله فهذا شئ مختلف تماماً ، فالإنسان مُسيَّر تمام لتسيير في الظروف التي هي خارج عن يده أما الإنسان فهو مُخيَّر تماماً وله مطلق الحرية في أعمال الخير والشر ، وحتى لو كان مازال في عبودية الجسد يفعل الشر الذي يبغضه فإن الله فاحص القلوب وسوف يحاسب هذا الإنسان حسب ما كان يريد أن يعمله وحسب إرادته التي للإنسان مطلق الحرية فيها ، فالإنسان مُخيَّر تماماً في كل أعماله ، لكنه مُسيَّر في الأمور الأخرى ، فعلى الإنسان فقط أن يؤمن بالكلية بالله كامل المحبة وكامل الحكمة وأن كل شيء يجري على ما يرام وطالما حدث شيء خارج إرادة الإنسان على الإنسان أن يثق ثقة كاملة أن هذا ، فيجب أن نثق أن إلهنا الذي يُنبِض قلوبنا كل لحظة ويجعل كل جسد يحيا ويتنفس وهو الذي يضبط كل خلايا دم الإنسان وأعصابها وكل شيء في جسم كل كائن حيّ ، إذاً نثق ثقة كاملة في قدرته اللانهائية طالما هو الذي يدبِّر ويضبط هذه الأشياء وكل المجرَّات ، إذاً كل هذا يجعلنا نثق ونؤمن أنه يخطط كل شيء لأجل خلاصنا ، فإن كان الله يضبط المسكونة والبحار وكل الأسماك والطيور يطعمها هو ، فإن كان يهتم بهذه الأشياء الزائلة .. أَ فلا يضبط كل الأحداث ويهتم بأن تكون كلها لبنيان كل نفس وتهدف لخلاص كل نفس؟! فإن كان الله يضبط العالم كله بإتقان كامل على الرغم من أنه سيزول ، أَ فليس هذا يجعلنا نثق بالله أنه يضبط كل شيء يحدث في حياتنا اليومية لأجل خلاصنا الأبدي ، لهذا مكتوب أن الله هو الإله العَلي المتسلط على كل مملكة الناس والبشر فيعطيها لمَن يشاء ويُنَصِّب عليها أدنى الناس وهو يفعل ما يشاء في جند السماء وسكان الأرض ولا يوجَد من يمنع يده ويقول له ماذا تفعل.

 فلا يأتي إنسان – سمح له الرب بكمال حكمته أن تُحاربه الشياطين – فيقول أن: الشياطين أهلكتني وهي التي جعلتني أخطئ. أو لو ضايقه الناس يقول: الناس أفقدتني سلامي. فإن هذا الإنسان لم يكن قد أدرك الحق والحقيقة وأن ما سمح به الرب هو ضمن خطة كاملة لخلاصه ، فإن الشياطين هي الرياح التي سمح الرب أن تَهُب ، والناس هي الأنهار التي تجرفه ، فلو كان هذا الإنسان مؤسس على الصخرة لما كانت الرياح والأنهار تؤثر فيه ، فالصخرة هي الإيمان بالله والثقة به ومعرفة الإنسان الحق كله. فبالإيمان يكون لنا ثقة كاملة بل وبصيرة كاملة بالحق أن الله يسمح لنا بحروب لينير علينا ويزيد بصيرتنا بل وينبهنا إلى أن أساسنا مازال ضعيفاً ، وأن الله يستغل حروب الشياطين و الناس حتى يكشف لنا ضعف إيماننا وأن أساسنا مازال يحتاج لقوة أكثر ، ولولا حروب الشياطين ومضايقات الناس لما كنا سنعرف أين نحن الآن ، فكيف كنا سنعرف أن إيماننا ضعيف إلا عندما ضايقونا الناس؟! وكيف كنا سنعرف أن علاقتنا بالرب مازالت ضعيفة وإلا لما كان إيماننا مازال ضعيفاً؟! فلا يتذمَّر إنسان بسبب الرياح التي هبَّت والأنهار التي جاءت وصدمت بيته ، ولكن على كل إنسان أن يشكر الرب أنه دائماً يسهر على خلاصنا وطالما حدث شيئاً ليس لنا دخل فيه فلنتأكد كل التأكد وكل اليقين أنه ضمن خطة قد أعدّها الله لبنياننا ولخلاصنا ، فقد قال الرب في أول عظة له "سقط الأمطار وهبَّت الرياح وجاءت الأنهار وصدمت ذلك البيت ولم يسقط لأنه كان مؤسسا على الصخرة ، فكل مَن سمع أقوالي هذه وعمل بها أشبِّهه برجل عاقل بنى بيته على الصخرة". فإن الله يريدنا أ ندفن أجسادنا ونموت لنتعمَّق في الأرض أكثر أي نكون أعضاء فيه هو لنحيا به هو وبذلك لا يؤثر فينا أي شيء ، لكن في بداية الطريق كان لابد أن يضع الله أمامنا كل يوم مرآة لنرى إلى أين وصلنا ، فإنه لا يحدث أي شيء في هذا الكون ولو كان بسيطاً جداً وإلا بإذن من الله وإلا لا يكون الله ضابط الكل وضابط المسكونة. إذاً فمِن الحق والعدل يجب علينا أن نسعى إلى الله ونركض إليه ، فسنحتاج في كل لحظة أن نشكره على عظيم رحمته وكل نفس تريد أن تعود لله تحتاج أن تقول لله هذه الأقوال:

[1] ياربي يسوع المسيح أشكرك على عظيم حكمتك وعظيم رحمتك في كل ما تعمله أو تخططه من أجل خلاصي .

[2] ياربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ في كل خطية ارتكبتها عن جهل والخطايا التي مازلت أعملها بسبب عبوديتي لذاتي ولجسدي .

[3] ياربي يسوع المسيح قويني لكي أتحرر من عبوديتي التي تجعلني أخطئ.

فعندما نشكر الله في كل حين على أي شيء يحدث لنا نكون قد صِرنا ناضجين ، كالإنسان الناضج الذي تأكد من مرضه فذهب هو بنفسه للطبيب ليعالجه ومهما فعل به الطبيب فهو مدرك إدراك كامل أن الطبيب يعالجه ، فكيف له أن لا يشكره على أي حال ، و هكذا فعلت السيدة العذراء وقديسون كثيرون كان لديهم النضوج الكامل والوعي الكامل لمحبة الله الكاملة وحكمة الله الكاملة ، فكانت لديهم الثقة و الإيمان الكامل الذي جعلهم في سلام كامل مما جعلهم يشكرون الله دائما ، و هم في سلام بل وفرح دائم بأن الله إلههم يسعى في كل لحظة لخلاصهم ويسهر أيضاً على خلاصهم ، فإن خلاصنا هو خلاصه هو أيضاً ، فكيف نعتقد أن الله لا يخطط لكي يخلِّص نفسه؟! فهذه الحقيقة تحفظ لنا سلامنا وتجعلنا في يقين كامل أن الله ضابط المسكونة وكل ما يسمح به لنا هو لأجل بنياننا نحن وأن نثق في قدرته أولاً وهذا بأننا ننظر للمجرَّات والكواكب وكل الطبيعة التي تسير بدقة كاملة ومتناهية فنثق بقدرة الله اللانهائية ، وهذا يجعلنا نثق في قوَّته ثم يجعلنا هذا نثق في أننا أعضاء منه ، فكيف لا يسعى لكي يخلِّص أعضائه أي يخلِّص نفسه؟! فحتى حروب الشياطين هو الذي دبَّرها وسمح بها ، فكيف يسمح الله للشيطان أن يفعل أي شيء ليُخرِّب ويُعطِّل أي خطة خلاص الله لنفسه أو يسمح لأي إنسان أن يمَسّ حياة إنسان آخر وهو عضو من أعضاء الله ليُعطِّل خطة خلاص الله نفسه ، لهذا قد وعدنا الله "لن أُهملك ولن أتركك وهاأنا معكم كل الأيام وإلى انتهاء الدهر وأن شعرة من رؤوسكم لا تسقط إلا بإذني" فإن كان قد أوصانا "تحب قريبك كنفسك" أَ فلا يحبنا هو كأن كل إنسان هو نفسه؟! فكيف سيُهمِل الله نفسه أو يهمل خلاصه هو؟! فالقضية بجملتها قضيته هو بالكامل وكل شيء يجري على ما يرام .. وكل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله ، وحتى الذين لم يؤمنوا أو مازال إيمانهم ضعيفاً جداً وبالتالي لم يكتشفوا محبة الله فإن الله لم تبطل أمانته بسبب ضعف إيمان أولاده ، فهو في كل الحالات يسعى لخلاصه كأنه خلاصه لأن محبته ثابتة ولا تتوقف على أننا نبصر أو لم نُبصِر فهو يخلِّصنا حتى لو لم نُدرِك لأنه هكذا هي طبيعته وهي محبة لانهائية.

ويقول الكتاب "يستودعوا أنفسهم" أي كأن إنسان ترك مال أي استودعه في بنك حتى يحصل على ربح و هكذا النفس التي وثقت بالرب لأنها عرفت الله معرفة كاملة لأنها امتلأت منه فاستودعت نفسها لدى الطبيب الأعظم والله كُليّ الرحمة ، بل في الحقيقة.. النفس التي وكلّها الرب عليها التي هي ملكه لأنها هي عضو منه. إذاً الله يشفي عضواً فيه وجد أنه يحتاج شفاء ، فما دخلنا نحن؟!! وهذه هي الحقيقة التي فهمها كل القديسون الذين امتلئوا بالرب فعرفوا الحق وتأكدوا أن نفوسهم ليست مِلكاً لهم بل هي وكالة من الله. إذاً فليفعل الرب ما يشاء بها.. وهذا ما جعلهم يصمتون ولم يفتحوا أفواههم لأنه ليس لهم حق في أن يتكلموا ، لأن الرب والملك والطبيب الذي أودع عندهم هذه النفس وكالة وهو العضو الذي منه أراد الرب أن يشفيه.. فما شأنهم هم؟!! فبهذه الحقيقة كانوا مستسلمين كمال التسليم لأنهم عاشوا الحق فعرفوا أنهم ليس لهم الحق أن يتكلموا. كالملك الذي أعطى علبة الجواهر لكل عبيده ، فإذا طلب يوماً أن يأخذ منها شيئاً فهذا من حقه وإن طلبها كلها فهي ملكه ومن حقه. كل هذا لأن ذاتهم قد ماتت وهي الوهم الذي توهَّم فيه الناس الذين عاشوا ونفّذوا مشيئتهم ومشيئة جسدهم فاعتقدوا أن أنفسهم ملكاً لهم. لأن الحقيقة أننا وُلِدنا عبيد لإله قوي وهو الذات والجسد ، وصارت طبيعتنا هكذا مسبيين سبي كامل ، لهذا فالذي يريد الرب أن يشفيه ويجد أنه سيُجدي معه الشفاء ينزل الرب بكل قوته بفأسه على أصل الشجرة كما فعل مع أيوب ، كما قال يوحنا المعمدان "هوذا وُضعت الفأس على أصل الشجرة" فالفأس هو قوة عمل الله في الإنسان بصليبه وآلامه التي يسمح بها كما سمح لأيوب وكأن الله نزل بكل قوة على هذه النفس وهذه هي فأسه حتى يُزيل رأس الحية وهو أصل المرض الذي صار نتيجة الأكل من الشجرة وهذا معنى كلمة وُضِعت الفأس على أصل الشجرة فلو أدرك أيوب كل هذه الحقيقة وما يعمله الله لخلاصه لكان وفَّر على نفسه أيام وسنين حُزنه بل وتذمُّره وكان سيكون في سلام بل واطمئنان. فكان أيوب يحتاج أن يكون ناضجاً روحياً أي أن يكون عنده الإدراك وهو الثقة بالله وهذا هو الإيمان كالعذراء مريم التي سمح الرب لها بصلبان وسيف يجوز في قلبها وهي كانت صبية عندما احتملت نظرات يوسف النجار واحتملت الهروب في صحراء وهي كانت مسئولة عن طفل ورجل شيخ ، وقاست النوم في العراء والجوع وعاشت بلا مأوى شهوراً طويلة ولم نسمع أنها تذمّرت أو تنهدت أو طلب أن يعينها الرب على آلامها ، وهذا أكبر دليل على أنها كانت ناضجة نضوج روحي عجيب وفهم وإدراك كامل لخطة خلاص الله لكل إنسان وهذا لأنها كانت تملك إيمان عظيم جداً وراسخاً كأقوى الجبال ، لهذا عاشت وكأن شيئاً لم يحدث لها لأنها كانت مدركة ومتيقنة وواثقة كل الثقة أن كل الأشياء تعمل معاً للخير وأن كل شيء يجري على ما يُرام لأنها كانت تعيش في الحق وبالحق وتعرف الحقيقة وهي أنها عضو من الله والله يدبر أمر هذا العضو الذي له ، فما دخلها هي؟! وهذا لأنها كانت مُنكِرة لذاتها تماماً أي كانت تعيش الحقيقة وهي أن نفسها ليست ملكها بل إن الله وكّلها عليها وهو أكثر دراية بهذا الهيكل ومدرك كل الإدراك ، فالعذراء قد صارت ناضجة على الرغم من صِغَر سنها كالمريض الذي أدرك تماماً مرضه وأدرك أن كل ما سيفعله الطبيب له هو الذي سيخلِّصه. فإن العذراء وهي  رمز لنفس اعتمدت بالحق  لأنها قبلت الصليب وكانت مستعدة لكل آلام فكان أساسها أرسخ من الجبال لهذا لم تستغرب البلوى المحرقة بل استودعت نفسها تماماً لله كامل الحكمة وسلَّمت لمَن يقضي بعدل واعتمدت لموته كما هو مكتوب "اعتمدنا لموته" أي وافقت على علاج الرب لها من أمراضها ووافقت لإدراكها الكامل بالله وإدراكها للحقيقة ولثقتها الكاملة فيه كما هو مكتوب "أنهم أقرّوا أنهم غرباء ونزلاء" وليس هذا فقط أي ليس أنها لم تتذمر بل تهللت وقالت تُعَظِّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله  مخلِّصي  بل إن القدير صنع بي عظائم.. صنع قوة بذراعه  أشبع الجياع خيرات ، عَضَّدَ الله من يتبعونه (إسرائيل)". فهذا هو النضوج الروحي الذي يُقاس بمدى استعداد الإنسان أن يُضحِّي بأي شيء.

وعدم فهم أيوب  للحق  كلَّفه الكثير وجعله مسجون في سجن الضيق والأحزان وعدم السلام.. لأن الحق هو فقط الذي كان به يستطيع أن يتحرر ، فقد كان يمكن للسيدة العذراء أن تقول: "هل يارب لأنك سوف تولَد مني أتعذَّب كل هذه العذابات؟!!" لكنها كانت كالطفلة التي لها أب يحبها محبة عجيبة جداً واكتشفت هي هذه المحبة وتمتعت بأبوته وكانت تراه كل يوم ، وفي يوم استيقظت ووجدت نفسها في غرفة عمليات وأبوها يُمسِك بالمشرط والسكين في لها ، ووجدته بدأ يقطِّع في أجزاء من لحمها. فلم تتكلم لأن ثقتها ومعرفتها الكاملة بأبيها الكامل الحكمة والكامل المحبة جعلتها متأكدة أنه أولاً يفعل كل هذا لمصلحتها بل وأيضاً لأجل فيض محبته وحكمته أيضاً فإن أي شيء يفعله سيكون نتيجة طبيعته التي هي المحبة … إذاً لماذا تتكلم؟! غير أنه ماذا تفهم هي في الطب وفي المرض؟! وهل لها المعرفة أكثر من أبيها؟! فليس لها أن تتكلم.. "فبالإيمان نسلك لا بالعيان". لهذا مكتوب "بالإيمان سقطت أسوار أريحا.. بالإيمان يحلّ المسيح في قلوبنا.. بالإيمان تثبتون.. بالإيمان البار يحيا وكل نفس تحيا ، وبدون الإيمان لا نحيا ولا نثبت ولا يحل المسيح فينا ولا نغلب ، فهذه هي الغلبة التي بها نغلب العالم إيماننا". فإن العذراء إن لم يسمح لها الرب بصليب كانت هي نفسها ستطلب أيضاً ، كالقديسة أنا سيمون التي ذهبت بنفسها تمثل دور هبيلة حتى تميت ذاتها تماماً لأنها أدركت وفهمت الحق كله ، فإن ذات الإنسان هي أساس كل الأمراض والآلام التي يشعر بها الإنسان ، بل هي سبب هلاك الجنس البشري. فلو أنكر كل إنسان ذاته لعاش في الحق ولكان استطاع أن يعيش في الإيمان ، لأن الذات هي إحساس الإنسان بوجوده وهذا ما يجعل أن الله غير موجود في حياته لكن بصلب الإنسان لجسده وذاته وإنكاره لها بالتوقف عن طاعتها سيقول مع القديس "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح الذي يحيا فيَّ" وهذا بعد أن يتحرر الإنسان من عبوديته لجسده وذاته لأنه طالما الإنسان مازال يطيع جسده أو ذاته سيظلّ عضو وأداة فيهما لجسده وذاته ولكن بالتحرر منهما بعدم طاعته لهما يستطيع أن يعود في الرب ليكون عضواً فيه.

وهكذا كل إنسان لابد له أن يثق بالرب كالمريض الذي أدرك مرضه الخطير المهلك وأدرك أيضاً أنه لا يوجَد سوى علاج قاسي بعملية جراحية صعبة فيها سيستأصل وسينزع الطبيب جزء من جسمه ولكن لأنه ناضج ويَعي ويفهم أن الطبيب سوف يخلِّصه وسوف ينقذه من موته المهلك وافق وأقرّ بل شرع وأسرع أيضاً في إتمام العملية والأكثر من هذا بدأ يترجَّى في الطبيب في أن يُسرِع في العلاج حتى ينقذه ويُخلِّصه سريعاً حتى يُشفَى وتكون له حياة هكذا كل مَن أدرك خطورة العبودية التي ولد فيها كل إنسان بالجسد والتي لو استمر الإنسان فيها سيهلك لا محال ، فيبدأ يصرخ للرب بأن ينقذه فيبدأ بصلب جسده هو أولاً بل ويطلب من الرب أيضاً أن يَهِب له أي صليب يراه الله بحكمته نافعاً لخلاصه ، وهذا بإدراكه الكامل أن هذا سيُسرِع من شِفائه. وهكذا أكمل القديس يوحنا المعمدان كلامه "الذي بعدي أقوى مني الذي رفشه في يده [وهي عمل الرب فينا ومعنا بقوته] لينقِّي بيدره ويجمع قمحه إلى مخزنه [وهي النفوس التي ستَقبَل الصليب أي العلاج لكي تُشفَى]".

لهذا قال الرب "مَن أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني" لأنه هناك شرط حتى يتم الفداء وهو أن أُصلَب مع الرب أي أصلب هذا الجسد الذي أنا مُوكَّلٌ عليه الذي أنا صرت أيضاً عبداً له وتُصلَب ذاتي أيضاً أي لا أنفذ مشيئة ذاتي وإلا سأستمر عبداً لهذا الإله … فإن الله تألم وأعطانا مثالاً حتى نتبع خطواته وليس كما يعتقد الكثيرون أنه مات عنّا وأنه سوف يغفر خطيتي بدون أن أُصلَب معه… لأنه إذاً كيف يستوفي عدل الله مجراه؟!! فكان الكتاب واضحاً في هذا وسير القديسين الذي عاشوا حياة الصليب معه وكانوا يذبحون أجسادهم ويحسبون أنفسهم ذبيحة حتى يماتوا كل يوم مع الرب كما هو مكتوب "من أجلك نُمات كل النهار قد حُسبنا مثل غنم للذبح" ، "فإن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه" ، "و إن كنا متحدين معه بشِبه موته نصير أيضاً في قيامته " ، "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه …  ليُبطَل جسد الخطية كي لا نعود نُستَعبَد أيضاً منه" ، "لأعرفه و قوة قيامته و شركة آلامه متشبها بموته"(في3: 10). "لما كنا في الجسد كانت كل أهواء الخطايا تعمل في أعضاؤنا – والنتيجة – فنثمر للموت" ، "أما الآن فقد تحررنا من ناموس الجسد إذ قد  مات  الذي كنا  ممسكين فيه  حتى نستطيع أن نعبده في جِدَّة الروح [أي بالروح التي قامت بعد موت الجسد كالجنين الذي اكتمل ووُلِدَ وكالمسيح الذي قام بعد موته] لا بعتق الحرف"(رو7).

فأي إنسان لم يَقبَل أي شيء أو أي صليب يسمح به الله الآب في خطة حياته … إذاً فهو رفض أن يكون الله هو العقل والرأس بالنسبة له. ولكن مَن يريد أن يكون الله هو عقله ورأسه ليكون عضواً في الله فلابد أن يَقبَل أي شيء أو أي ألم أو أي صليب من الله  بإيمان كامل  ، وبهذا الإيمان يستطيع أن يكون حينئذٍ عضواً في الله لأن قبوله لأي شيء يسمح به الله معناه أنه قَبِلَ أن يكون الله الرأس والعقل الذي يأخذ منه أوامره ، أمّا إذا رفض الإنسان أي صليب وتذمَّر فهو بذلك يعلن أنه يريد أن ينفِّذ مشيئة ذاته إذاً فهو مازال في عبودية وإطاعة لذاته ويقبل أن يستمر هكذا ، إذاً هو لا يقدر أن يكون عضواً في الله طالما هو رفض مشيئة الله أي رفض أن يكون الله عقله.

فمَن أراد أن يكون عضواً في الله يقبَل أي شيء من الله.

ومَن أراد أن يكون ابناً لله .. يقبَل أي شيء يسمح به الله له وبرضى وبإيمان  كامل وتسليم.

ومَن أراد أن يكون شيئاً واحداً في الله ليصير صورة الله ومثاله يجب أن ينكر ذاته تماماً ، و يقبَل أي ألم أو صليب يسمح به الله ليصير الله حينئذٍ عقله ورأسه فيستطيع أن يكون عضواً في الله و شيئاً واحداً في الله وصورة الله ومثاله.

 

فالصليب  هو عمل الله في الإنسان وبواسطته يُبطِل عمل الآلهة التي استعبد لها

الإنسان وليميت ويحرق طبيعة كانت قابلة للاحتراق ، أي عندما يسمح الله بصليب لتموت ذات الإنسان ويسمح بأن يهينه ويضطهده الآخرين ، فلو تألم هذا الإنسان سيكون تألمه هذا بسبب أنه هناك شيئاً موجوداً وهو الكرامة وإحساس الإنسان بكينونته وأنه إله وهذه هي ذاته ولولا أنها موجودة لما شعر بألم. فالذات والكرامة يحترقان في ذلك الوقت طالما هما موجودتان ، فهما كالمادة القابلة للاحتراق ، لكن لو ماتت الذات والكرامة [أي أنكر الإنسان ذاته تماماً] فإذا أهانه أي إنسان بعد ذلك لا يتألم أي لا يحترق لأن الذات وهي المادة القابلة للاحتراق قد انتهت ، وبالتالي فليس للنار أي فاعلية بعد ذلك على الرماد لأنه قد مات الذي كنا مُمسكين فيه(رو7) أي مات وانتهى الشيء الذي كان يجعلنا نشعر بألم. فالذات كمادة الورق لأنها قابلة للاشتعال لأنها فجوة لا نهائية الاتساع وهي عقل الإنسان ، وكان الله قد جعلها هكذا حتى يمتلئ عقل الإنسان من الله الغير المحدود ، ولكن لعدم قبول الإنسان أن يكون عضواً في الله بعدم طاعة الإنسان له ، صار الإنسان أداة للذات لأنه نفّذ مشيئة ذاته فصارت الذات فجوة تريد أن تشبع ومديح الناس هو قوتها الرئيسي ، وعندما يُهين أي إنسان آخر فهو بذلك منع عنه طعامه الذي كان يُشبِعه وبهذا صار في جوع لا يُحتَمَل ، لأن هكذا خلق الله الإنسان إن لم يمتلئ منه أو امتلأ الإنسان من أي شيء آخر سيصير قلبه وعقله في فراغ وجوع وهذا يؤدي لآلام شديدة ، لهذا يبدو الإنسان كأنه يحترق ، كالإنسان الذي لم يأكل لعدة أيام لأن إنساناً آخر منع عنه الطعام ، فيشعر بآلام جوع لا تُحتَمل ، هكذا الإنسان لو ضاعت سُمعَتُه مثلاً. وهذه الآلام ربما تؤدي إلى انتحار هذا الإنسان ، وهذا لأنه لم يقدر أن يحتمل أن يعيش بلا كرامة كالإنسان الذي مُنِعَ عنه الطعام تماماً. وهذا شيئاً مخيفاً جداً ، لكن لو بدأ الإنسان يطلب أن ينقذه الله ففي الحال يُسرِع الله ويبدأ أن يملأ فجوة عقله وبالتالي قلبه ، فتبدأ أن تهدأ آلام جوعه هذه أي يبدأ الله أن يملأ هياكلنا بروحه.

وكان هذا هو هدف الله من كل صليب وضيقة يسمح بها لتقوم أرواحنا لكي يبدأ يسكن الله في هياكل أرواحنا كما هو مكتوب

"إن كان إنساننا الخارجي يفنى فالداخل يتجدد".

فطبيعة الإنسان كالورق قابلة للاحتراق وأي تجربة وصليب للذات هي كالنار تجعل الإنسان يتألم ويحترق لأنه مازال كالمادة القابلة للاحتراق لكن لو فتح الله ذهنه سيبدأ يدرك ويتقبَّل أي صليب كالمريض الذي يتقبَّل سكين الطبيب الذي به يستأصل ويقطع الجزء المُهلِك الذي في جسد هذا الإنسان الذي لو بقي فيه سيهلك الإنسان ويميته. لكن لو مات الجسد وماتت الذات تماماً بنعمة الله وصليبه سيكون لا قيمة للنار تماماً على الإنسان بعد ذلك لأنه قد ماتت الذات أو الجسد اللذين هما كالمادة القبلة للاحتراق ، وهذا كان كل هدف الله. ووجود الكرامة والذات هو السبب الذي كان يجعل الإنسان الذي مازال بالجسد يحترق ويتألم في أي صليب ، لأنه يشعر باحتراق شديد بسبب أن الصليب يحرمه من شبع كان يشبعه ، كالذات التي كانت تجد شبعها في مديح الناس. لكن لو سمح الرب بتجربة مثلما حدث لأيوب ، فإن الإنسان يشعر بآلام شديدة ناتجة من جوع فجوة الذات بسبب أنها امتنعت عن الشبع الذي كانت معتادة على أن تشبع منه ، لكن بالطبع الله يريد أن يميت سياق واستعباد الآلهة التي كانت تربطنا وتسبينا وتسوقنا ، وكان يريد إخراج هذه الآلهة بل وفناءها لكي يبدأ أن يحلّ هو ويسكن في عقولنا وقلوبنا ليملأ هذه الفجوات هو لكي نشبع الشبع الحقيقي ولا نعيش في الوهم بعد ونغترّ فنهلك. ولا يمكن أن يسكن الله ويحلّ فينا إلا لو توقّف الإنسان بكامل إرادته وكامل جهاده أيضاً عن عبادته لهذه الآلهة ، فهيكل الله قد اتسخ بسبب خطايا الإنسان التي فعلها نتيجة عبوديته هذه ، فكان لابد أن يتوقف الإنسان عبادته لجسده ولذاته أولاً ويقاومهما وفيما الإنسان بقوة يقاوم جسده وذاته ولا يطيعهما بصلب جسده وقبوله لأي صليب من الرب لجسده أو ذاته يبدأ الله المصلوب يموت عنه ، وهذا عندما يتحد الإنسان مع "الله المصلوب" بجسده المصلوب هذا. وشيئاً فشيئاً تُزال الخطية ويولد الإنسان من الماء ويصير نقياً حينئذٍ يقدر الله أن يسكن في هيكله بعد أن تهيأ تماماً. وبالاتصال الدائم بالله نمتلئ منه شيئاً فشيئاً إلى كمال الامتلاء منه إلى أن نصل إلى قياس قامة ملء المسيح نفسه.

أما الآن فقد تحررنا من ناموس وطبيعة الجسد إذ قد مات الذي كنا مُمسكين فيه أي مات الذي كنا مُستَعبدين منه الذي كان يجعلنا نفعل الخطية رغماً عنّا وممسكين فيه أي كانت الجسد والذات تجعلنا متألمين بسبب الآلام التي كان تشعر بها بسبب حرماننا من شبع كنا نجده عندما كنا عبيد لهذه الآلهة.

 وقد تحررنا من ناموس الجسد  أي تحررنا من طبيعة عبودية هذه الآلهة  وحُكمها علينا وسلطانها ، وتحررنا من كَوننا كنا نسير حسب مشيئتها لأننا كنا أموات بالذنوب لأننا كنا تحت سلطان وحسب رئيس دهر هذا العالم.

ومات الذي كنا مُمسكين فيه أي مات الذي كنا نتألم بسببه ونحترق لأن الطبيعة التي كانت قابلة للاحتراق وهي الذات التي كانت فجوة إن لم تشبع بمديح الناس تصير في آلام جوع لا يُحتَمل.

أي مات الجسد والذات ، أي ماتت الآلهة التي كنا نتألم بسببها وهي آلام حرمان الإنسان من شبع كان يعتقد أنه شبع حقيقي لكنه وهْم بل وسُمّ قاتل كان يزيد من عبودية الإنسان ، كالذي كان يضع قطع حديد أكثر في الإناء المربوط فيه أمام المغناطيس. فكل مَن يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً ، فهو لم يكن شبع حقيقي بل موت حقيقي ، إذاً هذه الآلام هي آلام بسبب أن الله يقطع شيئاً كان الإنسان مستوطن فيه كالمرض الذي انتشر في جلده ولحمه وهو مرض خطير ومُهلك ، ويأتي الطبيب ويبدأ في قطعه وبتره. فهذه الآلام كأنها مثل إنسان حرمناه من طعام فاسد لأنه كان مسبي ولم يكن يدرك أنه طعام مميت ، وفعلنا هذا حتى نقدر أن نُفرِغ معدته من هذا السُم لنبدأ في إعطائه الشبع الحقيقي. لكن لابد أن يتألم أولاً كما أخبرنا الرب أنه بآلام وضيقات كثيرة ينبغي أن نرث الملكوت وما أضيق الباب وأكرب الطريق المؤدي إلى الحياة ، وهذه الضيقات بسبب موت شيء في الإنسان قد تطبَّع عليه لأن الإنسان صار جزءاً وعضواً في ذاته بل صار شيئاً واحداً ، لكن لو بقي هكذا فسيهلك. لهذا نحن لو طلبنا أن نكون في الله فسيفتح الله أذهاننا ويُعَرِّفنا أننا كالمريض الذي اكتشف أن به مرض سرطاني وإن لم يستأصل هذا المرض ويُزال سيهلك لا محالة. و عندما يفتح الله ذهن الإنسان سيُظهِر استعداده في الحال لقبول أي صليب أو آلام وسيقول مع الرب "أما أنا فمستعد للسياط ووجعي مقابلي". ويبدأ الإنسان يعتمد للرب أي يعتمد لموته أي يقدم موافقته على أي آلام كالمريض الناضج الذي أدرك خطورة مرضه وأنه يحتاج لعلاج سريع ومهما كلَّفه الأمر وكان العلاج صعباً وشديداً ، فإن آلام هذا الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستَعلَن فينا.

فإن الذات هي وهم … فهل نُضَحِّي بالوجود الدائم مع ملك الملوك لأجل وهم … وسيزول؟!

فأي إنسان بالجسد مثل إنسان أعمى مربوط في تنين هائل وقد سمع عن الملك الذي في أعلى قمة الجبل وأن الملك يدعوه ليحضُر له لكنه لا يقدر أن يتحرّك. وقد سمع عن الملك لكن هذا الإنسان لا يقدر أن يتحرك ، فهو يتحرك حسبما يُحرِّكه التنين ويذهب حيثما يذهب التنين وهذا الوحش. فهو يعيش حسب مشيئة وأهواء هذا الإله لكن الأمر متوقف كله على إرادته فلو أراد الذهاب للرب ، فليصرخ إلى الرب ، فإذا صرخ  فسوف يأتي الرب سريعاً وينزل بفأسه على أصل الشجرة. ولو استمر الإنسان بالجسد سيظل  يُخطئ  وهذا لعبادته لجسده  وسيظلّ  مُخدَّراً   لعبادته لذاته  ، لكن أعطى الرب بالطبع كل إنسان حرية الإرادة الكاملة ، ولكل إنسان أن يفعل ما يشاء. وأعطى الله الإنسان العقل فقط حتى يختار الإله الذي يكون فيه ، وبعد ذلك حسب مشيئة هذا الإله سيعيش الإنسان ، وكان لابد للإنسان أن يعرف ويدرك هذه الحقيقة أنه ليس أكثر من عضو و هكذا خلقه الله حتى يكون عضو فيه وبعد ذلك لا يحتاج أن تكون له مشيئة أو رأي لأن الله بعد ذلك سيسوقه ويحرِّكه بحسب مشيئته. فإن الله لم يخلق الإنسان لكي يتحكم أو تكون له أي مشيئة في أي شيء في هذا العالم بل خلق عقله وقلبه ليمتلئا من الرب كمال الامتلاء. والعقل قد أعطاه الله للإنسان ليكون له الحق فقط في شيء واحد وحيد فقط وهو اختيار الإله الذي يكون فيه ، وبعد ذلك سيُساق من الإله الذي يكون فيه سياق كامل وسيكون لا رأي له ولا مشيئة بعد ذلك. واختيار الإله يكون بِطَاعة الإنسان لهذا الإله   لهذا عندما أطاع آدم ذاته فهو بذلك رفض أن يكون في الله.

ولكن بإطاعة الله سنصير أعضاء فيه وهذا بتوقف الإنسان عن عبادة الجسد ، ويوماً بعد يوم سنمتلئ من الله إلى كل ملء الله حتى نصير على صورته ومثاله حتى نصير مشابهين لصورة ابنه أي حتى نكون على صورة الله عندما كان بالجسد على الأرض فهو قد جاء إلى الأرض ليرينا بنفسه الصورة التي يشتاق ويشتهي أن نكون فيها ، وجاء بنفس طبيعتنا تماماً حتى لا يرينا شيئاً يجعلنا نعجز عن تنفيذه بل أرانا بنفسه وبنفس طبيعتنا الضعيفة وشابهنا في كل شيء … ليؤكد لنا

كيف ونحن في هذا الجسد نستطيع أن نصير على صورة الله نفسه ومثاله هو ، أي كما كان الله والابن واحداً نصير نحن أيضاً ، والدليل على ذلك أن الله هو بنفسه أخذ شكل الجسد وصار في صورة الابن وصار الابن هو هو نفسه والآب  واحداً في الجوهر  ، فهو كان يريدنا أن نكون هكذا أي نكون مشابهين لصورة ابنه الذي هو هو نفسه كان الله الآب أي أن نكون مشابهين للآب بل ونكون في صورته ومثاله كما هو مكتوب "كونوا متمثلين بالله" (أف5: 1) . لهذا أوصانا أن نصل إلى إنسان كامل إلى قياس قامة [أي نفس مقدار] ملء المسيح الذي هو نفسه الله. فكانت هذه الصورة هي التي اشتاق الله أن تكون في آدم وهي أن يكون آدم على صورة الله ومثاله ولهذا خلقه الله وهكذا:

خلق الله الإنسان أيضاً ليكون على صورته ومثاله

وليس كما اعتقد البعض أن الله خلقنا على صورته ومثاله في الثالوث مثلاً أو أننا ثلاثة في واحد ، فعندما خلق آدم كان آدم هيكلاً فارغاً فكيف لهيكل ترابي فارغ أن يكون على صورة الله ويكون مثاله أيضاً فهو كان خالياً من الله ومن أي جود؟! ولكن أعطاه الله أن يكون على صورته ومثاله وكان هذا سيكون نتيجة طبيعية لو امتلأ منه كل الملء. وكان هدف تجسده أن يرينا كيف نكون هكذا ونصل إلى هذا الملء وهذا المستوى وهذه الصورة ، هكذا قد وعد الرب "أنا قد جعلتكم آلهة" فكان يريدنا الله أن نكون على صورته أي شركاء في الطبيعة الإلهية ومثاله في كل الصفات من كمال الاتضاع وكمال المحبة وكمال القداسة وكمال الطهارة وكمال الحكمة وكمال العدل أي كما كان المسيح نفسه الذي هو هو نفسه الله كما قال "أنا والآب واحد". فعندما قال الكتاب أن الله تجسد وجاء في صورة ابن كان يقصد أن الله جاء في صورة إنسان ليرينا كيف يصير هذا الإنسان ابناً لله ثم باستمرار النمو فيه والامتلاء يصير واحداً فيه ومساوي له في الجوهر كما كان المسيح الذي هو نفسه الله مساوي مع الآب أي كان مثالاً لإنسان يسعى إلى أن يصل لكي يساوي الآب في الجوهر ، وكان الله واضحاً عندما قال "كما أن أباكم الذي هو في السماوات هو كامل كونوا أنتم أيضاً كاملين". فجاء الله بنفسه وهذه كانت أعظم هبة وعطية وعمل رآه كل سكان السماء من الله أن يأتي بنفسه ليرينا كيف نصير واحداً فيه وكيف نصير بجسدنا هذا أبناءً له ، ثم بعد ذلك نصير واحداً مع الله كما كان المسيح بنفسه الذي هو هو نفسه الله الذي جاء في صورة جسد. هكذا يريدنا أن نكون على قياس قامته هو هو نفسه. فبعد أن عبر الإنسان المرحلة الأولى وهي الولادة من الماء ووصل إلى الصفر الذي هو الصورة التي خلق الله آدم عليها الذي كان إنسان هيكله نظيفاً جداً ، فعندما يبدأ في المرحلة الثانية وهي مرحلة امتلاء الروح يبدأ أن يولد من الروح أي يبدأ أن يصير عضواً في الله والله يصير عقله ورأسه حينئذٍ نستطيع أن نقول أن هذا الإنسان وُلِدَ من الله لأن الله بدأ يوجد فيه وهو ولد من الروح أي بدأ يوجد روح الله فيه وبدأ يُساق من الله تماماً ، فباستمرار اتصاله بالله بالصلاة الدائمة مثل كل القديسين سيصل إلى كل ملء الله أي ليس امتلأ 80 أو 90 % أو 99.9 % بل باستمرار الامتلاء يمتلئ إلى كل الملء فحينئذٍ سيصير على صورة الله ومثاله. وهذا كان قصد الله عندما قال كونوا كاملين ، وهذا هو الطريق إلى كمال الامتلاء من الله وهذا ما كان يشتاق الله من كل إنسان أن يصير ، أي يكون ممتلئاً منه كمال الامتلاء فحينئذٍ سيصير على صورة الله ومثاله أي يصير ويصل أيضاً إلى قياس قامة ملء المسيح نفسه الذي هو هو والآب واحد في الجوهر. فالإنجيل واضحاً جداً وهذا مكتوب في كلام الله ويبقى أن يريد الإنسان ، فإن الله لا يرينا شيئاً أو يطلب منا شيئاً يجعلنا نَعجَز عن تنفيذه وإلا لما طلبه ، فليس من الحكمة من إله كامل في الحكمة أن يطلب شيء يستحيل أن يكون ، بل إن الله عندما أمرنا أن نكون كاملين كان هذا أكبر دليل أنه أعطانا كل ما نحتاجه. فإن كان أهل العالم يقولون "إن أردت أن تُطاع فاطلب ما يُستطاع"!! فكَم وكَم إله الحكمة نفسه؟! فإذا كان هناك أب يعيش في مصر وطلب من ابنه الذي كان طفلاً أن يُحضِر له نبات موجود ويُزرَع في جبال الألب ، فبماذا سنحكم على هذا الأب؟! فبالطبع سيكون هذا الأب غير عاقل تماماً إذ يطلب من طفل شيء يستحيل أن يُحضِره له ، بل وهو لا يحب ابنه أيضاً لأنه يريد أن يُشعِره بالعجز ، أي ليس فقط أن هذا الأب مجنوناً وغير رشيد بل هو أيضاً إنسان قاسي وظالم يريد أن يُشعِر ابنه بالعجز ، ويستحيل أن يكون الله بهذه الصورة عندما أمرنا أن نكون قديسين كما أن أبانا الذي في السماوات هو قدوس أو عندما أمرنا أن نكون كاملين ، فمكتوب أن "قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى لنصير  شركاء في الطبيعة الإلهية ". أي إنه لولا أن الله أعطى الإنسان كل ما يحتاجه بل وجاء بنفسه حتى يرينا كيف نصل إلى هذا الكمال لما استطاع بكامل حكمته بكامل رحمته ومحبته أن يطلب منا أن نصير كاملين ونصل إلى قياس قامته هو نفسه حتى نصير على صورة الله ومثاله وهذا كان هو كل هدف الله يوم أن خلق الإنسان.

والمشكلة تكمل أيضاً في الطبيعة التي خلق الله الإنسان عليها أنه سيصير شيئاً واحداً في الإله الذي اختاره بطاعته له. والآن صارت كل البشرية في الجسد.  والآن  الذي يريد أن يعود في الله ويصير عضواً فيه ويصير شيئاً واحداً فيه يبدأ … أولا: إظهار صدق إرادته بصراخه للرب ، … ثانياً: سيفتح الله ذهنه ويجعله يدرك خطورة الحال الذي هو فيه وحقيقة الأمر كله ويفهمه أنه لابد أولاً من التوقف عن طاعته لجسده وسوف يُقوِّيه ويعينه الرب بنعمته ، … ثالثاً: لو وافق الإنسان وقَبِلَ هذه التضحية سيبدأ في صيام حقيقي وصلاة حقيقية والصيام يكون عدم إعطاء الجسد أي شيء يشتهيه أو يهواه أو يرغبه بأي صورة ولا يكرر ما فعله آدم … رابعاً: يبدأ روح الله يُبكِّت هذا الإنسان على كل خطاياه فيعترف بها أمام الله وأمام الكاهن ويتناول جسد الرب المصلوب وفيما هو يصلب جسده يتحد مع الله المصلوب بجسده المصلوب ويصيرا شيئاً واحداً فتنتقل خطيته لله ، وشيئاً فشيئاً تُغفَر كل خطاياه باستمراره في جهاده حتى الدم في صلب جسده في أهواءه وشهواته وقبوله لأي صليب لذاته من الرب بفهم كامل أن الله يُخلِّصه من عبوديته لذاته ولجسده.

فالله هو مصدر الحياة الحقيقي كالماء للبذرة ، ومَن لم يتصل بالله بالصلاة الدائمة لا يحيا غير أنه لا يشبع فسيظل في جوع لا نهاية له مما يجعله يظل في عبودية. وشرط اتصال البذرة بالماء هو موتها ودفنها ، هكذا الإنسان لا يمكن وهو هكذا بهذا الجسد أن يتصل بالله لأنه يعبد جسده ، فلا يقدر أن يتصل بالله إلا لو مات ودُفِن أي صلب جسده هذا أي توقف عن عبادته له أي إطاعته له لأنه صار في جوع لا نهاية له لعدم شبعه بالرب ، و الإنسان صار عبداً له. لكن الشبع بالله بالامتلاء منه باتصال الإنسان بالله بالصلاة فهذا هو الذي سَيَسِدّ هذا الجوع ، ولكن كان لا يمكن أن تبدأ صلة حقيقية بين الإنسان والله إلا لو كان الإنسان صادقاً ويريد بالحق أن يكون في الله ، وكان بالطبع أول شرط للرجوع لله لكي يحيا الإنسان باتصاله بالله مصدر الحياة هو … أن يتوقف عن عبادته لجسده لأنه لا يستطيع أحد أن يعبد ويخدم سيدين في وقت واحد. ولكي يستطيع أن يقاوم جسده ولا يطيعه يصرخ إلى الله ويطلب منه أن يبدأ روح الله يقوِّي الإنسان فيبدأ الإنسان في الصيام الحقيقي أي صلب الجسد عن أي شيء يطلبه. و هكذا فعل كل القديسون ، لأنهم أرادوا بالحقيقة أن يحيوا في الله ، فعرفوا وأدركوا أن الله هو مصدر الحياة الحقيقي ومَن لا يتصل به سيموت ، وبالاتصال بالله ستبدأ الحياة الحقيقية للإنسان ، وباستمرار الامتلاء منه سنمتلئ إلى كل ملء الله وستكون طبيعتنا كطبيعة الله. لهذا أوصانا الرب ? صلوا كل حين   صلوا بلا انقطاع   صلوا ولا تملوا ?. فمكتوب أيضاً لكي ?تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي ، لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى مثمرين في كل عمل صالح ونامين في معرفة الله ، مُتَقوِّين بكل قوة بحسب قدرة مجده ، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته ، الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا ، إن ثبتم على الإيمان متأسسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل الذي سمعتموه المكروز به في كل الخليقة التي تحت السماء ،  السر المكتوم  منذ الدهور و منذ الأجيال لكنه الآن قد أُظهِر لقديسيه ، الذين أراد الله أن يُعرِّفهم ما هو غنى مجد هذا السر في الأمم الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد ، فهو سُرّ أن يحلّ كل الملء ، لكي يَصِل كل إنسان كاملا في المسيح يسوع?(كو1).

?لا تخف لأني معك .. لا تخف لأني فديتك .. دعوتك باسمك أنت لي.. فإذا اجتزت في المياه والأنهار لا تغمرك ، و إذا مشيت في النار فلا تحرقك .. إذ صرتَ عزيزاً في عيني مكرماً وأنا قد أحببتك. قد قايضت شعوباً عوضاً عن حياتك وبادلتُ أناساً بك"(أش43) " فلا تخف لأني معك لا تتلفت لأني إلهك قد أيّدتك وأعنتك وعضدتك بيمين برِّي ، أنا الرب إلهك المُمسِك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أُعينك … البائسون والمساكين طالبون ماء ولا يوجد … لسانهم من العطش قد يبس … أنا الرب استجيب لهم … أنا إله إسرائيل لا أتركهم ، أفتح على الهضاب أنهارا و في وسط البقاع ينابيع … لكي يعرفوا وينظروا ويتنبّهوا إني أنا الرب قدوس إسرائيل أبدعت هذا?(أش41 ).

هذه هي  الحياة الأبدية وهي أن   يعرفوك  أنت  الإله الحقيقي  وحدك

كان كل هدف الله هو أن  نعرفه معرفة شخصية  ، وهذا سيكون نتيجة طبيعية إذا أصبحنا أعضاء فيه ، لكن لا يمكننا أن نخبر إنسان في مصر عن صديق لنا في الخارج به كل الصفات الجميلة ونطلب من هذا الإنسان الذي في مصر أن يحبه كثيراً ، فمهما أخبرنا هذا الإنسان الذي في مصر عن هذا الصديق ومهما حكينا عنه كل شيء ، فلا يقدر أن يقول هذا الإنسان الذي في مصر : أني أصبحت أعرف هذا الإنسان الذي بالخارج. لأن مجرد السمع عن إنسان لا يجعله يعرفه المعرفة الشخصية.

فإن كثيرون يسمعون عن الله ويقرءون عنه كثيراً ، لكن ليس هذا هو هدف الله من خلقه لنا أن  نسمع عنه  ، بل أن نعرفه المعرفة الشخصية ، لهذا عندما أدرك أيوب الرب وعرفه معرفة شخصية بعد آلامه وصليبه الذي أمات به الرب ذاته فتحرر من عبوديتها واستطاع أن يكون عضواً في الله ، حينئذٍ قال لله ?بسمع الأذن قد سمعت عنك ، أمّا الآن فقد رأتك عيناي..?.

 إذا        الطريق  إلى الحياة

إن الطريق للحياة هو طريق الإنسان من مكان عبوديته التي ولد فيها إلى أن يكون في المسيح أي أن الطريق يبدأ من حيث كان الإنسان عضواً في جسده وذاته إلى أن يصل أن يكون عضواً في المسيح.

 أي أن  ما كان يجب أن يعمله الإنسان الذي ولد بالجسد ومازال هو عبداً لجسده ولذاته حتى يتحرر أولاً من عبوديته ، أي يولد من الماء في أول مرحلة ثم تكملة طريقه ، أي ما ينبغي على الإنسان أن يعمله أيضاً عندما يتحرر ليبدأ يولد من الروح ، فهو إذاً طريق واحد لا يتغير مع كل إنسان. ولأن الهدف واحد أي أن هدف خلق الله للإنسان هو هو نفسه لكل إنسان. إذاً  هناك طريق واحد فقط  للعودة لله  أي أنه  : سواء الإنسان متزوج أم غير متزوج أو يعيش في دير أو في قرية أو في مكان في أوروبا ، وسواء هو متعلّم أو جاهل أو عالم في عِلم أو جاهل أو أسقف أو وزير ، فإن الطريق إلى الله هو واحد لأن هدف خلق الله للإنسان لا يتغير من إنسان لآخر.  أي أنه  لا يقول إنسان متزوج إذا قرأ سير القديسين : إن  هذا الطريق ليس لي  بل للرهبان فقط. أو لا يقول إنسان ذو مكانة عالية في المجتمع كوزير مثلاً ودائماً مشغول: لأن الطريق كرب ليس لي ، ولا الباب الضيق لي ، فهناك طرق كثيرة للخلاص وهذا الطريق الكرب ليس لي. فبالطبع مَن يقولون هذا هم غير فاهمين ولا مدركين للحقيقة ، لأن الله الذي أوصى بالسير في الطريق الكرب قد أوصى بهذه الوصية كل نفس ، و عندما أوصى بل أمر أن نكون كاملين أمر كل نفس. فلا يوجَد غير طريق واحد يؤدي بنا إلى الله أي إلى أن نكون أعضاء فيه سواء الإنسان متزوج أو راهب أو متعلم أو جاهل أو مسيحي أو يعبد النار ، فإن الله خلق الإنسان ليكون عضواً فيه و عندما رفض الإنسان وأطاع ذاته وجسده صار في عبوديتهما. والذي يريد أن يعود ليكون عضواً في الله  … لابد أولاً : أن يتوقف عن عبادته لجسده وذاته ويصلبهما ، أي لا يطيعهما في أي شيء ليولد أولاً من الماء ليتهيأ هيكله. وسواء هذا الإنسان متزوج أو في صحراء ، فما علاقة هذا بالطريق أي بالعمل والجهاد والأعمال التي لابد أن يعملها حتى يتحرر من عبوديته؟! فإن الطريق واحد وهناك جهاد واحد ووسيلة واحدة لكي يتحرر الإنسان من عبوديته ويستطيع أن يعود لله ، فإن كثيرون في الكنائس طوال حياتهم ولم يصبحوا قديسين حتى الآن ، ولكننا نجد إنساناً مثل دانيال الذي كان رئيس للوزراء [الوزير الأول] ، ومع هذا كان المحبوب لدى الله والذي سجد له أعظم ملك في الأرض في ذلك الوقت وهو نبوخذ نصر ملك بابل وهذا لأنه كان ملتصقاً بالرب وصار هيكلاً له لأنه سار مع الله أي سار في نفس الطريق الذي سار فيه كل القديسون الذين صاروا أعضاءً في الله وهياكل حية له ، لأن الله واحد إذاً الطريق واحد لأن  الله هو نفسه الطريق  ، إذاً كل مَن يريد أن يكون مع الله سيبدأ أن يسير معه في نفس الطريق وهو الوجود مع الله والجهاد في الصوم والصلاة ليتحرر أولاً من عبودية الجسد ثم بالاستمرار في اتصاله بالله بالصوم والصلاة كالبذرة لكي تكون شجرة – سوء في مصر أو في الصين أو سواء في منزل أو في صحراء ، سواء على جبل أو بجانب شاطئ – فهي  لابد لها أن تُدفَن  وتُسقى بالماء لتبدأ فيها حياة ،  فالطريقة واحدة لزراعتها  في أي مكان… فالذي يقول: "إن الطريق كرب ليس طريقي بل هو للرهبان وإن طريقي هو الزواج أو … " ، فهو مسكين لم يفهم. فهذه كلها أشكال وصور لوضع معين يسمح به الله بناءً على حكمة الرب التي رآها مناسبة لهذا الشخص كبداية. فقد يسمح لإنسان أن يتزوج ، وقد سمح بهذا أولاً: لأن الله يعلم أنه لا يقدر على السير في الطريق الكرب في بادئ الأمر وإلا سيرجع ويضعف ، لهذا سمح له الله بحكمة أن يتزوج أولاً ثم يعرف الحقيقة ويريد أن يعود في الله ، كما سمح لمريم المصرية ولم يفتقدها في بداية حياتها لأنه يعرف أنها عندما تتوب ستكون توبتها أقوى من أنها لو كانت ستبدأ هكذا. .. و هكذا ..

لكن لكي يكون الإنسان عضواً في الله ، هناك  حياة لابد أن يحياها  لكي يكون جزءاً من الله وهذه الحياة هي الطريق المؤدي إلى الله. ولأن الله هو الطريق نفسه .. إذاً  الطريق واحد  لكل نفس ولأي نفس تريد أن تكون في الله ، فأي إنسان في أي مكان وفي أي وضع – سواء كان مثل موسى الأسود أو مريم المصرية أو كان وزيراً – لابد له أن يجاهد نفس الجهاد أو يعمل نفس الأعمال لكي يقدر أن يكون في الله. و هكذا الله نفسه عندما تجسد لكي يعلّمنا الطريق عاش بطريقة ليعلّمنا الطريق للحياة فهو أعطانا  مثالاً  لنكي نتبع نحن أيضاً خطواته  وهذا المثال هو الطريق الوحيد المؤدي إليه  أي هو الوسيلة الوحيدة التي بها يستطيع أي إنسان يعود في الله بعد أن يتحرر من العبودية التي نحن فيها سواء كان الإنسان متزوج أو راهب أو أسقف أو عالم أو جاهل إذا أراد أن يعود في الله لابد أن يتمثّل بالله عندما كان على الأرض وأعطانا مثالاً للطريق الحقيقي الذي به نقدر أن نعود فيه لنصير أبناءً له ثم نصير على صورته ومثاله بكمال الامتلاء منه وهذا لا يكون إلا … بالتوقف عن عبادة جسده ليقدر أن يتصل بالله ، وليستطيع أيضاً أن  يتمم  شرط الاتحاد بالله المصلوب ليقدر الله أن يرفع خطاياه ، ليقدر أن يولد من الماء وبعد ذلك يقدر أن يولد من الله الروح. فلا علاقة للوضع الاجتماعي لأي إنسان ولا حالته بالطريق الذي يصل به إلى الله ،

فإن الحياة الأبدية أي الحياة مع الله بعد القيامة التي ستكون إلى الأبد يتحدد مصيرها من هنا

أي أن المكان الذي سنكون فيه إلى الأبد متروك لمطلق حرية كل إنسان ، فإن درجة اقتراب الإنسان إلى الله هناك في الأبدية وإلى الأبد  متوقفة تماماً   على درجة الامتلاء من الله الذي يكون نتيجة اتصال الإنسان بالله أي بحسب امتلاء الإنسان من الله أكثر سيكون قريباً منه هناك أكثر ، لهذا أوصانا ?صلوا كل حين? فكلما اتصل الإنسان بالله أي صلى الإنسان أكثر كلما امتلأ من الله أكثر. وهذا الاتصال بالطبع يكون مشروطاً على أن يكون الإنسان مصلوباً دائماً كالبذرة – التي لكي تضمن استمرار  اتصالها  بمصدر الحياة لكي تضمن استمرار  نموها  – لابد إنسان تكون في دفن دائم ، وهذا بالطبع يحتاج لجهاد دائم ، ولهذا السبب عشرات السنوات في موت دائم لأجسادهم ، لأنهم أدركوا هذه الحقيقة والتي هي أنهم كلما جاهدوا أكثر كلما ضمنوا استمرار اتصالهم بالله كلما امتلائهم بالله أكثر حتى يقتربوا إليه أكثر ما يكون هناك إلى الأبد ، لأنهم أدركوا أهمية وقيمة الله أنه هو مصدر الحياة بل هو  الحياة نفسها  وهو كل الفرح وكل الشبع ، فلماذا يحرموا أنفسهم إلى أبد الآبدين؟! لأجل أي شيء هل لأجل نفاية وشيء سيزول .. سيزول سواء طعام أو مال أو جسد؟! فهل يحرم الإنسان نفسه من الوجود مع الله إلى أبد الآبدين من أجل طعام أو مال سيزول؟! هل لهذه الدرجة وصلت حماقة الإنسان؟! إذاً ما فائدة العقل الذي أعطاه لنا الله؟! فالقديسون لم يكونوا حمقى مثل أهل العالم الذين أضاعوا الحياة الحقيقية بغباوة ما بعدها غباوة ، فقد أدركوا أن الله أعطاهم هبة الوجود ، ثم أعطاهم فرصة إظهار كامل رغباتهم في المكان الذي يكونون فيه في الأبدية إلى الأبد. لكن لأن الإنسان استوطن في الجسد صار غريباً عن الله كما قال الكتاب ?ونحن مستوطنون في الجسد غرباء عن الله? هذا لأنه صار عضواً في جسده وهذا معنى كلمة مستوطناً في جسده لأنه صار عضواً فيه بل وعبداً وأداةً له ولذاته ، أي صار مستوطناً في الباطل وفي الأمور التي تُرى المادية الزائلة ، فصار الباطل بالنسبة له حقيقة ، ولم يفكر في الأبدية التي هي الحقيقة والله الذي هو الحق نفسه ، بل صار الله بالنسبة له وهم .

فباطل الأباطيل والكل باطل

لأن آدم رفض  أن يصير  عضواً  في الله الإله  الحق  الذي هو  الروح الذي يُحيي  وهو مصدر الحياة الحقيقي ، فصار آدم عضواً في ذاته وفي جسده بل وأداة وعبداً لهما ، ولأن الجسد هو من طبيعة باطلة لأنه ماذا التراب الذي هو مادة من كيان سيزول ، لهذا صارت طبيعة الإنسان المولود من الجسد باطلة أي أن كل شيء  باطل  في هذا العالم صار  حقيقة  بالنسبة له ، وهذا هو السبب الذي جعل الله – الذي هو وحده الشيء الوحيد الحقيقي في هذا الوجود أي هو الحق نفسه – يصير وهماً بالنسبة لكل إنسان مازال بالجسد بل و هكذا صارت الأبدية أيضاً .

فالحقيقة والحق كله هو أن الله ربما يأتي اليوم ، لهذا نصحنا الله بل أوصانا أن لا نهتم بالغد لأن كل كلمة من الله إله الحق وكل أمر هو الحق نفسه ، فالذي يهتم بالغد أو حتى يفكر في أي شيء سوف يفعله بالغد … أو يشرع في أي مشروع ليعمله في الغد … فهو إذاً لا يعيش في الحق بل يعيش في الباطل . الذهاب لأعلى الصفحة

فالحق هو أن الله سيأتي اليوم ومَن لا يشعر بمجيئه فهو مازال في الوهم وفي الباطل.


 الأخوة الأحباء

هذا الموضوع له تكملة أخرى ...

من أراد قراءته فليرسل على البريد الإلكتروني وبنعمة الرب سوف نرسله له

أسرة الموقع

way2truelife@gmail.com

 

التحكم في الصوت

العودة العودة للصفحة السابقة

 

الصفحة الرئيسـية المعـجـزة